العودة إلى الأمام… إسلام المنبع | مركز سمت للدراسات

العودة إلى الأمام… إسلام المنبع

التاريخ والوقت : الخميس, 2 نوفمبر 2017

 

تركي بن صالح العتيبي

 

(شابت نواصي الليالي وهي لم تشب)

لم تقفز الدولة السعودية في الفراغ، ولكنها أتت ثورة على واقع مريض ضعيف مرتهن في جزيرة العرب، كانت الدولة الأولى تأسيسًا، والثانية استعادة للوجود والقرار، والثالثة ترسيخًا للهوية، تلك الهوية التي ترتكز على الدين والثقافة والحضارة الإسلامية، كان الملك عبدالعزيز رجل تلك الدولة الذي خرج بها من عتمة التجاذبات إلى فجر الحقيقة. دولة عزيزة راسخة مستقلة، لم يشب استقلال قرارها، ولا وحدة ترابها شائبة، منذ أن أعلنها المؤسس ورسم حدودها.

مجمع خادم الحرمين للحديث النبوي الشريف

في عهد الخليفة الراشد علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، ثارت قضية الخوارج، وهم فئة متطرفة خرجت بفهم متطرف للنص القرآني، أفرغته من مضمونه العقدي والإنساني والأخلاقي، وحولته إلى نسخة راديكالية متطرفة، عبر فهم نصوصي متشدد للآيات، كانت المعضلة عند المناقشين لتلك الفئة أنهم يرتكزون على النص المقدس، لكن عليًّا – رضي الله عنه – وهو الصحابي العارف بالنص من حيث أسباب نزوله ودلالات آياته وشمولية معانيه، عرف العلة والدواء، فنصح أصحابه بنصيحة أصبحت قاعدة في الدراسة اللغوية والثقافية للقرآن، حيث قال لهم “لا تُخاصِمْهم بالقُرآن؛ فإنَّ القُرْآن حمَّالُ أوجُه، ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكنْ حاجِجْهم بالسنَّة؛ فإنَّهم لن يَجدوا عنْها مَحيصًا”.

لقد وعى صانع القرار السعودي، خطورة التعامل مع الحديث النبوي الشريف باعتباره مفتاحًا لفهم القرآن والانطلاق منه لتأسيس منهج ديني منحرف، تنطلق منه شرعية الجماعات المتطرفة وتسوقه باعتباره الفهم الوحيد للإسلام؛ لذلك فقد أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بإنشاء (مجمع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود للحديث النبوي الشريف). وهو مجمع يُعنى بالسنة النبوية الشريفة (كونها المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، واستمرارًا لما نهجت عليه هذه الدولة من خدمتها للشريعة الإسلامية ومصادرها، ولأهمية وجود جهة تُعنى بخدمة الحديث النبوي الشريف، وعلومه جمعًا وتصنيفًا وتحقيقًا ودراسة)، حسب الأمر الملكي، وهذه الخطوة هي خطوة متقدمة في سبيل تكوين فهم أصيل محدد للمنهج الديني.

الإسلام وسطي أم الوسطية نسخة منه؟

كل حراك سياسي يرتكز أساسًا على مفهوم ثقافي (ديني، عرقي، إنساني) يستمد شرعيته منه، وهذا توصيف معرفي بعيد عن الموقف من ذلك الحراك، لكن ذلك الحراك – عادة – يقدم نفسه كمركز لذلك المفهوم وممثل حقيقي له، ويبني موقفه من الأطراف الأخرى باعتبار البعد عن المركز والاتجاه (اليمين واليسار).

لذلك، فإن التعاطي مع الحراك أصلاً يعتمد على فهم شرعيته والموقف منها، لكن الأفكار السياسية التي تعتمد في شرعيتها على مفهوم ديني تدخل في دائرة لا نهائية من التأويلات.

هذا نقاش فكري مطروح منذ فجر الإسلام، لا يمكن حسمه، إلا بقراءة المواقف، والنزول إلى أرضية السياسة.

قال تعالى: (وجعلناكم أمة وسطًا) “البقرة: 143”. هذه الوسطية في الآية الكريمة، هي تلك التي طرحها الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، في ندوة (نيوم) الشهيرة، التي قال فيها (نحن “نعود” إلى الإسلام الوسطي المعتدل). فالإسلام هنا، وسطي بذاته، وليست الوسطية شكلاً من أشكاله نختاره منها. هذا هو الفهم السياسي السعودي للوسطية، وهو سلوك وتاريخ من المواقف المشرفة، عربيًا، وإسلاميًا، وإقليميًا، ودوليًا. لم تتبنَ السعودية في تاريخها، موقفًا منحازًا لطرف في أي صراع، على مبدأ عرقي ولا مذهبي، بل كان مصطلح “الحقوق” أساسًا في حيثيات الخطاب السياسي السعودي؛ حتى في واقع الإدارة المحلية للبلد، كانت السعودية نموذجًا مشرفًا في التنمية والنهضة. لكن تلك الإدارة تتعرض للكثير من اللغط حول ديناميكيتها التي اتسمت بالكثير من البطء غير المفهوم في مراحل متعددة من تاريخها، والموقف منها يأتي من جانبين: جانب مغرض يعرف المصاعب والواقع الاجتماعي ويتجاهله بغرض الضغط على صانع القرار، وجانب محب ومتحمس، لكنه يجهل المساحة التي يتحرك فيها صاحب القرار.

وليس زعيم القوم “من يترددا”

(لن نضيع ثلاثين سنة …. وسنسحق التطرف)، هذا ما قاله الأمير الحاسم محمد بن سلمان، في ندوة (نيوم). غير تصريحه بالمنهج السياسي والإداري، ركز على الحزم والحسم وعدم التردد مع من يحاول تجاوز هذا المنهج، أو القفز عليه، ومحاولة تعطيل التنمية، ووضع العصا في العجلة عبر إدخالها في لغط فكري عقيم. كانت تلك هي الفكرة، لكن التطبيق تجسد قبل ذلك عبر معالجات ناجعة وسريعة للعديد من الملفات الإدارية والمالية والاجتماعية، رؤية 2030 وملفات المرأة، والاستثمار، والترفيه، وتنويع مصادر الدخل.

كل ذلك، كان نتيجة لرؤية استراتيجية تقفز بالبلد سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، وتفتح أمام الأجيال أبواب مستقبل مزدهر ومستقر، رؤية تمثل الإسلام الوسطي المنفتح على الأديان والثقافات والأفكار.

 

كاتب سعودي*

@turkysaleh

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر