سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
انتشر الاهتمام بالتعامل مع العملات المشفرة بشكل متسارع في عدد من الدول خلال الأشهر الماضية، مصحوبًا بزيادة عدد المتعاملين وكذلك الارتفاع المهول في عدد تلك العملات، حيث تشير التقديرات الى أن عدد العملات المشفرة حول العالم يقدر بنحو 5 آلاف و520 عملة، وفقًا لموقع coinmarketcap منتصف عام 2020، وما يزيد من خطورة هذا الرقم ليس الحجم فقط وإنما اتساع عدد تلك العملات التي ليس لها أي قيمة، سواء في الواقع أو على الإنترنت، باستثناء بعض العملات الشهيرة ومنها على سبيل المثال «بيتكوين» التي تخطى سعر صرفها حاجز الـ 25 ألف دولار خلال الأيام الأخيرة، وكانت حدثًا أشبه بثورة في عالم العملات المشفرة في قطاع المعاملات المالية الجديدة، ومع اتساع نطاق التعامل واتساع دائرة المخاطر والأسئلة عن مستقبل هذه العملات، ينشأ التحدي بشأن مستقبلها ودورها الاقتصادي، وكذلك المخاطر التي قد يتعرض لها المتعاملون والمنقبون عنها في قادم الأيام في ظل التنافس والتنقيب والإجراءات التي قد تتخذها الدول لتشجيع أو تقييد التعامل مع هذه العملات المشفرة.
الاكتشافات والتطويرات التنافسية من أشد عوامل الصراع القادمة بين العملات المشفرة، فالمجددون يزيدون من فرص بقائهم فيما يتعرض الباقي للتراجع وربما الاختفاء العلني من السوق، ولعل ذلك ما يفسر تذبذب الأسعار والارتدادات التي تشهدها أسعار تلك العملات وخسائرها الكبيرة بين عشية وضحاها، كما حدث مع بيتكوين أكثر من مرة برغم اتجاه صعودها المستمر، ولكن المنافسة مع عملة الـ Pi على سبيل المثال قد يخلق تهديدات مختلفة، سواء لقوة العملة أو استقطاب المنقبين.
لتوضيح عامل المنافسة يمكننا المقارنة بين التعدين باستخدام عملة الـ Pi والتعدين باستخدام عملة بيتكوين من حيث المبدأ، فعلى سبيل المثال إذا أراد منقب إنجاز معاملة عن طريق بيتكوين عبر نظام البلوك تشين، يتم تقسيم المعاملات إلى بلوكات عدة، كل بلوك يحمل مجموعة من المعاملات في حدود 1 ميجا من البيانات وفقًا لآلية العمل، ومن ثم تبدأ عملية التنقيب والتعدين اعتمادًا على الطاقة الكمبيوترية (الحوسبية) بحثًا عما يسمى «الهاش Hash» الصحيح الذي يمثل مفتاح تأكيد هذه المعاملة، ومن يصل إلى الهاش أولًا يحصل على المكافأة وهي أجزاء من عملة بيتكوين، فيما لا تحصل باقي الأجهزة المشاركة في عملية التعدين على شيء من هذه العملة.
وعلى الجانب الآخر مبدأ التعدين مختلف تمامًا في عملة الـ Pi، فالمبدأ لا يقوم على أساس قيام المنقبين بالبحث عن الهاش الصحيح اللازم لإتمام المعاملة، كما تمت الإشارة في عملة بيتكوين، بل المبدأ هو وصول جميع المنقبين إلى القيمة الحسابية الصحيحة التي تتوقف عليها صحة المعاملة قيد الإنجاز، فالأسلوب يعتمد على مبدأ العمل الجماعي وليس التسابق والسرعة الفردية للوصول للهاش، كما في حالة عملة بيتكوين، ولذلك قدمت العملة المنافسة مبدأ الجميع يفوز بمكافآت من عملة Pi، لذلك فإن العملات المشفرة تتأثر ببعضها وكذلك بالإجراءات التي قد تقدم عليها الجهات المالية في الدول في إطار الحروب على الأموال غير النظيفة أو عمليات غسل الأموال في حال تم اكتشاف حالات لاستخدام هذه العملات كقنوات لذلك.
مستقبل مظلم ومحفوف بمخاطر جسيمة وتحديات متصاعدة، هي السمة العامة للمرحلة المقبلة من التعامل مع العملات المشفرة، فبغض النظر عن أسباب وغايات نشوء هذه العملات ورواج أسواقها في المرحلة السابقة، سواء لبحث البعض عن أسواق سريعة لتكوين الثروة والأرباح، أو غايات أخرى بسبب عدم معرفة المحركين لهذه العملات وتنوع المستخدمين ومستوياتهم وأدوارهم، إلا أن هناك معلومات ثابتة وهي: سيستمر وضع سوق العملات المشفرة بدون ضوابط قانونية رسمية للمرحلة القادمة لأنه لا يوجد جهة رسمية قادرة على إدارة هذه العملات رسميًا لأكثر من سبب الأمر الذي يبقي التعامل مع هذا النوع من العملات في مهب الريح، والنقطة الثانية تتمثل في أن أي عملة افتراضية غير ثابتة أو محددة القيمة وتخضع لعوامل العرض والطلب، التي قد تكون عوامل مضللة لدفع المستخدمين إلى الإقبال على هذه العملة، ثم الانسحاب بعد ذلك لجني الأرباح وترك صغار المستثمرين يتحمَّلون الخسارة المؤكدة، وفي هذه الحالة لن يجد هؤلاء المستثمرون أي جهة رسمية يلجؤون إليها، وهذه مخاطر تتنامى مع اتساع السوق وتسرع المستثمرين ورغبتهم في الربح السريع برغم أنهم مستثمرون غير مؤهلين.
إضافة إلى ذلك فإن ظاهرة تقلب سعر صرف هذا النوع من العملات لا تحكمها ضوابط مالية كما هي الحال في الأسواق الرسمية ويتسم بمخاطر عالية وعدم استقرار كامل، ويمكن وصفه بسوق المضاربة وليس الاستثمار، ولذلك فإن المتحكمين في السوق أقدر على الشراء السريع والبيع السريع أيضًا لجني الأرباح، دون الاحتفاظ بها لوقت طويل، لأنهم يدركون أنها ليست أصلًا ماليًا رسميًا ولا مخزنًا للقيمة، كما هي باقي الأصول المالية المعروفة في سوق الأوراق المالية كالأسهم والسندات والعملات.. إلخ، ما يعني أن المتعاملين بالعملات المشفرة قد يتعرضون لاحتمالات عالية للنصب من قبل أفراد أو شركات الطرف الثالث في مناسبات عديدة.
ومع مرور الوقت تزداد عمق المشاكل الرئيسية لهذه العملات على صعيد موضوعين مهمين: الأول يتعلق بغياب الشفافية، لأننا لا نعرف الصفة القانونية أو التشريعية لمشغلي هذه العملات، والثاني بتراجع أهمية وقيمة العملة المشفرة نفسها بسبب المنافسة وزيادة العرض من العملة؛ ما يقلل من قيمتها الفعلية في ظل تراجع أسعارها في سوق لا يتسم بالحوكمة والنزاهة والشفافية.
أخيرًا، المستقبل لا يحمل الخير الكثير لهذه العملات لكونها من مصادر الخطر المالي والفساد الذي تتبعه المؤسسات المتخصصة بعد نتائج تجارب بعض الدول التي أجازت بشكل رسمي التعامل بالعملات المشفرة وعادت بعد وقت لتضييق تلك التراخيص لأسباب تتعلق بمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب وغيرها من المخاطر والمخالفات للقوانين التي تنظم الأسواق المالية والرأسمالية، وتشهد حملات متزايدة لمقاطعة هذه العملات، ولعل آخرها الحملة التي تم إطلاقها ضد عملة فيسبوك المشفرة المعروفة باسم «ليبرا» التي واجهت رفضًا واسعًا على مستوى مختلف الدول والمؤسسات، برغم الترويج الذي تم في البداية لمستقبل العملة لكونها ضمت في مجلسها عددًا كبيرًا من الشركات الدولية التي تعد من مصادر نفوذ العملة وقبول شرائها، إلا أن هذه الشركات انسحبت منه، وحتى الولايات المتحدة لم تدعم تلك العملة. إن المجهول يتسم بالمخاطر، ومجهول العملات المشفرة أشد خطورة على الأفراد والاقتصاد والدول لأنها بدون أب وبدون أم حتى الآن.