العملات الرقمية للبنوك المركزية.. مستقبل المال | مركز سمت للدراسات

العملات الرقمية للبنوك المركزية.. مستقبل المال

التاريخ والوقت : الأحد, 13 يونيو 2021

سايمون ويلسون

 

دفع صعود العملات الرقمية المشفرة والانتقال إلى المدفوعات غير النقدية أثناء الجائحة، بالبنوك المركزية والحكومات، لأن تحاول جاهدة اللحاق بالركب. فهل توجد أشكال جديدة من المال؟

ما “عملة البنك المركزي الرقمية”؟

إنها عملة رقمية بالكامل؛ ولكنها مدعومة من الدولة، يصدرها البنك المركزي ويشرف عليها. حتى الآن هناك عملة مصرف مركزي رقمية واحدة فقط قيد التداول الفعلي،  أُطلقت للتجربة على نطاق مصغر في جزر الباهاما في أكتوبر الماضي. ويجري اختبارها في أكثر من خمسين مصرفاً مركزياً لدول أو تكتلات تشكل معظم الناتج المحلي العالمي؛ بما فيها الصين، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة.

العملة الرقمية ببساطة هي عملة ليس لها وجود ملموس على الإطلاق؛ بل يتم تخزينها وتداولها من خلال شبكات افتراضية، وبهذا تختلف عن العملة الإلكترونية التي تشكل الجزء الأعظم من التعاملات المالية؛ فمثلاً (الأموال المودعة في الحسابات البنكية يمكن سحبها بشكل نقدي محسوس). كما أن عملة البنك المركزي الرقمية تختلف عن البيتكوين والأشكال الأخرى من العملات المشفرة التي تتميز باللا مركزية، وبكونها غير مرخصة ولا تقوم بإدارة شؤونها أية هيئة أو سلطة مركزية. بينما عملات البنك المركزي الرقمية يتم إصدارها بواسطة البنوك المركزية بالنيابة عن الحكومات.

فما الهدف منها؟

توفر عملة البنك المركزي الرقمية للمستخدمين من خلال التطبيقات الإلكترونية عملة قانونية تتميز بسهولة وفعالية التداول.

أما بالنسبة إلى الحكومات فتخدمها الفكرة في استعادة السيطرة والتكيف مع التطور التكنولوجي، شكَّل انتشار العملات الرقمية اللا مركزية، وظهور أنظمة الدفع الرقمية على نطاق واسع، تهديداً طويل الأمد لقدرة الدول على تنظيم الأسواق المالية، وتنفيذ السياسات النقدية، علماً بأن الحكومات كانت تقليدياً تقوم بهاتين الوظيفتين من خلال البنوك.

لكن إذا قامت أنظمة الدفع التي طورها عمالقة التكنولوجيا وخبراء التشفير بإنجاز معاملاتها بشكل منفرد متجاوزة الأنظمة المصرفية؛ فإنها ستضع الحكومات في مأزق. لقد تزايد الشعور بالخطر الملح عندما بدأت “فيسبوك” بالتخطيط لإطلاق عملة ليبرا، إضافة إلى تدني استخدام المال النقدي خلال الجائحة. يقول محافظ البنك المركزي الفرنسي جان بيير لانداو، في مقابلة مع مجلة “الإيكونوميست”: “في غضون عامين فقط، شهدنا تغييراً جذرياً في طريقة التفكير والحديث عن المال لدى الناس والسلطات”.

مَن يقوم بالتخطيط؟ وماذا يخططون؟

السويد التي طالما كانت رائدة في مجال التحول بعيداً عن المال النقدي تعمل على تجربة رائدة، وأيضاً بعض الدول الأخرى لديها خطط فعالة لإطلاق عملة بنك مركزي رقمية؛ مثل الهند وباكستان وتايلاند. قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، في مارس الماضي، إن منطقة اليورو يمكن أن تطلق عملة رقمية بحلول عام 2025 إذا أعطى صناع القرار الضوء الأخضر لهذا المشروع في هذا الصيف.

دول عديدة من بينها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وسويسرا والنرويج والأوروغواي ومصر وأستراليا، تقوم بالأبحاث ودراسة الجدوى، ولكن الصين تتصدر السباق (بعد الباهاما)؛ حيث بدأت بكين العمل على التخطيط لليوان الرقمي منذ عام 2014، وتقوم حالياً بتجربته مع 500,000 زبون في 11 منطقة مختلفة. كما أنها تعمل على إنشاء منصة للعملة عابرة للحدود بالتعاون مع الإمارات العربية المتحدة وتايلاند؛ حيث يتوقع المحللون أن يتم إطلاقها خلال اثني عشر شهراً.

هل تأخر الغرب؟

تخشى دول الغرب من أن عملة البنك المركزي الرقمية قد تهمش دور المصارف، ومن أنها قد تصبح أقوى مما ينبغي؛ بحيث تضر بمصالح المصارف والشركات والمواطنين. أما بالنسبة إلى الحكومات الاستبدادية التي تفرض رقابة مشددة مثل الصين، فإن قوة كهذه تعتبر بالنسبة إليها شيئاً مفيداً؛ فهي أداة تتيح احتمالات استخدامها في فرض تحكم ورقابة على السياسة النقدية، وعلى المجتمع. كتب روبن باينامينتا، في صحيفة “ديلي تليغراف”: “سوف يصبح اليوان الرقمي جزءاً مهماً من جهاز الرقابة الصيني يمنح السلطات القدرة على فرض رقابة دائمة على جميع المواطنين والشركات؛ بما فيها الشركات الأجنبية”.

كتب مايكل هاسنتاب في مجلة “فاينانشال تايمز”: “ستجني الصين فائدة من ريادتها لهذا المشروع في مجالاتٍ عدة؛ منها الجغرافيا السياسية والاقتصاد العالمي، وذلك بتسريع قبول اليوان الصيني كعملة احتياط عالمية”.

بالنسبة إلى صناع القرار في الغرب؛ بمَن فيهم صناع القرار في المصرف المركزي الأوروبي، ومصرف إنجلترا، فقد بدأوا مؤخراً في التفكير بما تقدمه عملة مصرف مركزي رقمية من إمكانية القيام بمقايضاتٍ حساسة. فهذه العملة لا تشكل مسألة اقتصادية ومالية فقط؛ بل هي أداة سياسية بامتياز. أما في الولايات المتحدة، فيعمل الاحتياطي الفيدرالي بنشاط على ابتكار عملة رقمية بالتعاون مع خبراء في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد في جامعة إم آي تي (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)؛ ولكن لتنفيذ الفكرة عملياً يحتاج الأمر إلى موافقة من مجلس الشيوخ والإدارة الحكومية، ومن عناصر مختلفة وواسعة من المواطنين على حد قول رئيس مؤسسة الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، في مارس الماضي.

وفي المملكة المتحدة، أعلن بنك إنجلترا ووزارة الخزانة البريطانية، في الشهر الماضي، تشكيل فريق عمل مشترك لبحث إمكانية إصدار جنيه إسترليني رقمي مركزي، من دون تحديد برنامج زمني لذلك. يقول جيليان تيت، في صحيفة “فاينانشال تايمز”: الأمر برمته فيه ما يدعو إلى الشك؛ فمحافظو البنوك المركزية لا يتميزون بالابتكار التكنولوجي الاقتصادي، وقد ينتهي بهم الأمر إلى تجنب الخوض في هذا المجال؛ خوفاً مما ستتسبب فيه السياسة الجديدة من صداع في مجالاتٍ تتعلق بالبيانات والخصوصية والمسؤولية والديمقراطية والمخاطرة بتجاوز المصارف الأخرى؛ ما قد يتسبب في انهيار الإيرادات.

يقول إدوارد تشانسلور في بريكنغفيوز (مؤسسة تابعة لوكالة “رويترز” متخصصة في الشؤون الاقتصادية- المترجم) “إذا أخذنا تاريخ العملة الورقية كمثال، فإن عملة رقمية لن تشكل عملة مستقرة؛ بل ستكون محركاً لحدوث تضخم ومشكلات اقتصادية أخرى في الوقت غير المناسب على الإطلاق بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي”.

ما النظرة الأكثر تفاؤلاً؟

“إن العملة الرقمية قادمة وعلينا أن نحتضنها”، يقول دانييل هانان في “الديلي تليغراف”، “كما أننا تحولنا من استخدام المقايضة العينية إلى المعدن، ومن المعدن إلى الورق، كذلك سوف نتحول من الورق إلى ومضاتٍ إلكترونية صغيرة. الصين في موقع الريادة حالياً، والتحدي القائم هو تقديم نماذج بديلة للعالم مبنية على احترام حرية الأفراد وخصوصياتهم وممتلكاتهم الشخصية، بالتأكيد لا توجد دولة مؤهلة للقيام بذلك أكثر من المملكة المتحدة، موطن أعظم مركز مالي عالمي ومركز تجمع لخبراء تكنولوجيا-الاقتصاد وأنظمة وقوانين، كأنها صممت خصيصاً لتشجع الابتكار في هذا المجال”.

 

المصدر: كيو بوست

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر