سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
سوسن عبدالله الحربي
يشهد العالم اليوم تطورات سريعة في ميدان الاتصال، انعكست بصورة كبيرة على ميدان الإعلام بشكل عام، وأصبح الإعلام الجديد، فاعلًا ومؤثرًا في الأحداث العالمية، إلى أن بلغ مستوى دقيقًا، وجعل من السياسة شأنًا عامًا يمارسه معظم أفراد الشعوب. وشكّلت وسائل الإعلام الجديدة، عالمًا افتراضيًا للأفراد والجماعات والمنظمات؛ مما أدى إلى ظهور فاعلين جدد في تشكيل العلاقات بين الشعوب والدول، والتي تشير إلى مدى ترسّخ العلاقة الارتباطية بين الإعلام والسياسة في الشأن الداخلي والخارجي للدولة.
ومع بدء التحولات التي اجتاحت النظام الإقليمي العربي في نهاية عام 2010م، فيما بات يُعرف بالربيع العربي، كان لوسائل الإعلام الجديدة، بالتضافر مع وسائل الإعلام التقليدية، دور في إبراز حراك الشباب في الثورات العربية على الصعيد السياسي، كما كان لاندلاع تلك الثورات التأثير على مكانة ووضعية كل دولة في المنطقة، وطبيعة التفاعلات السياسية والتحالفات بين وحدات الإقليم.
وكشف المشهد السياسي، سعي المملكة بسياستها العملية في العالم العربي، إلى المحافظة على توازن القوى في المنطقة، فظهرت كمدافع إقليمي بقدرتها المالية والعسكرية في القضايا العربية؛ وذلك في حربها ضد الحوثيين في اليمن ومواجهة النفوذ الإيراني، وتدخلها العسكري في البحرين، وتشكيل التحالف العسكري الإسلامي، ووهو ما لفت أنظار وسائل الإعلام العالمية والعربية بكافة أشكالها، إلى السعودية، والتي كانت بين المؤيد والمعارض للسياسة الجديدة للقيادة السعودية في التعامل مع قضاياها الداخلية والخارجية. ولعبت وسائل الإعلام، دورًا في نقل الأحداث وإشراك الأفراد في الحياة السياسية، الذي يعكس مصالح واستراتيجية كل دولة في علاقاتها مع الدول الأخرى. ولم يَخْلُ هذا النقل من التحريض، واعتبار تلك الوسائل أدوات لتشويه العلاقات العربية – العربية، وتحديدًا العلاقة السعودية المصرية، والعلاقة السعودية اليمنية.
ويشير المشهد الإعلامي الجديد إلى أن الشباب يعيشون واقعًا إعلاميًا متغيرًا وسريعًا؛ نتيجة للتطور المتلاحق في تقنيات الاتصال التي أتاحت الفرصة لتعرضهم لمضامين إعلامية سياسية مختلفة، ومتنوعة، ومتعارضة، بل وأحيانًا متناقضة. كما أن وسائل الإعلام الجديدة أعلت من شأن “الفردية” التي تتجاوز الوطنية أو الإقليمية، حيث يكتسب الشباب معرفتهم السياسية وتوجهاتهم عن طريق وسائل عديدة رسمية وغير رسمية، بصورة مباشرة وغير مباشرة، والتي قد تحمل معلومات غير صحيحة، ويدخلون في دائرة الأميّة السياسية، وهنا تكون أشدّ خطورة على الأمن الوطني والإقليمي.
أولًا: مفهوم العلاقات العربية – العربية
إن لوسائل الإعلام دورًا في التأثير على العلاقات الدولية المعاصرة بنقلها لأخبار متعلقة بالعلاقات بين الدول، سواء كانت رسمية، أو غير رسمية، تُظهر المواقف لهذه الدول والشخصيات التي تمثلها.
لذا، ترتبط دراسة العلاقات الدولية بتفسير وتحليل العلاقات بين الجماعات السياسية المنظمة في إطار إقليم ما، مع الأخذ في الاعتبار العلاقات القائمة بين الشعوب وبين الأفراد الذين يؤلفون هذه الشعوب، والتي لا يمكن فصلها عن العلاقات القائمة بين الدول، خاصة حين يربطها دين ولغة واحدة كالدول العربية. ولكون العلاقات العربية – العربية، أحد متغيرات الدراسة، لزم على الباحثة استعراض العلاقات الدولية، بشكل عام، لفهم طبيعة العلاقات العربية – العربية، موضوع الدراسة، مع الإشارة إلى أن تلك الطبيعة ليست من الثوابت التي لا تتغير، وذلك لسرعة تغير مجريات الأحداث والسياسات الدولية.
– العلاقات الدوليةInternational Relations
إن العلاقات الدولية، لم تصبح علمًا أكاديميًا، إلاّ بعد الحرب العالمية الأولى، فالدول على اختلافها لا يمكنها أن تعيش بمعزل عن الدول الأخرى، ولا بدَّ أن تكون متفاعلة في المجتمع الدولي.
استُخدمت كلمة دولية International لأول مرة من قبل جيرمي بنثام Jeremy Bentham، في نهاية القرن الثامن عشر (بوقنطار ومعلمي، 1988، ص7). ويعتبر مفهوم “العلاقات الدولية” مفهومًا فضفاضًا للغاية؛ حيث تعرفها الموسوعة البريطانية بأنها:”العلاقات بين حكومات دول مستقلة، وتستعمل كمرادف لمعنى السياسة الدولية”، وهذا التعريف يعطي أهمية للعلاقات بين الدول المستقلة. بينما يعرف بدوي (1971) العلاقات الدولية بأنها: “العلم الذي يعنى بواقع العلاقات الدولية واستقرائها بالملاحظة والتجريب، أو المقارنة من أجل التفسير والتوقع”، وهذا التعريف يهتم بالأسلوب العلمي في توضيح العلاقات الدولية وغايتها، وتوقع ما سيتم من ظواهر في إطارها (ص 18).
ويعرفها كوينس بأنها:” علاقات شاملة تشمل مختلف الجماعات في العلاقات الدولية، سواء كانت علاقات رسمية، أو غير رسمية” (طشطوش، 2010، ص12). ويحددها فريدريك هارتمان بأنها:” كل الاتصالات بين الدول وكل حركات الشعوب والسلع والأفكار عبر الحدود الوطنية” (حجر وعبدالعزيز، 2004، ص3).
يظهر من التعريفات السابقة المتنوعة، شبه اتفاق على أن العلاقات الدولية، تركز على التفاعل بين الوحدات الدولية التي تؤثر بشكل مباشر، أو غير مباشر، في قرار الحرب والسلم، مع الإشارة إلى دخول كيانات أخرى في وقتنا الحاضر، كالمنظمات الحكومية وغير الحكومية (الشركات المتعددة الجنسية) إلى المجتمع الدولي ذات التأثير الفاعل بين الدول.
ويؤكد رمضان (2009) “أن العلاقات الدولية لا تدرس ولا يتم تناولها فقط على أساس أنها علاقات بين دول، كما كانت تعالج في الماضي، فهي تأخذ في الاعتبار مكانة وسلطة فاعلين اجتماعيين جدد، رسميين وغير رسميين (الأحزاب السياسية المستقلة، وأحزاب المعارضة السياسية، والنقابات، والمنظمات غير الحكومية، والنخب الفكرية والثقافية، والحركات الاجتماعية والثقافية والسياسية، وجماعات المقاومة” (ص326). كذلك العلاقات الدولية ليست مقتصرة على التفاعلات السياسية، بل تشمل الجوانب العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها.
– العلاقات العربية – العربية
يشير مفهوم العلاقات العربية – العربية إلى العلاقات البينية أو الثنائية بين دول الإقليم العربي. ويمثّل النظام الإقليمي العربي “منظومة البلاد العربية من موريتانيا إلى الخليج والذي يربط بين أعضائه عناصر التواصل الجغرافي والتماثل في عديد من العناصر اللغوية والثقافية والتاريخية والاجتماعية” (هلال ومطر، 1980، ص15). وتزامنت نشأة النظام الإقليمي العربي مع إنشاء جامعة الدول العربية عام 1945م (بسيوني، 2012).
وبناءً على ما سبق، ستتطرق الدراسة إلى العلاقة الثنائية (السعودية – المصرية) التي تمثّل ظاهرة النزاع، والعلاقة الثنائية (السعودية – اليمنية) التي تمثّل ظاهرة الصراع “الحرب”، بعد استعراض مكانة وأهمية كل دولة على المستويين الإقليمي والدولي، وهي على النحو التالي:
– المملكة العربية السعودية: يقوم النظام السياسي في السعودية على الحكم الملكي. وتحتل مكانة مهمة في التنظيم الدولي الحديث، وتستمد أهميتها من مكانتها الدينية باعتبارها قبلة المسلمين وأرض الحرمين الشريفين، وموقعها الجغرافي الاستراتيجي، كونها أكبر دولة عربية في آسيا. ويشكل الإسلام الإطار الفكري الذي يستمد منه النظام السياسي السعودي قواعد عمله وتحركه، داخليًا وخارجيًا، وقاعدة للرؤية السياسية للقادة السعوديين من حيث التركيز على التضامن الإسلامي (الصويغ، 1992، ص56). كما أن للسعودية تاريخًا اجتماعيًا فريدًا، يتمثل أساسًا في عدم خضوعه للاحتلال الأجنبي، وعدم تعرضها مباشرة للتفاعل مع أفكار الحضارة الغربية (الببلاوي، وآخرون، 2007).
– جمهورية مصر العربية: تقوم مصر في نظامها السياسي على الحكم الجمهوري؛ إذ تحتل مركزًا استراتيجيًا فعّالاً في منطقة الشرق الأوسط، وذلك لموقعها الجغرافي وقوتها البشرية الكبيرة. كما أنها تعتبر طريق الوحدة العربية، وذلك لدورها الرائد والمؤثر في النظام الإقليمي العربي منذ زمن، وتعتبر مصر من أقدم الحضارات على وجه الأرض (التويجري، 2015). فقد حافظت مصر على ثقافتها وتراثها العربي، لا سيَّما تصديها الدائم طيلة مراحل التاريخ العربي والإسلامي لمختلف الغزوات الأجنبية (بسيوني، 2012).
– الجمهورية اليمنية الشعبية: تقوم في نظامها السياسي على الحكم الجمهوري الديمقراطي. ولموقع اليمن أهمية وعمق استراتيجي حيوي لمساحتها الجغرافية وكتلتها البشرية، فهي تحدّ السعودية من الجنوب، وسلطنة عمان من الغرب. وتمثل اليمن البوابة الجنوبية لمدخل البحر الأحمر، التي تربط دول الشرق ودول الغرب عبر (مضيق باب المندب)، وهو أقصر الطرق البحرية لنقل النفط من الخليج إلى الأسواق في أوروبا وأميركا الشمالية، والذي يدفع هذه الدول (الخليجية) إلى الحرص على عدم وصول اليمن إلى حافة الانهيار حفاظًا على أمن الطاقة العالمي (عيسى، 2014، ص76).
وترى الباحثة أنَّ ظاهرتي النزاع (Dispute) والحرب (War)، هما إحدى ظواهر العلاقات الدولية، وهما تختلفان باعتبار ظاهرة النزاع الدولي هو الخلاف، أو تعارض الاتجاهات بين دولتين، أو أكثر حول قضايا محددة، وهو أقل حدة وشمولية من الصراع. ويحددها ناصيف يوسف (1985) بأنها هي التي تحدث عادة نتيجة تعارض أو تصادم بين اتجاهات مختلفة وعدم توافق في المصالح بين طرفين أو أكثر مما يدفع بالأطراف المعنية مباشرة إلى عدم القبول بالوضع القائم ومحاولة تغييره. بينما الحرب، وضّحها مقلد (1991) بأنها لا يمكن أن تتم، إلا على صورة واحدة، وهو “التصادم الفعلي بالسلاح”.
ثانيًا: الأوضاع الراهنة للدول العربية
شكّلت ثورات ما يسمى بالربيع العربي، حدثًا هامًا وأساسيًا لإعادة قراءة الوضع العربي وتاريخه. فقد أدت إلى تغيير موازين القوى السياسية والإعلامية، وبالتالي تغيير أولويات الأمة العربية. ورغم مرور خمس سنوات عليها، لم يحصل أي توافق على وصف هذا الحدث المفصلي في تاريخ العرب المعاصر.
شهدت خمس دول عربية ثورات ما يسمى بالربيع العربي (تونس، ومصر، واليمن، وليبيا، وسوريا)، خلال أواخر عام 2010 ومطلع 2012، التي اندلعت في زمن متقارب وجعلت من عام 2011 حدثًا مفصليًا في التاريخ العربي المعاصر. وتشير الباحثة بشكل واضح إلى أن هذا العام، ليس إلا تداعيات وتراكمات تاريخية وسياسية لأحداث سياسية سابقة.
ففي سوريا كان الوضع مختلفًا، فمنذ اندلاع التظاهرات الاحتجاجية على سوء معاملة الجهاز الأمني لأطفال معتقلين في 15 مارس 2011 بدرعا الجنوبية، وحتى الآن، ما زال النظام السوري في حالة حرب مع المعارضة على الرغم من مرور 3 سنوات على الأزمة السورية، ولم يظهر أيّ أفق لتسوية سياسية أو تطورات، كذلك صعوبة الحسم العسكري جراء الاستقطاب الدولي بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى، والاستقطاب الإقليمي بين إيران وسوريا من جهة، وتركيا وبعض دول مجلس التعاون الخليجي من جهة أخرى (فرحات، 2016، ص249).
ووصلت عدوى الثورات إلى البحرين، لكن لم تحتد الاحتجاجات لدخول قوات درع الجزيرة، وأنهت الاعتصام رسميًا في 16 مارس2011 (الشهابي، 2016، ص446). أمَّا بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فهي الدولة الوحيدة التي حافظت على استقرارها في خضم موجة “الربيع العربي” التي عصفت بالمشرق العربي، والتي تعتبر إحدى ركائز النظام الإقليمي العربي في الوضع الراهن.
وكان لوسائل الإعلام الجديدة والشباب، دور في الاحتجاجات العربية، فقد كانت تلك الوسائل السلاح لهذه الثورات، وتمثّل ذلك في الثورة المصرية التي بدأت في موقع “الفيس بوك” و”اليوتيوب”، حيث كان الشباب المحرك الأساسي للإضراب منذ عام 2008، حتى ظهرت حركة “6 أبريل”. ووصف الكثيرون ثورة 25 يناير، حال اندلاعها، بأنها ثورة الإنترنت وثورة “الفيس بوك” وثورة الشباب الذي خرج بها من الإنترنت إلى الميادين. بينما لعب موقع “تويتر”، دورًا أقرب إلى جهاز الاتصالات الرقمي لشباب الثورة (غيطاس، 2016، ص ص281-282).
وفي تونس اشتعل “الفيس بوك” بسبب البائع الشاب “البوعزيزي” الذي أضرم بجسده النار احتجاجًا على صفعة تلقاها من شرطية تونسية، ما أدى إلى ثورة “الياسمين” التونسية التي أجبرت “بن علي” على الهرب. لقد قام الهاتف المحمول والشبكات الاجتماعية بنقل نداءات الاحتجاج، كما نقلت رسائل التضامن والدعم التي تحتاج إليها الثورة. وحين ربطت بالبث الفضائي، باتت هذه الوسائط تبث صورًا وأخبارًا حين مُنعت كاميرات التلفزيون، وحتى حين عُطّلت الشبكة بأكملها (الطويسي و وآخرون، 2012). ومنذ تلك الأحداث أصبحت وسائل الإعلام الجديد، من أهم أدوات الدخول للفضاء الديمقراطي. ويضيف غيطاس (2016) أن دخول الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي معترك السياسة الديمقراطية، ليس ظاهرة منفردة مستقلة بذاتها، بل إنها جزء – وربما الجزء الأهم – من ظاهرة أكبر هي ظاهرة “التواصل الإنساني الرقمي”، ويقصد بها: “قدرة الإنسان على التواصل مع إنسان آخر والتفاعل معه عبر وسيط إلكتروني” (ص273).
لقد أذكت مواقع التواصل الاجتماعي الافتراضية، الحاجة الكامنة للحرية، ولا سيَّما في جيل الشباب، بعد أن منحتهم شعورًا أكبر بالأهمية والقدرة على الفعل والتنظيم (أبو ديب، 2012، ص35). بينما ترى الباحثة أن ثورة الشباب في “الربيع العربي”، لم تكن إلا طاقات ومشاعر الإحساس بالوجود، التي وجدت لها حيزًا في وسائل الإعلام الجديدة بمخاطبة مشاعرهم من خلال الصور والفيديو لما يجري في بعض الميادين، والتي أثارت بهم الحماسة الجمعية. ويحددها أكثر أستاذ علم النفس الدكتور قاسم حسين (2016) بقوله: إن المحرك الأساسيَّ لثورات العرب كانت انفعالات أكثر منها “فكرًا”، بمعنى أن المشاعر الشعبية المشتركة التي تحررت من كبتها، هي التي وحدت تلك الثورات، وليس الفكر المتمثّل بقيادة موحدة، تمتلك خبرة في بناء دولة جيدة (ص106).
وتتفق الباحثة مع تفسير جوستاف لوبون Gustave Le Bon لسلوك الجماهير أثناء الثورات؛ بالرغم من أن أصل الثورة هو العقل، فإن الأسباب التي تهيئها الثورة لا تؤثر إلاّ بعد أن تتحول إلى عواطف. وهذا ينطبق على ثورات الجماهير في الربيع العربي، حيث إن الفرد مهما كان متحضرًا أو مثقفًا، فهو يصبح بربريًا في الوسط الجمعي (الجمهور)، لأن ما يميز سلوك الجمهور هو اللاعقلانية في استجابتها للمواقف التي تكون بها. لذلك عند تشكّل الجمهور تسيطر عليها عمليات نفسية تحكمها وتصنع الموقف، وتؤثر في سلوك الأفراد إمَّا بالإيحاء أو العدوى الاجتماعية بشكل مباشر (في الميدان)، أو غير مباشر (عبر وسائل الإعلام الجديدة). بمعنى آخر، التأثير في الجانب الوجداني أكثر من الجانب العقلي. وتعتقد الباحثة أن قوة إرادة الثورة كانت أكبر من إدارة الثورة، وهذا ما جعل بعض الثورات تفشل لعدم وجود قائد لها.
وهذا لا ينطبق فقط على جماهير الدولة الواحدة، بل يتعداها للدول المجاورة، وهذا ما حصل في سلسلة الثورات العربية، وأشار كيربوKerbo (1978) إلى انتقال العدوى الجمعية بقوله: تسري عدوى الأحداث من خلال أجهزة الإعلام أو الاتصالات الشخصية وغيرها، فتتأثر البيئة المجاورة للبيئة الأصلية للظاهرة بشيء مماثل في ظل وجود ظروف مماثلة (p.365).
وتأسيسًا على ما سبق، تداولت وسائل الإعلام منذ قيام الثورات العربية، الحديث حول تأثير ما يسمى بالربيع العربي على المشهد السياسي العربي بصفة عامة، وعلى العلاقات العربية – العربية بصفة خاصة. وستتعرض الدراسة بصورة عامة للعلاقة الثنائية للدول العربية، موضوع الدراسة، في إطار الإعلام السياسي.
ثالثًا: العلاقات الثنائية للسعودية مع (مصر واليمن)
– العلاقات السعودية – المصرية
تعتبر العلاقات السعودية المصرية، أهم الركائز والتفاعلات العربية، حيث إنهما يمثلان نموذجًا للدولة العربية، التي لكلٍّ منهما تراثها الخاص وقيمتها المتميزة، كما أن العلاقات بينهما تعرضت لمراحل من التعاون والتحالف والتنافس السياسي، وأحيانًا العسكري، فأسهمت العلاقات بينهما، بشكل هام وفعّال، في صياغة نمط التحالف العربي (رفعت، 1989، ص163).
وترجع العلاقات السعودية المصرية إلى عهد الدولة السعودية الأولى، وكان للحكومة المصرية – آنذاك – موقفًا محايدًا من الحروب الداخلية قبل ضمّ بلاد الحجاز على يد عبدالعزيز آل سعود في عام 1926م، فقد كانت حريصة على أمان وسلام الأماكن المقدسة في مكة والمدينة المنورة؛ حيث حظيت مصر بصناعة كسوة الكعبة، منذ أيام الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، حتى تكفّلت السعودية بصناعته في عام 1963م. وفي عهد عبدالعزيز ملك السعودية، اتخذ الملك فؤاد ملك مصر، موقفًا متحفظًا في الاعتراف بآل سعود، واستمرت العلاقة في توتر حتى ظهر “طلعت حرب باشا” رجل الاقتصاد المصري ومؤسس بنك مصر، على مسرح عودة العلاقات السعودية المصرية لمكانتها بالنسبة للملكين عبدالعزيز وفؤاد، فقد مثّل طلعت حرب، بمشروعاته في بلاد الحجاز، الدور المهم في التمهيد لعودة العلاقات بين البلدين، التي نتج عنها أول معاهدة بين السعودية ومصر في الفترة من 9 -20 يناير 1936م، وكان من أهم بنودها اعتراف مصر بالسعودية كدولة حرة ذات سيادة ومستقلة، والتبادل الدبلوماسي بين الدولتين، وتنفيذ مشاريع طلعت باشا، وإرسال مصر عددًا من البعثات للتدريس في السعودية، وكذلك ابتعاث السعودية عددًا من الطلاب للمدارس المصرية والأزهر (بسيوني، 2012، ص ص. 43-44). وكانت هذه الاتفاقية البداية الحقيقية لبناء قاعدة العلاقات بين البلدين، التي تلاها التنسيق لتشكيل جامعة الدول العربية، وزيارة الملك فاروق للسعودية في يناير 1945م، ومن ثمَّ زيارة الملك عبدالعزيز لمصر في 1946م، وتعتبر هذه الزيارة الرسمية الوحيدة التي قام بها الملك عبدالعزيز خارج السعودية في عهد الملك فاروق.
وأدرك الغرب كالولايات المتحدة وبريطانيا، خطورة التقارب السعودي المصري، وسوريا التي تعتبر مثلث الإزعاج للسياسات الغربية – آنذاك – وقد قال الرئيس الأميركي أيزنهاور، أثناء حديثه في اجتماع حلف الأطلسي عام 1956م: “لا بدَّ أن تتوجه سياستنا إلى الفصل بين المصريين والسعوديين، لذلك ستجد مصر نفسها معزولة عن بقية العالم العربي، وليس لها حليف سوى الاتحاد السوفيتي، مما لا يعجبها هذا الوضع بسرعة ويجعلها تلحق بنا في البحث عن تسوية معقولة لأزمة الشرق الأوسط” (شرابي، 1990). ففي سلسلة أحاديث لمحمد حسنين هيكل على قناة الجزيرة بعنوان “المخططات الغربية لزعزعة النظم العربية”، أوضح عن توالي المخططات للتفكيك بين البلدين، بدءًا من “مشروع أوميغا Omega Project” نسبة لاسم السفير الأميركي بالسعودية للفصل بين السعودية ومصر، حيث تُعد هذه المذكرة سرية من الولايات المتحدة صاغها وزير الخارجية جون فوستر دولاس للرئيس إيزنهاور، وكانت تهدف إلى الحدّ من تأثير الرئيس المصري جمال عبدالناصر في الشرق الأوسط وتهميشه لأنه يميل للاتحاد السوفيتي؛ لذا سعت إلى تعزيز الملك السعودي باعتباره الزعيم العربي المهيمن(Kyle,2011, pp. 99-101). وتلاها المشروع البريطاني للدفاع المشترك، والدعوة إلى الاشتراك في حلف الشرق الأوسط والصادر عن بيان الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا عام 1951م، لكن السعودية ومصر وسوريا رفضوا سياسة الأحلاف في منطقة الشرق الأوسط (Oren, 2008).
كان الصراع المصري السعودي، أحد أبرز الصراعات العربية – العربية في الستينيات، وذلك للوجود المصري في اليمن من عام 1962م حتى عام 1967م، الذي كان يشكل تهديدًا للدول الخليجية بسبب سياسة مصر الناصرية. لكن بعد 1967م، تمَّ تسوية الصراع المصري – السعودي حول اليمن، كما اتجه النظام المصري إلى إصلاح علاقاته مع الأنظمة العربية (Quandt, 1981, p.145). وبالتالي، فقد قامت العلاقات الأخوية على الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، والعلاقات الاقتصادية الوثيقة (التويجري، 2015، ص49).
وقفت السعودية بكل ثقلها إلى جانب مصر في كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، حيث أعلنت السعودية التعبئة العامة لجنودها، لمواجهة العدوان الثلاثي على مصر، حيث شارك في الحرب، الملك سلمان والملك فهد كمتطوعين “عندما كانوا أمراء آنذاك”، كما تضامنت السعودية مع قرار الرئيس المصري عبدالناصر بتأميم شركة قناة السويس 1956م، واعتبارها حقًا يجب أن يمتلكه العرب. وكان للسعودية دور عظيم في حرب أكتوبر 1973م، حين قرر الملك فيصل، حظر النفط عن الولايات المتحدة لمساندتها إسرائيل، وتكريمًا للملك فيصل كبطل العرب، أطلقت مصر اسمه على واحد من أكبر شوارع محافظة الجيزة.
لقد مرّت العلاقات السعودية المصرية بتجاذبات متفرقة، إلاّ أن الرؤية الاستراتيجية، والأهداف المشتركة، ووحدة المصير، كانت تنتصر دائمًا؛ فتعيد العلاقات الثنائية إلى ما كانت عليه من قبل (التويجري، 2015). ففي عام 1978م، تمَّ التوقيع على اتفاقية “كامب ديفيد” بين الرئيس المصري محمد أنور السادات، ورئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن، وكانت السعودية من أشد المعارضين لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل؛ لذا قامت السعودية بقطع علاقاتها الدبلوماسية بمصر، وهذه المقاطعة أضعفت الموقف العربي. وباهتمام من الملك فهد، عادت العلاقات عام 1987م في عهد الرئيس المصري حسني مبارك.
وعمدت السعودية ومصر إلى الارتقاء بالإنسان “المواطن” في البلدين. ولما تمتاز به مصر من القوة البشرية الهائلة، فقد تمَّ الاستغلال الأمثل لهذه القوة والكفاءة، والعمل على رفع مستواها العلمي والثقافي، كون مصر نقطة جذب فكري وعلمي وثقافي للوطن العربي، وللسعودية خاصة. ففي عام 1992م، تمَّ التوقيع على اتفاقية في مجال البحث العلمي بين البلدين، وتوقيع اتفاقية لدعم الشباب في مصر (السعيد، 2002، ص ص56-57).
ويشير أبوثنين (2008) إلى أن البلدين تربطهما علاقات قوية وتعاون في مختلف المجالات من أجل التعاون في الدفاع عن أمن وصيانة واستقلال كلا البلدين في مواجهة أي تحديات داخلية، وتعزيز التعاون وتنمية العلاقات في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من خلال تعميق الروابط والصلات الاجتماعية بينهما. كما يتم تنسيق السياسة الخارجية للبلدين تجاه القضايا الإقليمية والدولية المصيرية (ص ص29-30).
تنوّع التعاون والدعم بين البلدين في عهد الملك عبدالله، وحتى عهد الملك سلمان، حيث تمَّ توقيع عدد من الاتفاقات ومذكرات التفاهم في مجالات اقتصادية وحيوية متنوعة، خلال الزيارة التاريخية التي قام بها الملك سلمان، لمصر في الفترة 7-11 أبريل 2016م. فقد أصدر الملك سلمان بن عبدالعزيز، توجيهاته بتأمين احتياجات مصر للبترول لمدة خمس سنوات ودعم حركة النقل في قناة السويس، ودعا إلى زيادة الاستثمارات السعودية. كذلك كان من بين هذه الاتفاقيات ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين، وبموجب هذا الاتفاق أعادت مصر إلى السعودية جزيرتي “تيران وصنافير” الواقعتين بالقرب من مدخل خليج العقبة (alhayat.com, 2016).
إن أحقيّة ملكية السعودية للجزيرتين، تحتاج إلى طرح لخلفيات الاتفاقيات التاريخية بسرد طويل ومعمّق، ولكن تكتفي الباحثة بالعودة إلى أساس القضية للجزيرتين وأصل ظهورها تحديدًا، بعد “النكبة” عام 1948م طلبت السعودية من مصر حماية الجزيرتين أمام التهديدات الإسرائيلية، لكن إسرائيل احتلتهما أثناء العدوان الثلاثي عام 1956م، واحتلتهما مرة أخرى مع النكسة عام 1967م. كما أنه بعد إبرام معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية “كامب ديفيد”، تضمنت في نصوصها (أن مضيق تيران وخليج العقبة من الممرات الدولية المفتوحة لكافة الدول دون إيقاف لحرية الملاحة، أو العبور الجوي، وبالتالي فهما خارج السيادة العربية، ويندرجان ضمن السيادة الدولية). ووفقًا لإسرائيل، فهي ترى أن وضع المضايق، قد تغير بعد المعاهدة، حيث إنها لم تعد تندرج تحت التنظيم العام للمضايق المستخدمة للملاحة الدولية. أمَّا الجانب المصري، فيرى أن مضيق تيران، هو أحد المضايق الدولية، ويخضع لنظام المرور المتبع في باقي المضايق الدولية، طبقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. وبعيدًا عن ذلك، فإن الجزر كانت تخضع لحماية قوات حفظ السلام.
وفي فترة رئاسة الرئيس المصري حسني مبارك، عام 1990م، صدر قرار رئاسي حول ترسيم الحدود البحرية، واعتمدته لجنة تعيين الحدود المصرية السعودية في عام 2010م، لتقرر بعد ستة أعوام أن تيران وصنافير سعوديتان. وبهذا انتهى حلم إنشاء قناة “مؤسس إسرائيل” بن جوريون الملاحية الإسرائيلية، وفرض النفوذ العربي على الجزر بإنشاء أكبر منطقة لوجستية بالعالم (masralarabia.com, 2016). رغم ذلك، ما زال هناك خلاف بين البرلمان المصري والحكومة المصرية التي وقعت على ترسيم الحدود لجزيرتي “تيران وصنافير”، كما أن وسائل الإعلام اتخذت جانبًا معارضًا، وهذا ما ستتعرض له الدراسة الحالية.
ومن جانب آخر، كان لمصر رؤية مختلفة حول تسوية النزاع في سوريا، خصوصًا إزاء ضرورة تغيير نظام الحكم، أو القيادة السورية؛ فقد أيدت الحكومة المصرية الغارات الجوية التي تشنها روسيا على سوريا، وهذا ما صرّح به وزير الخارجية المصري سامح شكري (aljazeera.net, 2016)، بينما السعودية تطالب بحل سياسي يُخرج الرئيس بشار الأسد من السلطة، وذلك بعد تعديات النظام السوري على الشعب السوري بقتله مئات الآلاف وتهجير الملايين وهدم البنية التحتية للبلاد. لكن مصر كانت تتأرجح بين المؤيد لموقف السعودية وبين المخالف لها، وذلك ما أوضحته وسائل الإعلام.
وفي المجال العسكري، دعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في 26 مارس2015، إلى تشكيل “القوة العربية المشتركة” لصيانة الأمن القومي العربي، وقد لاقى موافقة من القادة العرب في القمة العربية المنعقد في شرم الشيخ، ثم تأجّل بعد تلقي مذكّرة من المملكة العربية السعودية تطلب الإرجاء، وتأييد البحرين وقطر والكويت والإمارات والعراق لهذا الطلب (العجمي، 2015). ومن الأهمية الإشارة إلى مشاركة القوات المصرية “جويًا وبحريًا” ضمن قوات التحالف العربية في عاصفة الحزم ضد الحوثيين في اليمن.
ويتضح مما سبق، أن العلاقات السعودية المصرية، تكتسب خصوصية تميزها عن بقية العلاقات الثنائية العربية، فقد عمدت الدولتان إلى الابتعاد عن الانفعال، وذلك بإعلان موقفهما بكل هدوء وتروٍّ، والسعي إلى الرسائل الدبلوماسية والحوار الهادئ، وإلى إقامة علاقات متوازنة ومتكافئة مع كافة القوى الدولية، مع وضع أمنهما الوطني ومصلحتهما القومية في مقدمة أهدافهما السياسية (إسماعيل، 2010، ص55).
– العلاقات السعودية – اليمنية
تعد اليمن جزءًا أساسيًا من النسيج العام لشبه الجزيرة العربية، إذ ترتبط بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية على المستويات التاريخية والإثنية والقومية، وهو ما يمنحها أهمية كبرى بالنسبة لدول الخليج على المستوى الاستراتيجي والأمني والاقتصادي.
كانت هناك جملة من الخلافات السعودية اليمنية، اقترنت ببدء العلاقات بين البلدين، وهذه الخلافات تمَّ حلها – ولو بشكل مؤقت – بالمعاهدات أو غيرها خلال السنوات السابقة. حيث تتمتع المملكة بحدود كبيرة مع اليمن، وكانت هناك تغيرات كان لها الأثر في رسم مسيرة العلاقات تاريخيًا. فمنذ عام 1849م، كان هناك أجزاء من الجزيرة العربية تقع تحت السيطرة العثمانية، وبعد سقوط الدولة العثمانية قامت المملكة المتوكلية عام 1918م، وكان ملوكها من آل حميد الدين، وكان الأدارسة يسيطرون على “جازان ومنطقة عسير”، والسواحل الغربية حتى “الحُديدة”، وعقدوا معاهدة صداقة مع الإنجليز عام 1915م (القحطاني، 2014). وبدؤوا بتلقي المساعدات المالية الإنجليزية، وأقاموا معاهدة مشابهة مع الملك عبدالعزيز آل سعود، عُرفت بمعاهدة “دارين”، التي نصّت على اعتراف الحكومة البريطانية بأن مناطق نجد، والأحساء، والقطيف، والجبيل، تابعة لآل سعود، وسُميت بذلك نسبة لبلدة دارين في جزيرة تاروت المقابلة لميناء القطيف على ساحل الخليج العربي (Wilkinson, 1993, pp. 133-139).
كانت علاقة الإمام “يحيى بن حميد”، ملك المملكة المتوكلية – آنذاك – سيئة مع الإنجليز، وكان يسعى لبسط نفوذه على المزيد من الأراضي بدعوى أنها تتبع مملكته، فخاض حروبًا مع سلاطين جنوب اليمن المرتبط بالإنجليز، حينها تدخل البريطانيون وقصفوا بالطائرات “تعز” و”قعطبة”، كما خاض حروبًا أخرى مع الإمارة الإدريسية، التي دفعت الأدارسة للالتحاق بالملك عبدالعزيز آل سعود، مما جعل الإمام يدرك أنه لا مفرَّ من توقيع معاهدة مع الإنجليز. لكن الأدارسة نقضوا حلفهم مع الملك عبدالعزيز، والتحقوا بالإمام، فقامت الحرب اليمنية – السعودية عام 1434م، واشتبكت قوات الطرفين “اليمنية والسعودية في نجران، حتى استعاد الملك عبدالعزيز نجران وصبيا بعد أن كانت الأخيرة بيد الأدارسة، وتمَّ توقيع معاهدة الطائف عام 1934 التي تمثل حجر الزاوية في مسألة ترسيم الجزء الأكبر من خط الحدود بين الطرفين (Katz, 1992). وكان الملك عبدالعزيز آل سعود، من أشد الزعماء حرصًا على سلامة حدود بلاده، لذلك وضع قضية الحدود الدولية في صلب ملف السياسة الخارجية السعودية التي قامت على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والحرص على إقامة علاقات صداقة وحسن جوار مع كافة الدول المجاورة. وأبرز ما يميز سياسة الملك عبدالعزيز، وبخاصة شأن قضايا حدود بلاده، هو رفضه تعليق أو تأجيل البت في مسائل الحدود التي يعتبرها من القنابل الموقوتة، التي لو تُركت، فإنها ستنفجر في وقت لاحق، لذلك كان يُفضل مواجهة هذه المشاكل.
وكانت لحكومة المملكة العربية السعودية والمملكة اليمنية، آراء اتفقت وتباينت في بعض الأمور حول فكرة الوحدة العربية، فكان الملك عبدالعزيز آل سعود، من أنصار الوحدة العربية، وصرح برأيه في ذلك أكثر من مرة، وبأنه يسعى لهذا الأمر، وقد اتضحت فكرة الوحدة العربية بالنسبة للملك عبدالعزيز – على الأقل – في الجزيرة العربية، ولكن على أساس أن يكون السعوديون هم رؤساء هذه الوحدة، حيث رفضت الحكومة السعودية أن تتزعمها أي أسرة هاشمية لما بينهما من صراع طويل، وهو ما أوضح العقبة الرئيسية في مشروع الوحدة والمتمثلة في المنافسات بين الأسر الحاكمة الملكية (فايد، 2004، ص186). لقد ظلت مشكلة الحدود السعودية – اليمنية، تشكل أحد أهم مصادر التوتر في علاقات البلدين، منذ حرب عام 1934م، وحتى قيام الثورة اليمنية في عام 1962م التي سقطت فيها الإمامة، وقُتل الإمام أحمد، وتمَّ محاصرة قصر الإمام محمد البدر حميد الدين، وإعلان الجمهورية العربية اليمنية (أبو طالب، 2015).
وفي عام 1990م، قامت الوحدة اليمنية، وحرصت الجمهورية اليمنية على تصفية الحدود مع السعودية، لكن الموقف اليمني تجاه الاحتلال العراقي للكويت عام 1990م، كان منحازًا إلى العراق؛ مما سبب توترًا في علاقتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، وأفضت إلى وقف المساعدات الاقتصادية السعودية الخليجية، والاستغناء عن معظم العمالة اليمنية بكل دول مجلس التعاون. ويشير القحطاني (2014) إلى أنه في عام 1994م، حدثت محاولة انفصال اليمن الجنوبي عن الشمال بسبب اتهام الجنوبيين للشماليين باستئثار السلطات، والظلم لأبناء اليمن الجنوبي، الأمر الذي نتج عنه توتر في العلاقات بسبب اتهام المسؤولين اليمنيين للسعودية وبعض دول الخليج بانحيازها للجنوبيين. وإزاء هذا، توترت العلاقات في عام 1995م، بين الطرفين نتيجة الخلاف على الحدود، وبعد محاولات للتسوية بين البلدين، تمَّ توقيع معاهدة جدة في عام 2000م، التي أنهت ملف الحدود اليمني السعودي (ص ص 46-47).
انضمت اليمن إلى ساحات الصراع الإقليمي قبل اندلاع ثورات الربيع العربي، بعد أن اتهمت الحكومة اليمنية إيران بدعمها تمرد الحوثيين، عام 2004م، حيث دعمت حينها السعودية حكومة علي عبدالله صالح، وارتبط الحضور السياسي للحوثيين وسيطرتهم على مفاصل الدولة اليمنية من سبتمبر 2014م بالعلاقة مع الجمهورية الإسلامية في إيران، رغم محاولة إيران إنكار مدى ارتباط الحوثيين بها.
وازدادت حدة الصراع بعد الثورة اليمنية، التي انطلقت من جامعة صنعاء في 15 يناير 2011م، وانقسم الجيش اليمني بين المؤيد لسقوط الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وبين مؤيد لبقائه، ثم تعثرت المرحلة الانتقالية التي نصّت عليها التسوية السياسية (المبادرة الخليجية) بتشكيل حكومة وفاق وطني بنسبة 50% لكل طرف، وقد وقّع عليها كلٌّ من الأطراف السياسية المعارضة والموالية. ولقد شكّل سقوط العاصمة اليمنية بيد الحوثيين، نقطة التحول في اليمن، ثم ازداد المشهد تعقيدًا بعد الزيارة التي قام بها وفد من الحوثيين وأنصارهم؛ إلى إيران عقب سقوط صنعاء تحت سيطرة الحوثيين، بمساعدة عسكرية من الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح – التي أنهت كل ريبة حول علاقتهم بإيران – ومع انقلاب الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح على الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي، مما دفع حكومة الأخير للاستقالة عقب اقتحام دار الرئاسة في يناير 2015م.
وأشار تقرير الدوحة (2015) إلى أن حدّة الصراع ازدادت مع محاولة الحوثيين وحليفهم الإقليمي إيران، الهيمنة على اليمن وتحويله إلى محطة أخرى، تهدد أمن دول الخليج العربية واستقرارها. وقد أدت هذه التطورات إلى ردّات فعلٍ إقليمية حادة، تمثلت بالتدخل العسكري الذي قام به تحالف “عاصفة الحزم” ويضمّ عشر دول بقيادة السعودية، بعد توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، والتي أعلنت عنه في السادس والعشرين من شهر مارس 2015م (الشرق الأوسط، 2015)، وذلك استجابة خليجية لطلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بحماية الشعب اليمني من ميليشيات الحوثي (إذاعة جدة، 2015).
ونتيجة لعاصفة الحزم، فقد أرست وقائع جديدة في موازين القوى وأدوار اللاعبين ضمن الإقليم، وهو ما قد يمثّل خطوة كبيرة أولى في إعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة، ولا سيَّما بعد دخول السعودية طرفًا مباشرًا في معادلة التوازنات القائمة، ليس في اليمن فقط، بل في ملفات الإقليم المتشابكة وخاصة في سوريا والعراق. فالتهديد الإيراني نابع من عدة اعتبارات: الجوار الجغرافي، والمفاهيم التاريخية الإيرانية، وهو أن الخليج هو خليج فارسي، وترى أن هذه المنطقة هي المجال الحيوي لها، وأخيرًا مفهوم تصدير الثورة الإسلامية لدول الخليج العربية كنقطة انطلاق نحو باقي منطقة الشرق الأوسط (المطيري، 2011). كذلك التصريحات الإيرانية عن ملكيتها لدولة البحرين، وإصرارها على الاستمرار باحتلال الجزر العربية في الخليج العربي، وتقدمها في برنامجها النووي، كلها عوامل ضاعفت من التحسب للخطر الإيراني القادم إلى المنطقة العربية، لأن إيران تتحرك وفقًا لعقيدتها المذهبية والقومية، وتؤمن بحتمية قيام حكومة عالمية إسلامية عاجلًا أم آجلاً (الصمادي وبني ملحم، 2009، ص ص 102-103).
ويذهب عيسى (2014) إلى لفت النظر للمعلومات المسربة عن سعي الولايات المتحدة الأميركية لجعل اليمن قاعدة عسكرية بحرية متقدّمة ومهمّة، تخدم أكثر من غرض عسكري في الشرق الأوسط، وغرب إفريقيا، وحتى آسيا الوسطى، التي تمثّل المجال الحيوي للاستراتيجية الأميركية الجديدة (ص76).
رابعًا: العلاقات العربية – العربية في وسائل الإعلام
يقوم الإعلام الجديد، بوسائله وأدواته، بدور كبير في الأحداث السياسية والتغيرات التي تصيب المجتمعات العربية في السنوات الأخيرة، ومنها المجتمع السعودي. ويتضح ذلك عندما كشفت عاصفة الحزم، مدى تضارب كلٍّ من وسائل الإعلام السعودية والمصرية الحكومية والخاصة، في تصريحات الصحفيين والإعلاميين.
لقد تسبب الانفلات الإعلامي، وغياب المهنية لعدد من الإعلاميين، في إثارة أزمات دبلوماسية بين مصر وعدد من الدول الإقليمية، من أهمها السعودية، من هجوم على الرموز السياسية للمملكة وسياساتها، ثم انتقاد لعاصفة الحزم، وانتقاد لنشاطات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وانتقاد التحالف الإسلامي الذي أعلنته المملكة في ديسمبر2015 لمحاربة الإرهاب (عسكر، 2016). ونتيجة لهذا الهجوم وفي تقرير نشرته صحيفة “الرياض بوست” riyadhpost.live (2015)، أعلن أحمد قطان، سفير السعودية في القاهرة، عن استيائه وأسفه لتطاول الإعلام المصري على المملكة ورموزها، وشدد على أن العلاقة بين السعودية ومصر علاقة استراتيجية، ولو حدث تراجع بالعلاقة، فذلك يعني أن الأمن العربي في خطر. وظهر الرئيس عبدالفتاح السيسي يؤكد أن مصر لن تتخلى عن أشقائها في الخليج، وأن الأمن القومي لن يحمى إلا بالدول العربية مجتمعة. ورغم الخلافات عبر وسائل الإعلام، فإنه لم تصدر تصريحات رسمية من النظام الحاكم في السعودية، أو مصر، تثبت أو تنفي وجود الخلافات.
كما ثار الكثير من الجدل في الأوساط الإعلامية، حول تبعية جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين في مدخل خليج العقبة بالبحر الأحمر، منذ إعلان توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين الحكومة المصرية والحكومة السعودية، التي تنتقل بموجبها الجزيرتان إلى السعودية. وكان النزاع الإعلامي بمحاولة إثبات ملكية “تيران وصنافير” بين الجانب المصري والجانب السعودي، عبر عرض وثائق ملكية وخاصة بعد حكم القضاء الإداري المصري، بتاريخ 21 يوينو2016، يفيد ببطلان الاتفاقية وتبعية الجزيرتين لمصر، وهو ما نقضته الحكومة المصرية بعد ذلك. ونشر موقع “BBC عربي”، خبرًا عن حالة الغضب بين المعلقين على مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت بشأن سيادة السعودية على الجزيرتين، والتي أظهرها وسم #تيران_وصنافير (bbc.com، 2016). ويشير الكاتب المصري عبدالله السناوي (2016) إلى حساسية القضية قائلًا: “هناك مصالح استراتيجية مشتركة بين مصر والسعودية تتعدى المقايضات المباشرة… وهذا مدمر تمامًا لأية مصالح استراتيجية مشتركة في لحظة أزمة تتفاقم بالبلدين”.
لكن بالمقابل، وعلى قناة النيل الإخبارية المصرية التابعة لوزارة الإعلام المصري، ظهر المذيع السعودي محمد المحيا بالزي السعودي، يُقدّم نشرة الأخبار، وذلك للمرة الأولى في تاريخ التلفزيون المصري، في السابع من أبريل 2016، أثناء زيارة الملك سلمان لمصر. لكن لم يَحْظَ بالتغطية الكافية، لذا أبرزت صحيفة الرياض الإلكترونية السعودية، الحدث تحت عنوان (مذيع سعودي يقدم نشرة الأخبار في التلفزيون المصري) لينتشر الخبر في وسائل الإعلام الجديد بشكل أكبر. وأضافت صحيفة الرياض (2016) أن هذه الخطوة تأتي في إطار العلاقات الوثيقة والمتطورة بين الشعبين الشقيقين، كما أنها تأتي لتؤكد أن العلاقات المتينة تجاوزت المستوى الرسمي إلى جميع المستويات.
أمَّا على الجانب السعودي – اليمني، فمنذ انطلاق عاصفة الحزم، ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي، العرب بشكل عام، والسعوديون بشكل خاص، يدونون تأييدهم للقرار التاريخي بالتدخل العسكري دعمًا للشرعية في اليمن، وتصدّر وسم #عاصفة_الحزم أكثر الوسوم “Hashtags” تداولًا في العالم (الشرق الأوسط، 2015). وبادر مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي “الفيس بوك، وتويتر، ويوتيوب” بنشر الغارات الجوية، وتبادل فيديوهات مصورة للغارات، كما تمَّ تدشين أكثر من صفحة على موقع التواصل “الفيس بوك” يحمل اسم (عاصفة الحزم)، وحظي وسم #اليمن باهتمام كبير، عربيًا وعالميًا (مكرم، 2015). وأشار بعض المستخدمين إلى أن هناك أكثر من 9 ملايين تغريدة استُخدم فيها وسم #عاصفة_الحزم (الجزيرة مباشر، 2015). وقد غرد بعض الناشطين في “تويتر” بأن قرار التدخل العسكري، هو قرار شجاع، ويأتي في مصلحة اليمن وحمايتها من تسليمها لإيران.
لكن من الجانب الآخر لوسائل الإعلام اليمنية (التقليدية والجديدة)، نجد أن الحوثي يسيطر على الساحة الإعلامية اليمنية بشكل كامل، على المستوى التلفزيوني والصحفي، بالإضافة إلى القنوات الإيرانية الداعمة للحوثي، مثل: “العالم”، و”حزب الله”، و”المنار” (rawabetcenter.com, 2015). لذا تشكّل الأزمات والحروب في معظم الأحيان، تداعيات وتحديات لوسائل الإعلام؛ لأن ظروف الحرب والأزمة تختلف عن الظروف العادية.
ويرى جريبر (Graber, 1997)أن معالجة وسائل الإعلام للقضايا والأحداث، تؤثر بشكل كبير في إدراك ملايين الجماهير للحقيقة؛ فالوسائل تأخذ الجمهور إلى ساحات الحروب، ومواقع الأحداث حول العالم، فتقرب وجهات نظرهم، وتوحّدهم حول القرارات والتحركات السياسية. كما أن للصور التي تقدمها فاعلية أكبر، خاصة عند تناولها لجانب خفي من جوانب الحياة، لا يستطيع الأفراد أن يعيشوها أو يروها، إلا من خلال تلك الوسائل، مثل الثورات في الدول المجاورة، وتحدد المهم وغير المهم للصفوة وسائر المجتمع. غير أن الباحثة لا تتفق مع تحديد وسائل الإعلام للمواضيع مع تطور البيئة الاتصالية؛ فالمجتمع – الآن – أصبح هو من يحدد أهمية المواضيع أو عدمها، في وسائل التواصل الاجتماعي التي لا تضعها وسائل الإعلام التقليدية ضمن أولوياتها.
وترى الباحثة أن الحروب تصنع التاريخ، وتشكّل الإطار المعرفي والإعلامي الجديد، ومع ظهور وسائل الإعلام الجديدة، أصبح الإعلام ميدانًا رئيسيًا للصراعات السياسية والفكرية والثقافية؛ إذ إن حرب الإعلام يعدّ جزءًا أساسيًا من الحرب العسكرية التقليدية وأداة من أدوات إدارة الصراع، ولنا في الولايات المتحدة مثال، عندما استخدمت الإعلام كإحدى أدواتها لإسقاط الاتحاد السوفيتي. كما أن التعامل السطحي مع القضايا السياسية الخارجية الحساسة التي تمسّ الأمن القومي للدول، يفاقم من المشكلات التي تواجه تلك الدول ويعقّدها في علاقاتها الخارجية الإقليمية والدولية، ويزيد من إرباك الساحة السياسية وتشويه صورة السعودية؛ لأن بعض حسابات التواصل الاجتماعي، التي تحمل هويات مستعارة، قد تُدار من أطراف وأجهزة خارجية معادية للدولة.
باحثة في الإعلام السياسي*
@sawsan3bdullah
المراجع العربية
الكتب
المراجع الأجنبية:
المراجع الإلكترونية:
[1] بحث مستل من رسالة الماجستير في الإعلام الموسومة بـ(دور الإعلام الجديد في تشكيل المعارف السياسية للشباب الجامعي السعودي تجاه العلاقات العربية العربية)، 2017م بجامعة الملك سعود للباحثة سوسن عبدالله الحربي.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر