سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
في ظل تنامٍ متزايد للدور السعودي الخارجي، ومع مرور المملكة بأزهى عصور ازدهار سياستها الخارجية، وتحقيقها لإنجازات خارجية ملحوظة، وذلك اتساقًا مع “رؤية السعودية 2030” التي تهدف إلى تعزيز المكانة الخارجية للمملكة، يأتي التقارب السعودي اليوناني ليسطر منحنى جديدًا من العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
الأشهر القليلة الماضية شهدت تزايد عدد الزيارات المتبادلة بين السعودية واليونان، ولعل القمة التي عقدها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، مع رئيس الوزراء اليوناني “كيرياكوس ميتسوتاكيس”، والتي تناولت استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين – في فبراير الماضي – خير مثال على ذلك، إذ أوضح رئيس الوزراء اليوناني أن المملكة تشهد توسعًا غير مسبوق ومشاريع متزايدة في قطاع السياحة والتراث الوطني الذي يعد ثاني قطاع توظيفًا للمواطنين، بالإضافة إلى تأكيده أهمية الاستفادة من الخبرة اليونانية، خصوصًا في تطوير الكفاءات البشرية والاستثمارات السياحية.
مكتسبات هامة نتجت عن الزيارة تمثلت أبرزها في تصريحات رئيس الوزراء اليوناني التي أكد فيها أن بلاده تعمل على التعاون مع المملكة العربية السعودية في مجال التراث والآثار بوصفها حلقة مهمة في التاريخ الإسلامي والعالمي، بالإضافة إلى حديثه حول أن اليونان تعوّل على السياحة في التعافي الاقتصادي من الأزمة التي تشهدها، وتأكيده على الاتفاق مع الجانب السعودي على إقامة معرض “طرق التجارة العربية – روائع آثار المملكة عبر العصور” في متحف أثينا.(1)
فضلاً عن عقد الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، اجتماعًا في الرياض، مع رئيس وزراء اليونان “كيرياكوس ميتسوتاكيس”، تناول أوجه العلاقات الثنائية، وفرص تعزيزها في مختلف المجالات، إلى جانب بحث تطورات الأوضاع في المنطقة.(2)
تاريخ من العلاقات
المملكة العربية السعودية واليونان ترتبطان بعلاقات اقتصادية وتجارية قوية جعلت اليونان أحد الشركاء التجاريين للمملكة. بيد أن العلاقات الاستراتيجية بين المملكة واليونان ليست وليدة اللحظة، إذ بدأ هذا التقارب منذ وقت طويل يعود إلى عام 1965؛ يوم غادر الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود إلى أثينا لتلقي العلاج وتوفي هناك. وبعد ذلك بدأ التعاون بين البلدين في المجال الاقتصادي منذ توقيع “اتفاقية التعاون الاقتصادي والفني” في عام 1986، التي أنعشت حركة الاستيراد والتصدير بين البلدين بما يعزز من مصالحهما الاقتصادية، إذ حقق الميزان التجاري بين المملكة واليونان فائضًا لمصلحة المملكة العربية السعودية يقدر بنحو 5664 مليون ريال سعودي عام(3)2010
دوافع التقارب السعودي اليوناني
لا شك أن الدوافع والأهداف هي المحرك الرئيسي للسياسات الخارجية؛ لذا، فالعلاقات السعودية اليونانية بالتالي تحركها دوافع هامة تتمثل في:
*المملكة في ظل استراتيجيتها الجديدة تهدف إلى تنويع خارطة حلفائها في المنطقة؛ لذا، فإن تقاربها مع كل من قبرص واليونان يأتي في إطار ذلك الأمر، خصوصًا في ظل التجاذبات والاستقطابات الحادة التي تنعكس على موازين القوى في المنطقة بسبب التنافس والصراع الشديد في شرق المتوسط.
*وعلى الجانب الآخر، يمكننا تلخيص الموقف اليوناني في التقارب مع المملكة العربية السعودية في رغبتها في تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين نظرًا لما تتمتع به السعودية من قدرات مالية كبيرة، خاصة أنها تعاني من تدهور حاد في الجانب الاقتصادي.
*ومن ناحية أخرى تربط اليونان بين دوافعها الاقتصادية والأمنية، فمن خلال تحالفها مع كيانات أخرى تعزز قدراتها الاقتصادية ستتمكن من الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والأمنية أمام التهديدات التركية في المتوسط. بيد أنأثينا لا تتمتع بالثروات والقوة العسكرية لمواجهة تركيا في الأزمات الجيوسياسية الأخيرة وما يتعلق بالتنقيب عن الغاز في البحر الأبيض المتوسط؛ لذا، فهي تسعى إلى زيادة الضغط السياسي والأمني على أنقرة من خلال إجراء تحالفات عدة(4).
أشكال ومستويات عدة للتعاون
تعاون اقتصادي
التعاون الاقتصادي بين المملكة واليونان من أهم دعائم العلاقات الثنائية بين البلدين، إذ صدّرت المملكة إلى اليونان ما قيمته حوالي 3.2% من إجمالي قيمة صادرات الدول المصدرة إلى اليونان في عام 2011، كما استوردت المملكة منها حوالي 1% من إجمالي واردات الدول المستوردة من اليونان في نفس العام. عطفًا على ذلك، فإن العلاقات الاقتصادية بين الطرفين تخضع لاتفاقيات عدة، بيد أن الميزان التجاري بين المملكة واليونان قد حقق فائضًا تجاريًا لصالح المملكة يقدر بحوالي 5664 مليون ريال وذلك في عام.2010
وبالنظر إلى حركة التصدير بين البلدين، سنجد أن قيمة صادرات المملكة لليونان قد بلغت حوالي 0.65% من إجمالي صادرات المملكة وذلك في عام 2010، إذ تتمثل أهم صادرات المملكة لليونان في زيوت النفط الخام ومنتجاتها، فيما تستورد المملكة من اليونان بذور القطن وأحجار رصف الطرق والرخام.(5)
التعاون في مجال الأقمار الصناعية
لا تقتصر العلاقات بين المملكة واليونان على الجانب الاقتصادي والتجاري وحسب، بل امتدت لتشمل أيضًا التعاون في مجال الأقمار الصناعية وتطبيقاتها، وهو الأمر الذي دعمه توقيع اتفاقية بين البلدين- في فبراير الماضي – بهدف تعزيز التعاون بينهما في مجالات الفضاء، بما يعود على البلدين بالمنفعة(6).
تعاون استراتيجي
لعل التعاون في الجانب الاستراتيجي أيضًا يمثل إحدى ركائز العلاقة بين البلدين، وما هو ما نستدل عليه من مرافقة وزير التنمية والاستثمار “سبيريدون جورجياذيس” لرئيس الوزراء اليوناني “ميتسوتاكيس” خلال زيارته الأخيرة إلى الرياض، وذلك لدعم جذب الاستثمارات السعودية إلى اليونان، بالإضافة الى تمهيد أرضية طويلة المدى للوجود السعودي في اليونان وشرق البحر المتوسط، فاليونان لا تتمتع بالثروات والقوة العسكرية التي تمكنها من مواجهة تركيا في الأزمة الجيوسياسية بينهما وسعي الأخيرة للسيطرة على غاز المتوسط؛ لذا فهي تسعى إلى زيادة الضغط السياسي والأمني على أنقرة من خلال إجراء تحالفات مع قوى هامة مثل المملكة العربية السعودية.(7)
تعاون عسكري
بجانب التعاون الاقتصادي والاستراتيجي بين المملكة واليونان، سنجد أن هناك أيضًا تعاونًا في المجال العسكري، وهو ما نستدل عليه من تصريحات المتحدث باسم الحكومة اليونانية “ستيليوس بيتساس”، التي جاء فيها أن أثينا ستنشر صواريخ باتريوت في السعودية “لحماية البنى التحتية الحيوية في مجال الطاقة”، فلا شك أن تلك الخطوة التي ستسهم في ضمان أمن الطاقة وتؤكد تمسك أثينا باستقرار المنطقة وتوطيد علاقاتها مع المملكة وإدراكها لثقل المملكة في منطقة الشرق الأوسط. بالإضافة إلى حديث “بيتساس” أنه من المتوقع أن يتوجه نحو 130 عسكريًا يونانيًا إلى المملكة لمراقبة وصيانة المنظومات الدفاعية. (8)
نتائج
بتحليل المعطيات السابقة نستنتج أن العلاقات بين المملكة العربية السعودية واليونان امتدت لتمثل منحنى متزايدًا من التقارب الاستراتيجي، حيث شملت أوجه التعاون مجالات عدة، منها: الاقتصادي والتجاري والاستراتيجي، فضلاً عن التعاون في مجال الأقمار الصناعية، وهو ما يمكننا إجماله في النقاط التالية:
*هناك قطاع كبير من الاقتصاد اليوناني يقوم على واردات زيوت النفط الخام الذي يعدُّ أبرز صادرات المملكة العربية السعودية، بيد أن التعاون في الجانبين الأمني والسياسي يبدو أنه قد أخذ موقعه الأساسي في هذا التقارب في الفترة الأخيرة نظرًا للتغيرات الأمنية والسياسية المستجدة في منطقتي الشرق الأوسط وشرق المتوسط.
*من خلال هذا التقارب تسعى المملكة العربية السعودية لتعزيز نفوذها الإقليمي من خلال زيادة حضورها في مختلف ملفات المنطقة، خصوصًا ما يتعلق بمستجدات الصراع حول الطاقة التي ستشكل واقع وطبيعة الصراع في المرحلة القادمة. كما أنها من خلال هذا التقارب تسعى لخلق حالة من توازن القوى في شرق المتوسط، في حين ستستفيد اليونان من هذا التقارب بخلق علاقات قوية مع حليف هام في المنطقة كالمملكة لأنها لا تستطيع الوقوف بمفردها أمام تركيا.
*لا شك أن التقارب مع اليونان غيرها من الدول يعكس حرص رؤية السعودية الجديدة على بناء علاقات ناجحة وفعالة مع كل دول المنطقة والعالم من خلال الدبلوماسية الناعمة والمبنية على المصالح المشتركة، فمن المعروف أن المملكة تتمتع بعلاقات إيجابية وطيبة مع غالبية دول المنطقة والعالم.
* تقود السعودية المنطقة ودولها نحو مستقبل مشرق، ومن الواضح أنها تمرّ الآن بواحد من أزهى عصورها، سواء على مستوى التنمية أو الاستقرار والتطوير، أو على مستوى السياسة الخارجية وفرض هيبتها وقوتها في المنطقة، وتعزيز مكانتها في العالم، وهو ما تدعمه من خلال بناء التحالفات الاقتصادية والسياسية والعسكرية.(9)
*من المؤشرات السابقة نستطيع توقع زيادة التقارب والتعاون بين المملكة العربية السعودية واليونان في الفترة المقبلة وتنامي التقارب بينهما في جميع المجالات، فضلاً عن المزيد من الاستثمارات ونشاط حركة التجارة والاستيراد والتصدير بين البلدين.
المراجع
1-السعودية واليونان توقعان عدة اتفاقيات تعاون، إيلاف.
2-قمة سعودية – يونانية تبحث علاقات البلدين والمستجدات بالمنطقة، الشرق الأوسط.
3-التقارب السعودي اليوناني الأخير.. الدوافع والتوقعات، مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات.
4- المرجع السابق.
5- العلاقات التجارية بين المملكة العربية السعودية واليونان، غرفة الشرقية.
6- مذكرة تفاهم بين السعودية واليونان للتعاون في مجال الفضاء، مصراوي.
7-أهداف زيارة رئيس الوزراء اليوناني إلى الرياض، الوقت.
8-اليونان ترسل صواريخ “باتريوت” إلى السعودية، روسيا اليوم.
9-السعودية وقبرص.. انتصار متعدد الوجوه لـ”دبلوماسية الموجة الشاملة”، عاجل.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر