سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تبدو السياسات الأخيرة للمملكة العربية السعودية، تواقة إلى تحقيق السلام العالمي، بما يتلاءم ضمنًا مع “رؤية السعودية 2030” الساعية نحو تحسين نوعية الحياة في ظل تحقيق أداء إداري وحكومي أفضل، وصراحة مع توجهات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عبر أطر محاربة الفكر المتطرف والقضاء عليه وانخفاض النواحي السلبية، بتدابير وتحركات تحمل إشارات إلى أن كل الحروب التي عرفناها وجميع اتفاقيات السلام العديدة التي وقعت منذ فجر التاريخ، باءت أغلبها بالفشل الذريع ولم تُجدِ نفعًا، فالسلام لا يجوز فرضه من الخارج، بل بالسلام الداخلي للفرد الذي يمثل وحدة المجتمع، ومن ثم يعمُّ السلام العالمي تلقائيًا.
وبصورة عامة، تستند السياسة الخارجية للمملكة على مبادئ وثوابت، وضمن أطر رئيسة، من أهمها تعزيز العلاقات المتكافئة مع القوى الكبرى، انعكاسًا لدورها المحوري في العالمين العربي والإسلامي، وكذلك التفاعل مع مراكز الثقل والتأثير في السياسة الدولية، آخذة في الحسبان كل ما يترتب على هذه السياسة من تبعات ومسؤوليات، انطلاقًا من إيمان عميق بأن السلام العالمي هدف من أهداف سياستها الخارجية، داعية باستمرار إلى أسس أكثر شفافية للعدالة في كافة المجالات باعتبارها السبيل الوحيد إلى الازدهار والرخاء والاستقرار في العالم، لا سيما محاربة التطرف والإرهاب بكافة صوره وأشكاله، والرفض الشديد لخطاب الكراهية، وتعمل ضمن شراكات دولية من أجل الأمن والسلم الدوليين من خلال موقعها القيادي في العالمين الإسلامي والعربي، فكانت زيارات ولقاءات سعودية مع باباوات الفاتيكان.
وعلى ضوء زيارة وفد سعودي، مؤخرًا، لدولة الفاتيكان، تبين أن لكلا الطرفين ثقلاً سياسيًا ودينيًا كبيرًا يضفي أهمية كبرى على لقاءات وفود المملكة مع بابا الفاتيكان، والأخير يكن تقديرًا خاصًا للمملكة لدورها البارز في الحوار بين الأديان والحضارات لتعزيز التسامح الذي تحث عليه جميع الأديان، وتحقيق الأمن والسلام والاستقرار لشعوب العالم كافة، ضمن قاعدة الشعوب تجمعها قيم مشتركة، وهي السياسة الثابتة التي تسير عليها المملكة والفاتيكان، وتم تأييدها في مؤتمر عالمي للعلماء من مختلف أرجاء العالم الإسلامي في مكة المكرمة عام 2008.
العلاقة مع الفاتيكان بدأت بإرادة ملكية من الملك فيصل بن عبدالعزيز، عندما وجد أنه من المناسب، زيارة وزير العدل السعودي الشيخ محمد الحركان للفاتيكان (معقل المسيحية في العالم) لإحلال السلام، وهي نفس الرسالة التي يبنيها – اليوم – الملك سلمان بسياساته ورحلاته ووصاياه، كما حملها الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي كان الملك السعودي الأول الذي يزور بنفسه الفاتيكان، كرسالة يؤمن بها ملوك هذه البلاد للعالم أجمع. الحديث هنا عن لقاء الباحثين عن المعنى العميق للدعوة الإنسانية بهدف الوصول إلى مشاركة بين الشريكين بالتآخي في السلام، أمام عالم تقسمه النزاعات الاثنية والعرقية والسياسية والأيديولوجية، من أجل إنقاذ الكائن البشري في مجتمع أكثر عدالة وأكثر إخاء.
دور المملكة في دعم الحوار بين مختلف الثقافات والحضارات، بات ملموسًا وفق تأكيدات لممثلي جهات أممية في أكثر من مناسبة، لدعمها لمشاريع محلية وإقليمية وعالمية في مجالات نشر ثقافة الحوار والاحترام وبناء السلام العالمي، وتعزيز مفاهيم التعايش والتفاهم المشترك بين الثقافات، ونشر ثقافة التسامح والوسطية والاعتدال. وأولًا وأخيرًا تكرس المملكة مبادئ استدامة التعاون الدولي عبر حملات وأنشطة تساهم في ترسيخ دعائم الاستقرار ومكافحة التطرف وتجفيف منابع الإرهاب، فباتت أنموذجًا يحتذى به في المحافل الدولية، خاصة بعدما أطلقت عددًا من البرامج والحملات، منها مثلًا: مراكز (اعتدال – السكينة – المناصحة). وعلى المستوى الدولي برزت جهودها كعضو رئيس في التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب، والتحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش”، إضافة إلى مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، الذي كان فكرة سعودية وتمَّ دعمه بمبلغ ١١٠ ملايين دولار، ويعد هذا التبرع الأكبر في تاريخ الأمم المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب.
أعطت المملكة لقضايا السلام العالمي، أهمية خاصة بتسخير طاقة الشباب وأفكارهم، من خلال إدراجهم في القضايا المتعلقة بحفظ السلام، في إطار استراتيجيات التنمية الوطنية والإقليمية والعالمية، عبر ما ينبثق عن مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، من برامج ولقاءات تهدف في مجملها إلى تعزيز مفاهيم التعايش والتفاهم المشترك بين الثقافات، من أبرزها برنامج (سلام للتواصل الحضاري)، وبرامج أكاديمية الحوار، والمركز الوطني لاستطلاعات الرأي العام (رأي)، إضافة إلى ما نفذه المركز من لقاءات فكرية وطنية وندوات لمناقشة القضايا المتنوّعة والمساهمة في تحقيق رؤية ولي العهد.
ومن وحي مشروع “نيوم” التاريخي الذي أطلقه الأمير محمد بن سلمان، بالكشف عن خطة طريق لمواجهة التطرف، بتقديم تعريف للظاهرة ذاتها، ثم تفكيكها إلى عناصرها الأساسية، وبعدها يجري نشر مفهوم وقيم الدولة المدنية الوطنية، كما أثير في سؤاله الباحث عن ماهية الإسلام الراديكالي الذي علينا مواجهته، وكيفية توصيفنا للتطرف، وانطلاقًا من الواقع، توصلنا إلى أن التطرف الذي سنواجهه ليس التفجير ولا التكفير ولا الأعمال الإرهابية، التطرف الذي باتت مواجهته استحقاقًا فعليًا، هو ذلك الذي يعوق قيم التسامح وقبول الآخر، ومبادئ السلام الاجتماعي، والمدنية، والحياة الوطنية الطبيعية.
والتطرف هو كل خطاب أو سلوك يتخذ صفة توجيهية دعوية مهيمنة تخالف قيم السلم الاجتماعي، وتسعى للتأثير في سلوك الآخرين وأفكارهم وقيمهم عن طريق توظيف الأدوات والمفاهيم الجبرية، وعلى رأسها المفاهيم الدينية والمفاهيم القبلية. الأمير يعرف أن المفاهيم سالفة الذكر، لها صفة جبرية مؤثرة في الوجدان بالنظر إلى طبيعة المجتمع وثقافته، إنها مفاهيم متغلِّبة وذات سلطة لا يجب استخدامها للتدخل في تصنيف خيارات الآخرين، فالقضية في الدولة المدنية لا تخضع لما يراه الواعظ أو القبلي؛ بمعنى أنها لا تدور حول معياري العيب والحرام، بل حول معيارين مدنيين هما المسموح والممنوع.
دعم المملكة للسلام العالمي، هو أمر ثابت ومستمر، كما شاهدنا في مبادرات خادم الحرمين الشريفين، بتأسيس مركز الملك سلمان للسلام العالمي في ماليزيا، والمركز الدولي لمكافحة الفكر المتطرف “اعتدال” في الرياض، وغيرها من المبادرات والأطروحات التي أطلقتها المملكة فيما بعد الخطوة الأساسية الأولى في هذا الحوار التي جرت بين السعودية والفاتيكان في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز والبابا بولس السادس. وكان من أبرز ثمار الحوار، صدور وثيقة عن الفاتيكان عام 1965 بعنوان (توجهات من أجل حوار بين المسيحيين والمسلمين). واستمرت السعودية في مواقفها المتسامحة تجاه الأديان الكتابية، خصوصًا المسيحية، في العهود اللاحقة لوفاة الملك فيصل، حتى العهد الحالي بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وفيما سمي بنداء الفاتيكان إلى الشعوب المسيحية، تألفت وثيقة من مئة وخمسين صفحة تحت عنوان (توجهات من أجل حوار بين المسلمين والمسيحيين)، نادت بتصحيح مفاهيم المسيحيين الخاطئة عن الإسلام والمسلمين، وفي المقابل تعتبر المبادرة السعودية – في حد ذاتها – ملهمة لصالح الوئام العالمي والتفاهم المتبادل.
وفي إطار الجهود العالمية لمواجهة المد المتصاعد للنزاعات الأهلية والتطرف الديني، نظرًا لأن الأيديولوجيات المتطرفة في تصاعد، والمجتمعات باتت أكثر استقطابًا، اهتم ولي العهد السعودي بمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، مستعينًا بمجموعة من الخبراء المختصين في شؤون الحوار بين أتباع الأديان والثقافات المتنوعة. وضم المركز مجموعة تتكون من 60 متخصصًا في العلوم الدينية للحوار حول تعزيز المشتركات الإنسانية. وبشكل عام، صارت الفعاليات السعودية في هذا الشأن عاملًا مهمًا في مسارات التواصل مع قطاع كبير من القيادات الدينية من المسلمين والمسيحيين واليهود والبوذيين والهندوس في جميع أنحاء العالم. ويعتبر مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، المنظمة الدولية الوحيدة التي يتم إدارتها من قبل مجلس إدارة من أتباع أديان وثقافات مختلفة.
وحدة الدراسات السياسية *
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر