سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تكتسب زيارة رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، للمملكة العربية السعودية، أهمية تجعلها في مقدمة الأحداث المهمة ليس على النطاق الآسيوي، بقدر ما تتسع لتشمل النطاق العالمي بشكل عام؛ وهو ما يجعل من متابعة أبعاد تلك الزيارة، نقطة انطلاق لقراءة اتجاهات التحولات الاستراتيجية التي تشهدها السياسة العالمية بشكل عام، والمحيط الإقليمي لكلا البلدين من خلال مجموعة القواسم المشتركة، سواء على مستوى ملامح كليهما، أو التحديات التي يواجهها الجانبان.
تاريخ عميق من العلاقات الدبلوماسية
حفلت العلاقات السعودية الباكستانية بتاريخ ثري بالمواقف التعاونية والإيجابية، التي عبرت عنها الزيارات المتبادلة على المستويات المتعددة لقادة البلدين؛ فيرجع تاريخ تلك العلاقات إلى عام 1974، حينما ساندت المملكة باكستان في الحصول على استقلالها عن الهند، وأبرمت اتفاقية تعاون بين البلدين عام 1951 تنص على إقامة علاقات أخوية بين البلدين وعدم استخدام أرض البلدين للإضرار بالدولة الأخرى.
تعزَّز ذلك التقارب بزيارة الملك سعود لباكستان عام 1954، حيث شملت الزيارة عددًا من المدن الباكستانية، مثل بيشاور ولاهور، كما حصل الملك على الدكتوراه الفخرية في القانون من جامعة كاراتشي. كما زار الملك فهد بن عبدالعزيز، باكستان عام 2003 في أعقاب الغزو الأميركي للعراق.
واتخذت باكستان – تاريخيًا – موقفًا داعمًا لمساعي المملكة العربية السعودية لتأسيس “منظمة المؤتمر الإسلامي”، وظلت عضوًا فاعلاً فيها حتى اليوم.
تأسيسًا على ذلك، تطورت العلاقات بين الجانبين، وهو ما عبرت عنه زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز، حينما كان وليًا للعهد عام 2014، والتي عقد خلالها اجتماعًا مع الرئيس الباكستاني، ممنون حسين، وكبار المسؤولين. كما استقبل الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية سابقًا، قائد الجيش الباكستاني، راحيل شريف، لمناقشة سبل تعزيز الجوانب الأمنية للعلاقات السعودية الباكستانية. كما قام الأمير محمد بن سلمان، بزيارة لباكستان، التقى خلالها رئيس وزراء باكستان وقائد الجيش الباكستاني.
ومن ثَمَّ، فإن مستوى الزيارات المتبادلة بين الجانبين يعبر – بالضرورة – عن إدراك مشترك لحجم وضرورات العلاقات السعودية الباكستانية.
الجوانب الاقتصادية للعلاقات بين البلدين
في إطار جولة آسيوية قام بها الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، اتسع نطاق العلاقات السعودية الباكستانية، حيث شملت الزيارة باكستان، وارتكزت في المقام الأول على تعزيز الجوانب الاقتصادية من خلال فتح الباب لتدفق الاستثمارات السعودية، وخاصة في قطاع الفولاذ الباكستاني، إذ تمَّ إنشاء مصنع للفولاذ بتكلفة 130 مليون دولار تنفذه شركة الطويرقي التي استحوذت على 75% من الشركة الباكستانية لصناعة الفولاذ مقابل 362 مليون دولار، وحينما اتجهت باكستان لخصخصة الشركات الكبرى كان من نصيب شركة الجميح السعودية، قيادة شركة كراتشي لتوليد الكهرباء، كما استحوذت شركة سامبا السعودية على 68% من بنك الهلال التجاري مقابل 98 مليون دولار.
وقد وصلت العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى مرحلة متقدمة، حيث تُعدُّ المملكة واحدة من أكبر 10 دول مصدرة لباكستان، إذ وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 18 مليار ريال عام 2013، لكنه وصل خلال الفترة من 2002 إلى 2012، إلى نحو 115.5 مليار ريال (30.7 مليار دولار)، يميل الميزان التجاري لصالح المملكة بنسبة 91%. كما يستفيد الاقتصاد الباكستاني من السعودية بنحو 7 مليارات دولار، هي عائدات مليوني مواطن باكستاني يعملون بالمملكة. فضلاً عن ذلك، وصل تدفق التحويلات المالية إلى باكستان عام 2013 إلى نحو 5.9 مليار دولار.
في هذا السياق، تمثل المملكة العربية السعودية، إحدى الركائز التي يعول عليها عمران خان، في مواجهة الأوضاع المتردية التي يعاني منها الاقتصاد الباكستاني، والتي ربَّما تدفع الحكومة الجديدة لطلب المساعدة من صندوق النقد الدولي. وكانت وكالة “فيتش” لتصنيف الائتماني، أعلنت أخيرًا أن البنك المركزي الباكستاني اضطر إلى الاستعانة باحتياطي العملات الأجنبية في البلاد، وخفض العملة الوطنية لمواجهة العجز التجاري المتزايد. ورغم تحسن إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في باكستان بنسبة 5.8% عام 2018، لكن الدين العام يقدّر بحوالي 70% من إجمالي الناتج المحلي، كما تراجع الاحتياطي من العملة الأجنبية من 16.1 مليار دولار في أبريل إلى 9.6 مليار في يونيو من العام الجاري، فضلاً عن ذلك يصل العجز في الموازنة إلى 6%.
وفي مواجهة هذه الأوضاع الاقتصادية المتردية، يأمل عمران خان، في أن توفر له المملكة العربية السعودية الدعم المالي، الذي ربَّما يغنيه عن اللجوء لصندوق النقد الدولي.
السياق الاستراتيجي الراهن للعلاقات السعودية الباكستانية
يشهد هيكل القوة في النظام العالمي، تغيرًا بدا ملحوظًا خلال الآونة الأخيرة، مع اتجاه الصين نحو تبني المشروع الاقتصادي المسمى “الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني”، وهو ما يُكسب “إسلام آباد” مكانة استراتيجية متميزة بحكم موقعها الجيوستراتيجي. ويتسع نطاق التطورات الأخيرة ليشمل المساعي الروسية للانضمام إلى هذا الممر الاقتصادي في إطار محاولاتها لاستعادة مكانتها السابقة كقوة عظمى.
وتتأثر العلاقات السعودية الباكستانية بالتحولات الاستراتيجية التي تطرأ على السياسة الخارجية السعودية، واستعادة زمام المبادرة في نطاقات متعددة؛ فبعد فترة الاسترخاء الاستراتيجي الذي شهدته سياسة المملكة تجاه منطقة جنوب آسيا، تسعى الرياض لإعادة صياغة علاقاتها مع حليفها الآسيوي التقليدي في إسلام آباد، والقوة النووية الإسلامية الوحيدة في العالم.
وفي هذا السياق، جاء الموقف الأميركي الضاغط على باكستان، الذي عبرت عنه تغريدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب، التي وصف فيها باكستان بـ”الكذب والخداع”، ثم قرر فيما بعد قطع 255 مليون دولار من التمويل العسكري، الأمر الذي قابلته “إسلام آباد” بالرفض الشديد لتنهي تحالفها مع واشنطن. في مقابل الموقف الأميركي المتشدد تجاه “إسلام آباد”، سارعت الصين بإعلان دعمها لباكستان باعتبارها “تبذل جهودًا جبارة في مكافحة الإرهاب، وينبغي على المجتمع الدولي أن يعترف بذلك”.
أمَّا على الجانب السعودي، فإن المملكة تقرأ التحولات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط كجزء من منظومة أوسع من التحولات الاستراتيجية العالمية، التي ينبغي مواكبة اتجاهاتها والتعاطي معها وفق المتغيرات.
فمع تعرُّض الأمن الإقليمي في منطقة الخليج العربي، والشرق الأوسط بشكل عام، لموجة كبيرة من التهديدات الأمنية، تسعى الرياض إلى تنويع تحالفاتها الخارجية، وكسر الاحتكار الغربي للسيطرة الاستراتيجية العالمية، وخاصة مع اتجاه ميزان القوى العالمي إلى الجانب الآسيوي. في هذا السياق، وبجانب التحالفات السعودية مع القوى العالمية، فإنها اعتمدت – تاريخيًا – على ركيزة شرقية وأخرى غربية؛ باكستان هي الجناح الشرقي الذي يمكن أن تواكب من خلاله سلسلة التحولات الاستراتيجية العالمية التي تنبع من آسيا، وفي غرب توجد مصر التي تتضافر مع المملكة في ضبط الاتزان الاستراتيجي في مواجهة التحديات الإقليمية، سواء تلك القادمة من الطموحات الإيرانية الرامية لزعزعة الاستقرار بالشرق الأوسط، أو حتى الناجمة عن أزمات الشرق الأوسط التي جعلت المنطقة مستنقعًا لقوى الإرهاب حول العالم.
في هذا السياق، تتوافق التوجهات السعودية والباكستانية في مواجهة خطر التهديدات الإيرانية للأمن الإقليمي، سواء بمنطقة الشرق الأوسط، أو في المحيط الآسيوي الذي تتأثر به باكستان التي يمثل الشيعة 15% من سكانها. كما أن لها حدودًا مع إيران، وفي الوقت نفسه، لا تتوانى إيران في استخدام ورقة الأقلية الشيعية في باكستان كما حدث عام 1987، حيث أعلن السفير الإيراني بباكستان، قدرة بلاده على حشد مليون شيعي في شوارع باكستان في غضون ساعات.
الجوانب الأمنية للعلاقات السعودية الباكستانية
تتخذ العلاقات السعودية الباكستانية، نمط التحالف الاستراتيجي الذي يرتبط تاريخيًا بقضايا الأمن، حيث بدأ التعاون الأمني بين البلدين بإسهام باكستان في تأسيس القوات المسلحة السعودية. وتتسع مجالات التعاون الأمني بين الجانبين لتشمل مجالات التدريب، حيث يوجد نحو 1200 مدرب باكستاني في القطاعات الأمنية والعسكرية المختلفة بالمملكة.
إضافة إلى ذلك، تتعزز العلاقات الأمنية بين الجانبين بتشابه العقيدة الدينية لدى الجيشين السعودي والباكستاني، فضلاً عن التشابه الجغرافي الذي يسهل بدوره مهام التعاون في مواجهة الإرهاب، والتبادل الأمني والاستخباراتي.
لذا، فإن أهمية ذلك الحدث لا تنبع من كونها أولى الزيارات الخارجية لـ”خان” منذ توليه منصبه فحسب، بل تتعدد أبعاد تلك الزيارة وجوانب أهميتها؛ ذلك أنها تأتي بعد تاريخ من العلاقات التي يعززها الدور السعودي في بناء البرنامج النووي الباكستاني، الذي يسمى بالقنبلة السُنّية، لتصبح باكستان الدولة النووية الوحيدة في العالم الإسلامي. ومع تعدد جوانب العلاقات السعودية الباكستانية، يدرك الرئيس الباكستاني الجديد، أهمية تعزيز العلاقات بين الجانبين، فبعد ساعات من أداء اليمين الدستورية، استقبل “خان”، وزير الإعلام السعودي، عواد بن صالح العواد، حيث استعرضا واقع العلاقات الثنائية بين الدولتين.
شهد عام 2016، عددًا من اللقاءات التي أعقبها تأكيد باكستان على التزامها بالحفاظ على أمن وسيادة المملكة العربية السعودية، وهو التأكيد الذي لا يُعدُّ جديدًا في ظل العلاقات الاستراتيجية التاريخية بين البلدين، وذلك في حالة الفوضى التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.
وقد تزامن ذلك مع حرص المملكة على توسيع نطاق الدعم الذي تقدمه لباكستان، إذ أعلنت الرياض، أخيرًا، عن تقديم حزمة مساعدات مالية إلى جهاز الاستخبارات الباكستانية، تبلغ قيمتها 180 مليون دولار، وهو ما أعقبه الإعلان عن قيام وحدات 135 ضابطًا أمنيًا باكستانيًا بمساعدة نظرائهم السعوديين في الشؤون الأمنية بشكل منتظم. فبعد اجتماع بين السفير السعودي لدى باكستان، نواف بن سعيد المالي، مع قائد الجيش الباكستاني، أعلن الأخير أنه سيرسل قوات إلى السعودية في “مهمة تدريب وتشاور”، وذلك بموجب اتفاقية تعاون أمني ثانٍ بين البلدين منذ 1982، وهو ما تحفّظ عليه البرلمان الباكستاني، الذي تخوّف من رد الفعل الإيراني، حيث تتشارك حدودًا مع إيران، فضلاً عن خوف البرلمان من انعكاس ذلك على الأوضاع الداخلية، ولا سيَّما مع وجود 15% من الباكستانيين يعتنقون المذهب الشيعي، لكن ذلك لم يمنع وجود ما بين 750 و800 جندي باكستاني بالمملكة في مهمات استشارية ومساعدة في حماية الأماكن المقدسة.
خاتمة
تأتي زيارة رئيس الوزراء الباكستاني في ظل بيئة أمنية واستراتيجية مضطربة تحيط بكلٍّ من المملكة العربية السعودية وباكستان، وهو ما يفرض على الجانبين إعادة أولويات علاقاته الخارجية. ولعل ما يدعم تلك التوجهات التعاونية والتقارب الاستراتيجي بين البلدين، مجموعات من المعطيات التي تدفع في تلك الاتجاهات. فالأزمة التي يعاني منها الاقتصاد الباكستاني، فضلاً عن التحولات الاستراتيجية التي تشهدها منطقة جنوب آسيا، وكذا الحال بالنسبة لأعمال العنف التي شهدتها باكستان أخيرًا، كلُّ ذلك يدفع الرئيس الباكستاني للتعويل على الدعم السعودي في مواجهة التحديات السابقة.
ومن جانب آخر، فإن المملكة العربية السعودية تدرك جيدًا تحولات توازنات القوى العالمية، وأهمية باكستان في تلك التحولات، ولا سيَّما مع الدور الذي تلعبه “إسلام آباد” مع الصين عبر محور اقتصادي عالمي، وهو ما يجعل المملكة حريصة على الاستفادة من تلك التوجهات الجديدة في السياسة العالمية.
فضلاً عمَّا سبق، يمثل السلوك الإيراني الداعم للفوضى وعدم الاستقرار في المحيط الإقليمي لكلا البلدين، سواء بمنقطة الشرق الأوسط، أو المحيط الآسيوي، محفزًا يشجع الجانبين على تعزيز العلاقات السعودية الباكستانية.
وحدة الدراسات السياسية
المراجع
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر