العالم في النصف الأول من 2019.. اضطرابات قاتلة وتصعيد مرتقب | مركز سمت للدراسات

العالم في النصف الأول من 2019.. اضطرابات قاتلة وتصعيد مرتقب

التاريخ والوقت : الجمعة, 12 يوليو 2019

كان النصف الأول من عام 2019 حافلاً بالأحداث السياسية والاقتصادية التي تركت تأثيرًا كبيرًا على الساحة الدولية، ربَّما يمتد هذا التأثير إلى النصف الآخر من العام. وتنوعت تلك الأحداث لتشمل غالبية دول العالم، ومن لم تشمله تلك الأحداث من هذه الدول بشكل مباشر، أثرت على مسار قراراتها السياسية ومصالحها الاقتصادية.

ولعل أهم الأحداث التي شهدها النصف الأول من 2019، حالة التصعيد بين الولايات المتحدة ونظام إيران وأذرعه الإرهابية في المنطقة، وما صاحب ذلك التصعيد من تفجيرات في خليج عمان، وإرسال معدات عسكرية أميركية للمنطقة.

إن التصعيد بين واشنطن وإيران يختلف هذه المرة عن أي توتر سابق، لاسيَّما أن الجالس على المكتب البيضاوي في البيت الأبيض يختلف تمامًا عن كل سابقيه، ما يعني أن هامش المناورة أمام إيران تقلص ويتقلص، في ظل إحكام ترمب سيطرته على أوروبا التي انتهى تأثيرها العالمي منذ الحرب العالمية الثانية.

السعودية هي الأخرى باتت تتعامل مع الإرهاب الإيراني وجرائم أذرعه بشكل أكثر حزمًا وحسمًا، بل وتبلور الموقف السعودي ليشمل تصعيدًا على كافة المجالات، وخاصة العسكري والدبلوماسي، بداية من عاصفة الحزم وصولاً إلى قمم مكة التي تجمع الأمة العربية والعالم الإسلامي على موقف واحد مناهض لإرهاب إيران.

وعلى ذكر الأمة العربية، فإن القمم التي نظمتها السعودية أكدت من جديد على الموقف السعودي والعربي من قضية العرب المصيرية، عبر التأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني ورفض أي حلول تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وهو ما أعلنته قمم مكة، بالتزامن مع الإعلان عن خطة ترمب للسلام.

أيضًا، من القضايا العربية المهمة التي سجلت حضورًا وتأثيرًا كبيرًا في النصف الأول من 2019، تظاهرات الشعبين الجزائري والسوداني التي تمكنت من الإطاحة برئيسي البلدين، ما أعاد إلى الأذهان ما عُرِف بـ”الربيع العربي” الذي اندلع في 2011، بما حمله من آمال وما صاحبه من آلام. وهو ما يطل من جديد مع تظاهرات السودان والجزائر، فهل يمكن للبلدين أن يتفاديا آلام مخاض التغيير وينطلقان إلى رحابة آماله؟

وعلى ذكر الإطاحة بالرؤساء، يجادل البعض أن نتائج تقرير “مولر” الخاص بالتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية 2016، قد أنقذ رأس ترمب من الإطاحة، بل وعزز فرصه في ماراثون انتخابات 2020، بالتزامن مع التحسن الاقتصادي الملموس في الولايات المتحدة. لكن بعض التحليلات تتحدث عن أن تقرير “مولر” لم يبرئ ساحة ترمب بشكل مطلق، وهو ما سيتخذه الحزب الديمقراطي وإعلامه ومرشحيه كمنصة للهجوم على غريمهم الجمهوري.

معارك ترمب لم تكن مقصورة فقط على مشاكسات الديمقراطيين في الداخل، بل شنَّ الرجل حربًا شرسة على الصين التي تسعى إلى إزاحة الولايات المتحدة من على عرش الاقتصاد العالمي. وعلى المدى القصير، استفاد ترمب من الحرب التجارية مع الصين، بل وكانت سببًا في زيادة شعبيته بوصفه مدافعًا عن حظوظ وحقوق أميركية اعتادت الصين على انتهاكها. لكن ترمب – رجل الأعمال – عرف أن الحرب على مداها الطويل سيدمر الاقتصاد العالمي وتنذر بحالة كساد تفوق الأزمة المالية العالمية في 2008، ولعل ذلك ما يفسر هدنته التي أعلنها في قمة العشرين.

 

ولعل تراجع ترمب هو ما منح قمة العشرين التي عقدت باليابان قيمة وأهمية، ويُحسب للقمة أنها لم تؤدِ إلى تفاقم الاضطرابات، إلى جانب إحرازها بعض التقدم، وخصوصًا بعد إعلان قادة العالم أنهم راضون عن النتيجة التي تمَّ التوصل إليها. ثم إن خطر التراجع المفاجئ بسبب الاحتكاكات التجارية، أصبح الآن أقل، لكن من المرجح أن يكون التخفيف مؤقتًا.

ورغم دور القمة في تخفيض حدة الاضطرابات، فإن بريطانيا لم تكن بحاجة إلى تلك الاضطرابات، خاصة أنها تعيش مخاضًا عسيرًا منذ توقيعها اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي، وكان آخر نتائج هذا المخاض هو الإطاحة برئيسة الوزراء، وسط مخاوف من الخروج بدون اتفاق، وهو ما يحمل كوارث تهدد اقتصاد بريطانيا.

ولم تكن “تريزا ماي” هي الوحيدة التي أطيح بها في النصف الأول من 2016، ففي تركيا تلقى الحزب الحاكم ضربة موجعة ومنذرة بما هو أخطر، عندما فشل رجل أردوغان المخلص للمرة الثالثة في الحصول على ثقة ناخبي إسطنبول. “من يحكم إسطنبول يحكم تركيا”.. تلك كانت نبوءة أردوغان التي تحققت من قبل على يده، لكنها أصبحت الآن كابوسه المرعب على يد “أكرم إمام أوغلو”، فهل يفعلها “أوغلو” في2023؟

كل هذا نستعرضه في هذا الملف، ولن يكون الاستعراض بغرض السرد الخبري، بل بنظرة تحليلية أكثر لما أسفرت عنه هذه الأحداث، مع محاولة لاستشراف المستقبل ومدى تأثير تلك الأحداث على رسم خريطة المستقبل.

قمم مكة المكرمة.. نحو موقف عربي موحد

قمَّتا مكة العربية والخليجية اللتان دعا لهما خادم الحرمين الشريفين، هما رسائل تحذير لإيران لتغيير سلوكها، رسالة إلى النظام الإيراني الذي منذ أن جاء وهو يعمل في السر والعلن على إحداث الصراعات بين الدول والحكومات وشعوبها، ودعم الجماعات الإرهابية في كل مكان.

وفرت القمتان فرصة تاريخية للدول الداعمة الإرهاب لحل مشاكلها مع دول العالم، ولكن غطرسة هذه الأنظمة وجنون العظمة عند قادتها منعها من تحقيق ذلك، وأثبتت القمم أن مثل هذه الأنظمةماضية في طريق الإرهاب.

ولذا، فإن مرحلة ما بعد هذه القمم سوف تكون عسيرة على الدول الداعمة للإرهاب، فليس هناك شيء بعد هذه القمم إلا المواجهة، والأيام سوف تكشف ذلك.. ولعل التصعيد الغربي المتزامن مع الموقف العربي ينذر بقرب المواجهة.

خطة ترمب للسلام.. فرص نجاح ضعيفة

كان مؤتمر البحرين خطوة جديدة ضمن خطة الرئيس الأميركي ترمب للسلام، وإيجاد حل للقضية الفلسطينية. الدول التي حضرت المؤتمر أكدت التزامها بحقوق الشعب الفلسطيني ورفضت من قبل انحياز ترمب لإسرائيل.

يتوقع أن يعلن ترمب عن الشق السياسي من خطته في الخريف المقبل، وفي الرفض الفلسطيني والعربي للانحياز الأميركي لصالح إسرائيل، فإن فرص نجاح خطة ترمب للسلام تبدو ضعيفة، ما لم يستمع لمطالب الفلسطينيين.

وبدون مراعاة مطالب الفلسطينيين، سيصطدم ترمب بموقف عربي موحد من خطته، على غرار ما حدث عند إعلانه القدس عاصمة لإسرائيل، أو عند ضمه الجولان إلى سيادة إسرائيل.. ما يعني فشل خطته.

تظاهرات السودان والجزائر.. مآلات 2011 تلقي بظلالها

من أهم التغيرات السياسية التي طرأت على المنطقة في النصف الأول من 2019، ما شهدته دولتا الجزائر والسودان، بعد نجاح التظاهرات الشعبية في فرض إرادتها على نظامي الحكم فيهما، والإطاحة بالرئيسين عمر البشير وعبدالعزيز بوتفليقة.

نجاح التظاهرات في تغيير نظامين احتفظا بالسلطة لسنوات، أعاد إلى الأذهان مشهد ما يسمى بـ”الربيع العربي” في 2011. العقبة الأولى التي ستواجه الجزائر والسودان لن تكون سياسية خالصة، فكلتا الدولتين تعانيان اقتصادًا صعبًا، وكلما تأخر رسم ملامح المستقبل القريب وإنهاء المرحلة الانتقالية، كانت آثار ذلك كارثية على الاقتصاد. أغلب الظن أن الاقتصاد سيكون هو حصان طروادة الذي سيجبر جميع الأطراف على الاتحاد وتناسي الخلافات لإنقاذ البلدين وشعبيهما.

جرائم الحوثي.. إرهاب سيفقد خطورته

كانت الأشهر الستة الأولى من عام 2019 على موعد مع تزايد في النشاط الإجرامي لجماعة الحوثي الإرهابية، المدعومة من إيران. ويجب الانتباه إلى أن جرائم الحوثي تزايدت إثر العزلة الدولية المفروضة على إيران وما تعانيه من مقاطعة اقتصادية ودبلوماسية. من جديد يثبت الحوثيون أنهم مجرد أداة للإرهاب الإيراني.

كان من أهم نتائج تزايد الإرهاب الحوثي، إقناع العالم بأهمية وصدق الرؤية السعودية لإرهاب الحوثي وإيران، وصعوبة تخليهم عن الإرهاب. وكلما زاد تضييق الخناق على إيران، سيزيد الحوثي من إرهابه، الذي سيفقد مع الوقت خطورته في ظل تزايد قدرات الدفاع الجوي السعودي على التعامل مع إرهابه.

عزلة إيرانية وتصعيد أميركي متوقع

كان النصف الأول من 2019 من أصعب الفترات التي مرت على إيران منذ مجيء ترمب رئيسًا. جرى تصنيف كيانات وأسماء إيرانية على رأسها الحرس الثوري كإرهابيين، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية على إيران ونفطها ومرشدها. حتى أوروبا التي كانت إيران تعوّل على عدم سيرها في نفس الطريق الأميركي، حذرت إيران من انتهاك الاتفاق النووي.

العزلة الإيرانية تتجه إلى مستويات غير مسبوقة، بعد التصعيد بين الولايات المتحدة وطهران، ودخول المجال العسكري على الخط (نشرت واشنطن حاملات طائرات وقاذفات “بي 52” في المنطقة). إن الخطر ليس ملموسًا كما كان قبل أسابيع، لكنه ما زال موجودًا.

مجلة “فورين أفيرز”، الناطقة بلسان مجلس العلاقات الخارجية الذي يحدد السياسة الخارجية لأميركا، أكدت أن المواجهة أصبحت شبه حتمية بين الطرفين، وترى أن تجنب التصعيد في الفترة المقبلة سيكون صعبًا، خاصة بعد إصرار الجانبين (الأميركي والإيراني) على عدم التراجع، وسيكون أحد الحلول لتجنب الصراع هو إبرام صفقة نووية جديدة، وهو ما يدّعي ترمب بأنه يريده. ولكن من المستبعد جدًا أن تدخل إيران في مفاوضات مع إدارة لا تثق بها، ومن الأصعب أن توافق على الاتفاق الذي قد يطرحه ترمب، بعد أن صرح برغبته في منع جميع أنواع تخصيب اليورانيوم للأبد، والسماح بإجراء عمليات تفتيش بشكل أكثر دورية من الاتفاق القديم، وتقييد إطلاق الصواريخ البالستية، وتعديل سلوك إيران في المنطقة.

الحرب التجارية .. شبح الكساد العالمي

بدأت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين فعليًا في يوليو 2018 بتطبيق الولايات المتحدة أول تعريفات جمركية محددة خصيصًا للصين، وهو ما ردت عليه الصين بالمثل. لكن تصاعدت هذه الحرب بقوة خلال النصف الأول من 2019، خاصة بعد دخول شركة هواوي الصينية على الخط.

ترمب كان من أكثر المستفيدين من الحرب التجارية التي صبت في صالح الاقتصاد الأميركي، ولو بشكل مرحلي، وبالتالي تزايد شعبية الرئيس الأميركي قبيل معركة انتخابات 2020. تراجع عجز الميزان التجاري السلعي للولايات المتحدة مع الصين ليقتصر على ما يقترب من 80 مليار دولار أميركي في الربع الأول من عام 2019، مقارنة بنحو 91.1 مليار دولار أميركي خلال الربع الأول من عام 2018.

لكن هناك مخاوف من استمرار الحرب التجارية على الاقتصاد العالمي، بل والأميركي. ووفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي وبعض المؤسسات الاقتصادية، فإن هناك العديد من التأثيرات السلبية المتوقعة حال استمرار الحرب التجارية. ويتوقع الخبراء انخفاض النمو الاقتصادي العالمي بنحو 0.45 نقطة مئوية.

أخيرًا، أعلن عن تجدد المفاوضات بين البلدين لتخفيف حدة الخلاف الاقتصادي الذي أدى إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي. واختفى مطلبا أميركا بمساواة الميزان التجاري وتعديل القوانين الصينية. كما تقدمت أميركا بقائمة منتجات تود تصديرها، لا نعرف كم ستشتري الصين منها.

الصين لم تخسر. ولن نعرف النتيجة الحقيقية إلا بعد شهور من إبرام اتفاق لنرى الميزان التجاري الفعلي. والواضح أن الطرفين اكتشفا حدود قوتهما. فالصين بعيدة عن القدرة على الإطاحة بأميركا، على الأقل لربع قرن. وأميركا اكتشفت أن الحظر سلاح ذو حدين. والطرفان نجحا في تجنب الانزلاق إلى حرب مالية.

تقرير “مولر”.. براءة أم إدانة؟

تقرير “مولر” عن التحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2016، خلص إلى أن التدخل حدث “بطريقة شاملة ومنتظمة وانتهك القانون الجنائي الأميركي”. ووجد التقرير أدلة على وجود روابط متعددة بين الحكومة الروسية وحملة ترمب. ومع ذلك، لم يثبت التحقيق أن حملة ترمب قد “نسقت أو تآمرت مع الحكومة الروسية في أنشطتها للتدخل في الانتخابات”.

إذًا، انتهى التحقيق دون أن يتمكن من إثبات تهمة التواطؤ مع الروس، وترك تقرير “مولر” الباب مفتوحًا أمام تهمة إعاقة العدالة، حيث لم يؤكد ارتكاب الرئيس لها ولم يعفه منها. لم تتمكن هذه الاتهامات من التأثير على القاعدة الملتفة حول ترمب، التي حافظت على نسبة غير قليلة تقارب 40 في المئة من الأميركيين. كما قالت صحيفة “نيويورك بوست” إن 61 في المئة من الأميركيين يعارضون بدء الكونغرس إجراءات محاكمة أو عزل الرئيس.

ولمواجهة التأثيرات السلبية المحتملة لقضية التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية وما أثارته تحقيقات “مولر” وتقريره من ردود أفعال، على فرص ترمب الانتخابية، وضع ترمب وفريقه استراتيجية قائمة على تصعيد اللهجة والخطاب السياسي والتصريحات الصادرة منه ومن مساعديه ضد روسيا. وحتى يصنع انطباعًا مغايرًا لدى النخبة والرأي العام ولدى الناخب الأميركي، وقّع ترمب قانونًا ينص على فرض عقوبات على الأجانب الذين يتدخلون في الانتخابات الأميركية.

البريكست.. صداع في رأس بريطانيا

منذ أن تولت رئاسة الحكومة البريطانية في صيف 2016، كان هناك هدف رئيسي نصب عيني “تيريزا ماي”، وهو اتفاق خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي “بريكست”، لكن وبعد نحو 3 سنوات، غادرت رئيسة الوزراء منصبها، بسبب “الهدف ذاته”، دون أن تتمكن من تحقيقه.

ويعمّق رحيل “ماي” أزمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إذ سيكون على عاتق رئيس الوزراء الجديد التوصل إلى اتفاق أكثر حسمًا، مما يزيد من احتمالات الصدام، وإجراء انتخابات عامة مبكرة.

“البريكست” بدون صفقة بات السيناريو الأكثر ترجيحًا بسبب ضعف أداء حزب المحافظين في الانتخابات الأوروبية، إضافة إلى استقالة “تريزا ماي”. وهناك تخوف من الأثر الاقتصادي لسيناريو “البريكست” بدون صفقة، الذي يعني أن المملكة المتحدة قد تدخل مرحلة ركود اقتصادي.

من شأن ذلك أن يؤدي إلى إضعاف الجنيه الإسترليني، وإثارة التضخم والضغط على الأجور الحقيقية خلال العامين إلى الثلاثة أعوام التالية لـ”بريكست” ما يضغط على إنفاق المستهلكين. كما أن نتيجة “البريكست” بدون صفقة قد تضع قيودًا إضافية على قوة المؤسسات البريطانية.

انتخابات تركيا .. شبح أفول أردوغان

“من يحكم إسطنبول يحكم تركيا”.. كانت هذه الجملة هي كلمة السر في القلق الذي انتاب حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، بعد الخسارة المهينة لمرشحهم رجل أردوغان المخلص، “بن علي يلدريم”، أمام مرشح المعارضة “أكرم إمام أوغلو”.

التطبيق الأهم للجملة كان مع أردوغان نفسه، وإليه أيضًا تنسب الجملة السابقة، وهو ما يرعب الرجل الذي تربع على عرش السلطة في تركيا من 2002، وتمكن من تحويلها إلى دولة الفرد بعد محاولة الانقلاب الفاشل في 2016.

فهل نحن أمام بداية النهاية لرجب طيب أردوغان؟ المعارضة تشعر بأنها على طريق الفوز وتستعد من اليوم لانتخابات ٢٠٢٣. إسطنبول كانت بوابة أردوغان للسلطة ومن المحتمل أن يتكرر هذا المشهد، ولكن اليوم لصالح خصمه السياسي، “أكرم إمام أوغلو”، الذي فاز على ثاني أهم رجل في النظام السياسي التركي.

قمة العشرين.. نحو إنقاذ الاقتصاد العالمي

كانت هذه القمة في اليابان مختلفة عن سابقاتها في كونها تعقد وسط عالم متوتر. اختتمت قمة مجموعة العشرين أعمالها دون اتفاق حول قضايا التجارة وتغير المناخ. وصدر في ختام أعمال القمة بيان مشترك لم يتضمن تعهدًا بمحاربة الحمائية للسنة الثانية على التوالي.

رغم ذلك، يُحسب للقمة أنها لم تؤدِ إلى تفاقم الاضطرابات، إلى جانب إحرازها بعض التقدم، وخصوصًا بعد إعلان قادة العالم أنهم راضون عن النتيجة التي تمَّ التوصل إليها. ثم إن خطر التراجع المفاجئ بسبب الاحتكاكات التجارية، أصبح الآن أقل، لكن من المرجح أن يكون التخفيف مؤقتًا.

الاختبار الكبير لمجموعة العشرين، سيكون في مدى تحسن المعنويات في التجارة والتصنيع والاستثمار الشهر الحالي، بعد انخفاض حاد في التفاؤل خلال النصف الأول من العام. مجموعة العشرين أصدرت نغمة أكثر إيجابية على الاقتصاد العالمي من التصريحات الأخيرة من قبل محافظي البنوك المركزية والمؤسسات المالية الدولية، مما يعكس غياب حدوث أي أزمة فورية.

كذلك، إذا كان دور المملكة العربية السعودية في مجموعة العشرين شهد تناميًا في سنوات مضت، فهو مرشح لأن يشهد قفزة غير مسبوقة في العام المقبل (2020)، عندما ترأس وتستضيف الرياض اجتماع مجموعة العشرين التي بدأ الاستعداد لها في وقت مبكر، لتحديد الملفات محل النقاش، وبحث آلية تنفيذ التوصيات، بما يضمن إيجاد حلول جذرية للعديد من المشكلات المترسخة في دول العالم.

نيوزيلندا وسريلانكا.. إرهاب لم يفرِّق

لا يزال العالم يعاني من الهجمات الإرهابية التي طالت جميع دول العالم تقريبًا على اختلاف اقتصاداتها، بل وأديانها وثقافاتها.

مجزرة ضد المسلمين في نيوزيلندا في يوم الجمعة.. وأخرى ضد المسيحيين في سريلانكا في عيد الفصح. إن تفجيري سريلانكا ونيوزيلندا بداية لموجة دموية إرهابية تجتاح العالم والسكوت عليها خطر جسيم. وقتل من يرتادون دور العبادة، سواء في المسجد أو الكنائس، تطور خطير في العنف ويجب التصدي له بكل قوة.

إنها لحظة دامية في تاريخ العالم ومؤشر خطر على أن شجرة الإرهاب الأسود في الغرب والشرق تنمو بأسرع مما يتصور الجميع وتغذيها نزعات شيطانية مدمرة. وإذا لم تتم السيطرة على الإرهاب ومن يموله، فإن العالم مقبل على فترة خطيرة من تاريخه. لا يجب أن ننسى أن الحربين العالميتين الأولى والثانية قامتا من مستصغر الشرر.

خاتمة

لامكان للصدف في عالم السياسة، فالأحداث دومًا تقع بعد مقدمات وتراكمات. لهذا، فإن أحداث النصف الأول من 2019 سيكون لها بالتأكيد دور في رسم أحداث النصف الثاني من العام، بل وأحداث الأعوام المقبلة. لهذا سنحاول أن نلقي الضوء على بعض الأحداث المتوقعة في النصف الثاني من العام الجاري، على ضوء ما سبق من وقائع.

– إن أهم ما ينتظر العالم في النصف الثاني من 2019، على ضوء ما سبق من أحداث وما قد ينتج عنها، هو أن تنطلق الدول الكبرى بعيدًا عن التنسيق مع باقي دول العالم.

– كما أن العالم ينتظره مصير مخيف في حال لم يتكاتف العالم من أجل التصدي للإرهاب بكافة أشكاله وردع كل مموليه.

– الاقتصاد العالمي سيكون له نصيب هو الآخر من المخاطر في 2019، فالحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم تهدد الاقتصاد العالمي بموجة كساد قد تكون أشد وطأة من الأزمة العالمية في 2008.

– التنسيق بين الدول الفاعلة في العالم والمناطق الإقليمية بات أمرًا لا مفرَّ منه. ولعل العالم شاهد ماذا حدث عندما تكاتف العالم ضد أخطر التنظيمات الإرهابية في العقود الأخيرة، ألا وهو تنظيم “داعش”.. لقد قضي على دولة “داعش” المزعومة، لكن لم ينتهِ الإرهاب بعد، ولا سبيل إلى ذلك إلا بقطع دابر الإرهاب من جذوره.

– رغم ما توقعه أساتذة العلوم السياسية والتاريخ بأن العالم يتأهب لما بعد أميركا، فإن الواقع يقول إن بقاء أميركا كقوة عظمى أولى مستمر على الأقل خلال العقود الثلاثة المقبلة. لكن ذلك لا يعني ظهور أدوار أكبر لدول إقليمية عديدة، مثل السعودية، على خلفية إمكاناتها الاقتصادية وتطور أدائها السياسي، بالإضافة إلى تعاظم الدورين الروسي والصيني.

– ربَّما يشهد النصف الثاني من 2019 ظهور ملامح أكثر لمصير التصعيد بين إيران وأذرعها الإرهابية في المنطقة من جانب، وبين الدول الرافضة لإرهاب إيران سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي، خاصة أن إرهاب إيران وأذرعها يستهدف الملاحة العالمية، ما يعني أن العالم ليس أمامه إلا خياران: التصعيد بشكل أكثر قوة ضد إيران وأذرعها، أو التهاون مع طهران وتهديد الاقتصاد والسلم العالميين، وفي ظل رئاسة ترمب، فإن السيناريو الأول هو الأقرب.

– فرضت المملكة العربية السعودية نفسها كداعم أول للسلم في المنطقة، وهو ما يعني أن الشهور المقبلة ستشهد مزيدًا من التصعيد السعودي ضد إرهاب إيران وأذرعها، على كافة الصُعُد. إن قيادة السعودية لجهود إقرار الأمن والحفاظ عليه في الخليج العربي، المنطقة الأهم في العالم بحكم موقعها الاستراتيجي للملاحة العالمية والثروات النفطية المؤثرة على الاقتصاد العالمي، هذه القيادة ستتبلور بشكل أكبر خلال الشهور المقبلة، وأهم أسباب هذا التبلور هو نجاح دبلوماسية المملكة في لم الشمل العربي والإسلامي، بل والعالمي في جبهة واحدة ضد الإرهاب.

– رغم تقارب وجهات النظر بين الدول العربية والإدارة الأميركية في حتمية مواجهة الإرهاب، فإن هذا التقارب يقل فيما يخص طريقة التعامل مع القضية الفلسطينية. سابقًا، رفضت الدول العربية خطوات ترمب في تلك القضية، عندما أعلن القدس عاصمة إسرائيل، وعندما أقر بسيادة إسرائيل على الجولان العربي. ورغم الدعم العربي لتسوية القضية الفلسطينية بما يضمن حقوق الشعب الفلسطيني، فإن خطة ترمب للسلام، من واقع الخطوتين المشار إليهما، لن تحظى بدعم عربي طالما أنها لا ترتكز على شروط الدول العربية وعلى رأسها الإقرار بحقوق الشعب الفلسطيني، وهو ما أكدته قمم مكة الأخيرة.

– رغم الإطاحة بالرئيس بوتفليقة، فإن الشعب الجزائري لا يزال يواصل التظاهر، وهو ما تتعامل معه القوات المسلحة بحرص وحذر. لكن ما يغيب عن بال الطرفين هو أن الاقتصاد الجزائري لم يعد كما كان عليه، فحقول الغاز والبترول في الجزائر قاربت على النضوب، وهناك توقعات بأن تضطر الجزائر للمرة الأولى في تاريخها إلى الاستدانة خلال الأشهر القليلة المقبلة. الاقتصاد هو قاطرة السياسة، وإذا لم يحاول الشعب الجزائري أن يحل مشكلاته السياسية سريعًا، فقد يجبره الاقتصاد على القبول بحلول كانت من المستحيل أن يقبل بسماعها قبل ذلك.

– الأمر ينطبق أيضًا على السودان، في ظل تمترس المتظاهرين ورفضهم التوافق على صيغة مقبولة من بين الأطراف جميعًا على شكل وملامح الفترة الانتقالية، سيكون السودان في مهب أزمة اقتصادية طاحنة.

– سيكون النصف الأخير من عام 2019 هو البداية الفعلية لماراثون انتخابات 2020 في أميركا. وحتى الآن، لا يبدو أن الحزب الديمقراطي قد استقر على مرشح بعينه ليتولى مهمة منافسة ترمب. البعض يرشح “جو بايدن”، رغم وجود أكثر من مرشحة “امرأة” ضمن قائمة الديمقراطيين التي تتأهب للمعركة، لكن ربَّما يكون الحزب الديمقراطي قد تعلم من درس 2016 أن مواجهة مرشح مثل ترمب بامرأة أمر في غاية السذاجة، إلا لو أراد الديمقراطيون أن يخسروا مجددًا. وفي كل الأحوال، فإن سوابق التاريخ وأوضاع الاقتصاد تؤيدان بقوة كفة ترمب، ولن ينفع للديمقراطيين أي تعويل على تقرير “مولر”.

– مصير غامض ينتظر بريطانيا في ظل غياب أي رؤية خاصة بالخروج من الاتحاد الأوروبي. قد يكون الخروج بدون اتفاق هو أكثر السيناريوهات المرعبة القابلة للتنفيذ، لكن الاقتصاد البريطاني لن يتحمل تبعات هذا السيناريو.. لذلك قد يشهد النصف الآخر من 2019 محاولة أخيرة للوصول إلى اتفاق يضمن خروجًا آمنًا ولو بدرجة قليلة.

– إذا كانت إسطنبول هي مقياس قوة وجماهيرية الأحزاب في تركيا، فإن الاقتصاد هو المعول القادر على الإطاحة بالحزب الحاكم هناك. الاقتصاد التركي يعاني في السنوات الأخيرة، والليرة دفعت ثمنًا باهظًا، وتدخل الرئيس أردوغان في السياسات الاقتصادية مع هروب رجال حزبه من مركبه، قد يعنيان أن تجربة أردوغان نفسه تلفظ أنفاسها الأخيرة، وما تبقى لها من أيام مرهون بقدرته على المناورة والخداع وافتعال مشكلات في الخارج وأزمات في الداخل.

 

المراجع

  1. قمم مكة | القمة العربية.. هذه حكايتها – العربية نت.
  2. هل تنجح قمّتا مكة في “ردع إيران” ودفعها “لتغيير سلوكها” – BBCعربي. https://bbc.in/2FWvHpK
  3. نصّ البيان الختامي للقمة العربية الطارئة – البيان.
  4. قمم السعودية والفرص التاريخية | الشرق الأوسط
  5. ترامب يفرض عقوبات على المرشد الإيراني خامنئي – RT Arabic
  6. شركاء إيران في “النووي” يحذرونها من انتهاكه – الشرق الأوسط
  7. خبير ألماني: ينبغي الاستعداد لحرب وشيكة بين أميركا وإيران! – دويتش فيله
  8. صحيفة تكشف خطة أميركا الكاملة لمواجهة إيران – Sputnikعربي
  9. تصدع في جدار الهيمنة الإيرانية؟ الشرق الأوسط
  10. الحرب بين إيران وأميركا أمر حتمي.. فورين أفيرز تكشف السبب – صدى البلد. http://bit.ly/2YDpera
  11. المؤتمر الأميركي بالبحرين والمشروع المستحيل – الشرق الأوسط. http://bit.ly/2xy1h8G
  12. عيون وآذان (المواجهة بين ترامب وإيران) – جريدة الحياة. http://bit.ly/2JA8PgG
  13. الحرب التجارية بين أميركا والصين.. أرباح وخسائر – العين الإخبارية. http://bit.ly/2JsDf4C
  14. بعد لقاء ترامب وشي.. شرط “بكين” لإنهاء سجال الحرب التجارية مع “واشنطن” – بوابة أخبار اليوم. http://bit.ly/2JjFgB9
  15. مع هدنة الحرب التجارية… لماذا يبالغ ترمب في تقييم الخطر الصيني؟إندبندنت عربية. http://bit.ly/2L6W0h0
  16. ترامب يعلن استئناف المفاوضات التجارية مع الصين ورفع الحظر عن هواوي – BBCعربي. https://bbc.in/2YAU1oq
  17. “لوفيجارو” تحذر من “الحرب التكنولوجية الجديدة” بين واشنطن وبكين – العين. http://bit.ly/2YAGTji
  18. تقرير مولر.. والطريق إلى انتخابات 2020 – صحيفة الاتحاد. http://bit.ly/2YGTmlw
  19. ماذا لو فاز ترامب في انتخابات 2020؟ – الحرة. https://arbne.ws/32dnoPZ
  20. تأثير تقرير مولر في الانتخابات الرئاسية 2020 – العين الإخبارية. http://bit.ly/32bbFS5
  21. “بريكست”.. المهمة التي “جاءت” بماي وأطاحت بها – أخبار سكاي نيوز عربية. http://bit.ly/2NGlZy6
  22. موديز: بريطانيا قد تشهد ركودًا اقتصاديًا حال البريكست بدون صفقة – معلومات مباشر. http://bit.ly/2JtnIkZ
  23. إمام أوغلو من رئاسة البلدية إلى رئاسة تركيا؟ انتخابات إسطنبول – هل يصبح “ابن الإمام” رجل تركيا القوي بدل أردوغان؟ – قنطرة. http://bit.ly/2XL8Rf1
  24. خسارة إسطنبول.. بداية لانفلات خيوط اللعبة من يد أردوغان؟ دويتش فيله. http://bit.ly/2JHtnEn
  25. أردوغان يعاني في بلاده – جريدة الحياة.
  26. http://bit.ly/2XCYKK5
  27. ماذا سيحدث بعد إعادة انتخابات إسطنبول (2) – جريدة الوطن. http://bit.ly/32i8fgr
  28. صفعة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان؟ “من يحكم إسطنبول يحكم تركيا”: كيف يمكن تفسير نتائج الانتخابات البلدية؟ موقع قنطرة. http://bit.ly/30lxjBb
  29. قمة العشرين 2019: بوتين ينتقد الليبرالية وتحذير صيني من الحماية الاقتصادية – BBCعربي.
  30. https://bbc.in/2JwdRuy
  31. “قمة العشرين” تشهد مخاض النظام العالمي الجديد – الشرق الأوسط. http://bit.ly/2FZHWls
  32. قمة العشرين المقبلة تحوّل الرياض لمركز عالمي لصناعة القرار الدولي – سبق. http://bit.ly/2JykWuD
  33. هل ستنجح قمة العشرين أم سيكون للمصالح رأيُ آخر! – المركز الديمقراطي العربي.http://bit.ly/30mILg6
  34. قمة العشرين .. تبريد أزمات للتفرغ لأخرى – الوطن. http://bit.ly/2Xysy5m
  35. قمة العشرين: التأثير السعودي قطع الطريق على تجار الأزمات – الشرق الأوسط. http://bit.ly/2YG7PxS
  36. هل وضعت قمة العشرين حدًا للحرب التجارية بين أميركا والصين؟ BBCعربي. https://bbc.in/2XO5KD3
  37. أوساكا ومجلس إدارة العالم – الشرق الأوسط. http://bit.ly/2LFSpGr
  38. “مجموعة العشرين” تنهي مؤقتًا اضطرابات الاقتصاد العالمي – جريدة البورصة. http://bit.ly/2XL9y87
  39. موجة الإرهاب والانتقام في سريلانكا ونيوزيلندا – صدى البلد. http://bit.ly/2YNHttO

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر