سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
كيث جونسون
يتساءل الخبراء عمَّا إذا كان استئناف العقوبات سيساعد على إسقاط النظام الإيراني أو تعزيزه؟
مع دخول الدفعة الأولى من العقوبات الأميركية ضد إيران، حيز التنفيذ في السابع من أغسطس الجاري، وسط تصاعد الاحتجاجات في الشوارع الإيرانية على تدهور الاقتصاد الكارثي في البلاد، ينقسم المحللون حول: هل سيستهدف السخط الشعبي الناجم عن موجة التضخم والبطالة، الدولة الإيرانية، أم لا؟
وتشمل العقوبات، التي فُرِضت كجزء من خطة انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران في شهر مايو الماضي، قيودًا على صفقات الدولار والتجارة في العديد من السلع الصناعية، إذ تمثل الدفعة الأولى جزءًا من حملة متزايدة من الإجراءات الأميركية ضد النظام الإسلامي، التي بدأت بعد أن قرر الرئيس دونالد ترمب، الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران في شهر مايو.
وحتى قبل أن تدخل العقوبات حيز التنفيذ، شهدت طهران احتجاجات واسعة وغير مسبوقة، انتقلت إلى العديد من المدن الكبرى الأخرى في جميع أنحاء إيران، حيث هتف المتظاهرون ضد رجال الدين الحاكمين وقبضتهم المسيطرة على البلاد لعقود طويلة.
وتتزايد الاحتجاجات بدرجة كبيرة بعد الموجة الأولى التي اندلعت في شهري ديسمبر ويناير الماضيين، لتعود مرة أخرى خلال الأسابيع الماضية على خلفية الهبوط الحاد الذي أصاب العملة الإيرانية خلال الشهر الماضي، كما يقول “نايسان رافاتي” المحلل الإيراني بمجموعة الأزمات الدولية.
فصقور إيران في الغرب، الذين دافعوا كثيرًا عن تغيير النظام، يرون الاضطرابات دليلاً على أن التأييد الشعبي لرجال الدين يتآكل بشكل خطير، إذ يقول المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وهو جماعة من المعارضة الإيرانية في المنفى، ومقرها في باريس منذ عقود، إن هتافات مثل “يسقط الملالي”، تعكس رفضًا عامًا متناميًا لسياسات إيران وسوء أدائها الاقتصادي.
وتبدو الاحتجاجات أكثر اتساعًا من تلك التي شهدتها السنوات السابقة. وعلى خلاف احتجاجات الحركة الخضراء من الطبقة المتوسطة التي اجتاحت إيران عام 2009، يبدو أن الموجة الحالية شملت العمال ذوي الياقات الزرقاء الذين يشكلون القاعدة التقليدية للدعم السياسي للحكومة، كما يتزايد دور النساء اللواتي مزَّقن حجابهن في الكثير من الاحتجاجات.
كما لعبت الولايات المتحدة دورًا في تحول التحديات الاقتصادية إلى اجتماعية وسياسية ضد النظام في طهران، خلال الفترة الأخيرة، عبر العديد من المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان والحريات، مثل منظمة “الدفاع عن الديمقراطيات” بواشنطن، التي يديرها “مارك دوبويتز” الذي يقول: “لأول مرة تنتشر شعارات (الموت لخامنئي)، و(الموت لروحاني)، و(يسقط النظام) منذ الثورة الإيرانية عام 1979”.
لكن مراقبين آخرين يرون أن الهجوم الاقتصادي الأميركي المتجدد، ربَّما يعزز السلوك السيئ الذي تحاول واشنطن تقليصه. فكما يقول “ستيف هانكه”، الخبير بجامعة “جونز هوبكينز”، فإن المسار العام يتجه نحو ترسيخ العقوبات أيًّا كان النظام المستهدف، وهو ما سيحدث في إيران.
وللتهرب من العقوبات والحفاظ على سيطرتهم على البلاد، ربَّما تقوم الحكومة الإيرانية، ومعها الحرس الثوري، بمضاعفة الأنشطة غير المشروعة التي استخدموها في الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من السلوك الإجرامي الإيراني.
كما أن الغضب الشعبي الناتج عن الأداء الاقتصادي السيئ للحكومة الإيرانية – بما في ذلك الفساد والبطالة والتضخم المرتفع – هو في حد ذاته ليس جديدًا. فقد أظهر استطلاع أُجري بعد احتجاجات يناير، أن ما يقرب من ثلثي الإيرانيين يلقون بالمسؤولية على الإدارة المحلية أكثر من العقوبات الخارجية فيما يخص الحالة السلبية للاقتصاد. لكن تبين أن أكثر من ثلاثة أرباع من شملهم الاستطلاع أنهم “لا يوافقون إلى حد ما”، أو “لا يوافقون بشدة” على أن إيران تحتاج إلى تغيير سياسي منتظم، بينما قال ثلثاهم إنهم سيعارضون تقديم تنازلات للولايات المتحدة.
والواقع أن ثمة خطًا رفيعًا بين السياسة والاقتصاد في بلد تلعب فيه الحكومة مثل هذا الدور الرئيس في الاقتصاد، غير أنه لا يمكن القول إن كل احتجاج اقتصادي، إنما هو “احتجاج ما قبل الثورة” كما يقول “رافاتي”، من مجموعة الأزمات الدولية.
وعلى خلاف “الحركة الخضراء”، التي تحمل مجموعة من المطالب السياسية الأكثر تماسكًا، فإن الموجة الحالية “لم تندمج بعد في حركة سياسية منظمة وصريحة ضد الحكومة”. ومع ذلك، يقول المراقبون إن هذه الاحتجاجات تبدو مختلفة عمَّا سبقها، حيث يحمّل المواطنون الحكومة مسؤولية معالجة المشكلات الاقتصادية، التي يبدو أن المتظاهرين قد سئموا منها.
وقد شهد هذا العام، أزمات صغيرة لم تنفجر على خلفية الأوضاع الاقتصادية المتردية، إلا أن النظام لا يملك حلولاً لتلك الأزمات، وهو ما ينعكس بدوره على أزمة الشرعية، لكنه لم يعد أمرًا وجوديًا بعد، حسب ما يذهب “ماثيو ريد”، نائب شركة “فورين ريبورتس Foreign Reports. إن المأزق الاقتصادي الذي تعاني منه إيران حاليًا، يمثل مزيجًا من نقاط الضعف الداخلية طويلة الأمد، و”ضربة” العقوبات الأميركية، التي تهدد بإخراج البلاد عن النظام المالي العالمي، والتضييق على معظم صادراتها النفطية، فمنذ هيمنة نظام الملالي عام 1979، خسرت العملة الإيرانية أكثر من 99 في المئة من قيمتها.
والآن يتم إدارة الاقتصاد بواسطة الحكومة والهيئات المتصلة بها، مثل الحرس الثوري الإيراني، إذ سيطرت قضايا الفساد المتوطنة على الغضب الشعبي تجاه الأزمة الاقتصادية في مواجهة الحملات الرئاسية لحسن روحاني خلال عامي 2013 و 2017.
فبعد فترة من التوقف استمرت نحو عامين، خلال سريان مفعول الاتفاق النووي، تزايدت الضغوط الخارجية مرة أخرى، وخاصة بعد الانسحاب من الاتفاق، أخيرًا، حيث وعدت إدارة ترمب بعقوبات اقتصادية قاسية على البلاد.
أمَّا بالنسبة لإدارة ترمب، فإن الألم الاقتصادي ينعكس على الضغط الأقصى على نقاط ضعف النظام مما يجبره على العودة إلى طاولة المفاوضات للتباحث بشأن اتفاقية جديدة أكثر اتساعًا يمكن أن تقيد برنامج الأسلحة النووية الإيراني، وانخراطها في الصراعات التي يشهدها الشرق الأوسط.
وكما صرح المسؤولون الأميركيون، أخيرًا، فإن الحكومة الأميركية تتحمل مسؤولية الاحتجاجات التي هزت البلاد، فبينما تنفق إيران موارد هائلة على مغامراتها الخارجية، يتزايد الإحباط بين شعبها، وهو ما عبَّرت عنه الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد، في ظل تجاهل النظام الإيراني مخاوف مواطنيه من تبعات تلك العقوبات الأميركية.
إن مجرد الحديث عن فرض عقوبات أميركية متجددة على صادرات النفط الإيرانية، بدءًا من نوفمبر المقبل، قد أطاح بالعملة الإيرانية، وهو ما عبَّر عنه معظم المشترين للنفط الإيراني، حيث أعربوا عن نواياهم لتخفيض مشتريات النفط الإيراني لتجنب تهديدات واشنطن؛ وهو ما يثير القلق لدى الإيرانيين الذين سوف تتقلص عائداتهم الحكومية قريبًا، ما يعني زيادة العجز في الميزانية.
إن إيران الممنوعة من دخول أسواق رأس المال العالمية، وغير القادرة على اللجوء إلى البنوك المحلية، تدفع ثمن عجز الموازنة لديها عن طريق طباعة النقود، مما يؤدي إلى تضخم كبير. في حين تشير الأرقام الرسمية إلى معدل تضخم سنوي يبلغ نحو 10 في المئة، حيث يرى المراقبون أن الرقم الحقيقي أعلى بكثير، وهذا يتشابه مع الأيام العجاف التي شهدتها سنوات حكم محمود أحمدي نجاد، حيث يقدر معدل التضخم بنحو 186% على الأساس السنوي، وهو ما يدفع المراقبين إلى التوقع بأن عودة العقوبات الأميركية سوف تزيد من الاضطرابات العامة.
فمع تراجع العقوبات يتوقع أن يتسع نطاق المظاهرات، رغم أن الأمر لا يتعلق فقط بالاقتصاد، فالأغلبية الساحقة من الإيرانيين يكرهون “الجمهورية الإسلامية”، فقد اندلعت ثورة 1979 بسبب الإضرابات والاحتجاجات الجماهيرية، كما يقول “علي رضا نادر” المحلل الإيراني.
في الوقت الذي تزعم فيه إدارة ترمب، أن هدفها ليس تغيير النظام، بل تغيير سلوكه، صرح وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أخيرًا، أن واشنطن ستحتاج إلى رؤية “تغيير هائل” من جانب طهران لتخفيف العقوبات، وهو ما يمكن أن يدفع إيران إلى أن تتصرف كـ”دولة عادية”.
لكن إجبار إيران ربَّما يكون أصعب مما كانت عليه خلال الفترة من 2012 إلى 2015، عندما وضعت إدارة أوباما الأساس للاتفاق النووي، ذلك أن حرية “روحاني” السياسية لتقديم تنازلات مرة أخرى للولايات المتحدة والقوى الكبرى الأخرى باتت محدودة، وخاصة بعد الصعوبات التي واجهها في التغلب على المقاومة المتشددة لصفقة 2015.
فقد اعتمد “روحاني” على كثير من رأس المال السياسي للقيام بالصفقة مرة واحدة، وللعودة إلى وضع الضعف المتصور، فإنه لن يكون بصدد مقامرة سياسية كبرى، بل أكثر من ذلك بكثير. حيث يصعب توقع أن تدفع الاحتجاجات النظام بدلاً من ذلك إلى معالجة المشكلات الاقتصادية التي عانت منها البلاد لفترة طويلة، مثل: الفساد والبطالة أو القطاع المصرفي المحتضر.
كما أنه لا يتوقع – أيضًا – أن الإيرانيين الذين خاطروا بحياتهم في الأيام الأخيرة لتحدي النظام، سيحولون دعمهم لرجال الدين لمجرد ضغوط اقتصادية خارجية. فالمسار الأكثر احتمالاً للحدوث هو أن إيران بصدد احتجاجات ما قبل الثورة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: مجلة فورين بوليسي
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر