الصين والعالم العربي | مركز سمت للدراسات

الصين والعالم العربي

التاريخ والوقت : الأربعاء, 14 ديسمبر 2022

حسام ميرو

 

تشكّل زيارة الرئيس الصيني للمملكة العربية السعودية، ومشاركته في القمتين العربية الصينية، والصينية الخليجية، الأولى، نقطة تحوّل مهمة في مسار العلاقات الصينية العربية عموماً، والخليجية خصوصاً، وكاستمرار لمسار من العلاقات الدبلوماسية بين الصين والسعودية، بدأ منذ عام 1990، وكان قد تأسس على خلفية تعاون دفاعي بين البلدين منذ عام 1980، إضافة إلى النمو المستمر في العلاقات التجارية والاقتصادية بين الرياض وبكين.

الجانب الاقتصادي بأبعاده كافة، له مركزية في العلاقات بين الصين ودول الخليج، حيث تستورد الصين نحو ثلاثة ملايين برميل نفط يومياً من النفط الخليجي؛ أي أكثر من ربع استهلاكها اليومي من النفط، وهي أكبر دولة في العالم من حيث الاستهلاك النفطي، بوصفها مصنع العالم، والدولة الثانية من حيث الناتج القومي الكلي، وتحتاج الصين للمحافظة على قطاعاتها الإنتاجية إلى ديمومة وثبات التدفق النفطي، وهو ما تحقّقه من خلال علاقاتها المتوازنة مع مجمل دول الخليج.

كانت واشنطن قبل اكتشافها النفط الصخري، أكبر مستورد للنفط من الخليج، وقد حققت خلال السنوات الأخيرة حالة اكتفاء ذاتي من الموارد النفطية؛ بل أصبحت أكبر دولة منتجة للنفط، وقد انعكست الوقائع الجديدة في سياساتها الخارجية، بما فيها سياساتها تجاه دول الخليج، والتي راحت تبتعد أكثر فأكثر عن منطق الالتزام بالتفاهمات التاريخية بينها وبين دوله، وخصوصاً السعودية، وما يزيد من عدم ثبات السياسات الأميركية تجاه الخليج، حالة التناقض الموجودة في الرؤى السياسية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

وعلى الرغم من حالة التذبذب الأميركي في السياسات الخارجية تجاه دول الخليج، فإن المساعي الخليجية لتقوية الروابط الاقتصادية والدبلوماسية مع الصين، لا تأتي في سياق استبدال شريك دولي بحجم وتأثير الولايات المتحدة، بشريك آخر، لا يقلّ عنه أهمية في مجالات عديدة؛ بل انطلاقاً من وعي المتغيّرات في الساحة الدولية، وضرورة الاستجابة لها، عبر تنويع سلّة العلاقات الدولية، وبناء توازنات إقليمية جديدة، في ظل التغيرات التي شهدها العالم في العقد الأخير، ومن ضمنه المتغيّرات الكبيرة والخطرة في عدد من البلدان العربية.

تمتلك الصين خصائص متميّزة في فهم العلاقات الدولية، والآليات المستخدمة في التأثير، تختلف إلى حدّ كبير ونوعي في بعض الأوجه عن المنطق الأميركي وأدواته، وقد بنت الصين فلسفتها للعلاقات الدولية، انطلاقاً من منح الاستقرار قيمة أساسية على حساب الفوضى؛ إذ لا تسعى الصين، ولم تحاول القيام بأعمال من شأنها خلق فوضى سياسية في أي منطقة في العالم، وتعتمد في تحقيق مصالحها على القوة الاقتصادية بالدرجة الأولى، وتعميق وجودها من خلال عمليات الاستثمار طويلة الأمد.

في مقابل أميركا الإمبراطورية التي توزّع قواتها حول العالم، فإن الصين تبني روابطها مع الآخرين من دون أن تغادر قوّاتها سور الصين العظيم، مع وجود مشروع استراتيجي ضخم، عبر مبادرة «الحزام والطريق» والتي تسعى من خلالها إلى ربط الصين بالعالم، وذلك عبر تأهيل خط «طريق الحرير» التجاري الذي كان الطريق الأساسي للتجارة الدولية في القرن التاسع عشر، وتستدعي هذه المبادرة تأهيل شبكات الطرق والموانئ، وخطوط السكك الحديدية والبنى التحتية والطاقة، في جميع الدول التي تشملها هذه المبادرة.

تركيز الصين على المنافع المتبادلة بين اقتصادات الدول، وقيامها بتأمين احتياجات السوق العالمية، لا ترافقه عمليات تسويق لقيم سياسية أو ثقافية أو اجتماعية؛ الأمر الذي يشكّل ميزة في العلاقات الدولية تحسب براغماتياً للصين، في مقابل السعي الأميركي والغربي إلى تسويق قيم وثقافة وسلوكيات. وبغض النظر عن أي تفاضل قيمي بين الصين وأميركا، فإن تحييد الصين لصراع القيم، وعدم جعله مجالاً محتملاً للتوتّر في العلاقات البينية، يجعل من العلاقات معها خياراً مريحاً ومتوازناً بالنسبة لعدد كبير من الدول.

تعد الدول العربية من الأسواق المهمة للصين، وهناك ارتفاع مستمر في حجم التبادل التجاري، وصل بحسب بيانات إدارة غرب آسيا وشمال إفريقيا في وزارة الخارجية الصينية إلى نحو 330 مليار دولار في عام 2021. ففي الوقت الذي يؤمن فيه النفط الخليجي جزءاً مهماً من واقع استمرار واستقرار الإنتاج فيها، فإن المنتجات الصينية وفي مقدّمتها السلع التكنولوجية، توفّر بدائل معقولة للأسواق والمستهلكين في الدول العربية، عن مثيلاتها من السلع والمنتجات الأوروبية والأميركية.

قد يكون من المبكر الحديث عن دور سياسي صيني واضح ومؤثر في الشرق الأوسط، لكن بكين تمتلك بالفعل، علاقات قوية مع مختلف الأطراف الرئيسية فيه، يمكن لها أن تسهم في دفع المنطقة نحو حالة أكثر استقراراً، كما تمتلك فوائض مالية كبيرة يمكن أن تشكّل خياراً معقولاً في عمليات إعادة الإعمار في غير بلد عربي.

 

المصدر: صحيفة الخليج

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر