الصين في شبكة الطاقة الفلبينية: الحاجة للحذر وليس القلق | مركز سمت للدراسات

الصين في شبكة الطاقة الفلبينية: الحاجة للحذر وليس القلق

التاريخ والوقت : الإثنين, 20 يناير 2020

لوسيو بلانكو بيتلو

 

برزت الصين كلاعبٍ رئيسٍ في قطاعات البنية التحتية والمرافق العالمية. فمع “مبادرة الحزام والطريق”، من المحتمل أن يستمر هذا الاتجاه بل قد يتوسع، ذلك أن حقيقة أن العديد من هؤلاء المستثمرين تابعون للدولة، إن لم يكونوا مدعومين منها، تثير تساؤلات حول التأثير الذي يمكن أن تحققه الصين على القطاعات الاستراتيجية في البلدان البعيدة. لكن في حين أن الإمكانية النظرية للسيطرة تعزز الكثير من نظريات المؤامرة حول نية بكين النهائية، إلا أن رد الفعل بشأن أي تدخل قد يؤثر على هذا الطموح. فالأضرار التي تمس السمعة والخسائر التي تلحق بالإيرادات المحتملة كلها تمثل عوامل قوية يمكن أن تؤثر في هذه النزعة. فإضافة إلى ذلك، كما تكشف الهجمات الإلكترونية، فإن عدم وجود حصة ثابتة لا يشكل عائقًا للتسبب في ضرر ما إذا كانت هناك نية مبيتة بشأن ذلك.

تمتلك شركة الكهرباء الرسمية بالصين State Grid Corporation of China  SGCC المملوكة للدولة، وهي أكبر شركة خدمات كهربائية في العالم، حصة 40% في الشبكة الوطنية للطاقة بالفلبين National Grid Corporation of Philippines (NGCP)منذ عام 2009. ونظرًا للنزاعات الإقليمية والبحرية الطويلة الأمد، كانت العلاقات الثنائية أشبه برحلةٍ وعرةٍ حيث وصلت أسوأ مراحلها في عام 2013 عندما دفعت “مانيلا” بكين إلى التحكيم الإلزامي بعد أشهر من المواجهة المتوترة في “سكاربورو شوال”. وقد كان ينظر إلى حصة الشركة الصينية في شبكة البلاد على أنها نقطة ضعف، وذلك على الرغم من مرور سنة كاملة دون وقوع أي حادث.

وعندما صدر الحكم لصالح “مانيلا” في عام 2016، تعالت احتمالات التهديد بالتخريب. لكن مرة أخرى، مرت السنة دون أي مشكلات. ففي حين أن ذلك لا ينبغي أن يعطي شعورًا بالرضا، إلا أنه ينبغي، على الأقل، توضيح المفاهيم غير المدركة للمخاطر المحتملة التي تشكلها الاستثمارات الأجنبية في القطاعات الحساسة. فالشركات الأجنبية تعمل في المرافق العامة في الخارج دون إثارة أية مشكلات يُذكر. إذ تقوم شركة خدمات الشحن العالمية International Container Terminal Services،  Inc التي تتخذ من الفلبين مقرًا لها، بتشغيل واحد من 32 منفذًا في 18 دولة بما في ذلك أستراليا وآسيا وأوروبا وإفريقيا وأميركا اللاتينية. وتنطوي المشاركة الأجنبية في المرافق العامة على مخاطر، ولكنها تؤدي أيضًا إلى توريق الاستثمارات الأجنبية بشكل مفرط.

ومنذ عام 2017، قامت شركة الكهرباء الصينية باستثمار وتشغيل شبكات الطاقة الأساسية خارج الصين وهونغ كونغ، بما في ذلك البلدان التي تعاني فيها علاقاتها أحيانًا من احتكاكات، مثل: الفلبين والبرازيل وأستراليا وأوروبا. وفي أوروبا، تعمل الشركة في إيطاليا والبرتغال واليونان. في حين أن حصة 40% في الشبكة الوطنية الفلبينية قد تبدو مرتفعة، إلا أن الأخيرة اكتسبت حصصًا أكبر في الخارج. ففي البرازيل، اشترت 83% من إحدى شركات الطاقة الكبرى في البلاد CPFL Energia S.A، ومقرها ساو باولو، وهي ثالث أكبر شركة في البلاد لخدمات الكهرباء. كما حصلت على 60% من شركة جيمينا، ومقرها ملبورن التي تعمل في شرق أستراليا، و41% في شركة “إليكترا نت” ElectraNetالتي تتخذ من أديلايد مقرًا لها والتي تعمل في جنوب أستراليا، و20% في شركة “أوسن نت للخدمات” AusNet Servicesالتي تعمل في فيكتوريا.

وفي حين يظل السوق المحلي هو الأهم، فقد توسعت الشركة بنشاط في الخارج باستثمارات أجنبية تصل إلى 19.5 مليار دولار ورأس مال أسهم في الخارج بقيمة 60 مليار دولار. وفيما بين عامي 2014 وعام 2017، صدَّرت شركة الكهرباء الصينية معدات بقيمة 2.5 مليار دولار إلى 80 دولة، بإيرادات إجمالية بلغت 387 مليار دولار في العام الماضي، وقد احتلت الشركة المرتبة الخامسة في قائمة أغلى 500 شركة بالعالم “فورتشن جلوبال 500”.

وستتعرض كل هذه الكيانات العالمية المتنامية للمخاطرة في حال تدخلها في أعمال تخص إحدى شبكات الكهرباء في بلد ما. وقد وقعت إحدى المحاولات الفاشلة لشراء شركة “أوس جريد” AusGridفي عام 2016، لكن نتيجة لمخاوف تتعلق بالأمن القومي، من المتوقع أن تكون الشركة الصينية أكثر حذرًا في الالتزام بعقودها الخارجية. وحتى الشائعات يمكن أن تمنحها وقتًا صعبًا لإقناع السلطات التنظيمية الأجنبية حيث تواصل توسيع أعمالها في الخارج.

ومع ذلك، فإن تحقيق مجلس الشيوخ الفلبيني الأخير حول دور الشركة الصينية في الشبكة المحلية للبلد يشير إلى أن القلق لا يتبدد بسهولة، على الرغم من تحسن العلاقات بين الصين والفلبين.

وبالتأكيد، لن ترغب أي دولة في السيطرة على صناعاتها الرئيسية التي تحتكرها إحدى الشركات الأجنبية. وتحقيقًا لهذه الغاية، تمَّ فرض قيود على الاستثمارات الأجنبية والمشاركة في الكيانات الكبرى. لكن بينما دفعت العولمة الدول إلى خصخصة وإلغاء الاحتكارات الحكومية السابقة أمام رؤوس الأموال الأجنبية، أصبحت إدارة المخاطر الأمنية مسألة تنظيمية وفنية أكثر من كونها مسألة سياسية. ونظرًا لتدخل القطاع الخاص، بما في ذلك رأس المال الأجنبي، في بناء وتشغيل البنية التحتية في جميع أنحاء العالم، أصبح ضمان السيطرة المحلية وتخفيف الفجوات الأمنية من أهم الأولويات.

 مع أن التطورات التكنولوجية قد أتاحت عمليات تشغيلٍ أكثر كفاءة، إلا أنها كشفت أيضًا عن مخاطر كبيرة تواجه مستويات الأمان. ومع ذلك، فإن هذه المخاطر تعدُّ أكثر صلة بالصناعة ولا تعزى بالضرورة إلى ممثل دولة مستثمر محدد.

وفي الواقع، لا يمكن الإشراف أو التحكم في الأضرار التي تكشفها الهجمات الإلكترونية. فعلى سبيل المثال، تسبب فيروس “ستوكس نت” Stuxnet، وهو فيروس ضار يستهدف أنظمة التحكم الإشرافي والحصول على البيانات، التي طورتها الولايات المتحدة وإسرائيل كسلاح عبر الإنترنت، في إلحاق أضرار جسيمة بالمنشآت النووية الإيرانية في عام 2010. وعلى الرغم من عدم وجود استثمارات كبيرة في المرافق الأميركية، يزعم أن المتسللين الصينيين كانوا وراء هجوم إلكتروني مماثل استهدفهم في أغسطس الماضي. ومع التطورات المتسارعة لمثل هذه الهجمات الإلكترونية، ربما يسأل المرء عما إذا كان التركيز المفرط على حصةٍ لشركةٍ أجنبيةٍ في غير محله من الناحية الأمنية. وعلى ما يبدو، ما دام هناك نية سيئة، فإن عدم وجود الإنصاف لا يشكل عائقًا للتسبب في ضرر.

وفيما عدا الاستيلاء الحكومي، فإن هناك تدابير لتخفيف المخاطر يمكن أن تتخذها “مانيلا”. حيث يمكن نقل التكنولوجيا ونقل المعرفة بصرامة. كما يجب ترجمة جميع الأدلة الفنية باللغة الإنجليزية أو الفلبينية. ومن ثَمَّ يمكن إنشاء معهد تدريب لضمان تشغيل السكان المحليين في النهاية. ويجب أن تظل الأدوات الاحتياطية للتحكم موجودة في حالات الطوارئ والموظفين المعنيين المدربين بانتظام على استعداد لمثل هذه السيناريوهات. ويمكن تكليف خبراء أمن المعلومات المستقلين، المحليين أو الأجانب، بإجراء مراجعة للأنظمة المعمول بها لتحديد نقاط الضعف واقتراح تدابير وقائية. ويمكن أيضًا أن تكون عملية توزيع الأسهم الأجنبية مشتتة بدرجة ما. كما يمكن تخصيص حصة كبيرة للحكومة أو للجمهور الفلبيني. وأهم من ذلك، يمكن للحكومة تطوير نظام تنظيمي وإشرافي أكثر قوة لمواجهة التحديات الأمنية في عصر المعلومات.

ومن ثَمَّ ينبغي أن تعمل إدارة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مع قطاع الطاقة والمرافق في هذا المجال.

وفي الواقع، تكمن المخاوف المتواصلة حول الاستثمارات الاستراتيجية الصينية في الفلبين تحت مظلة العلاقات السياسية. حيث يعزى الكثير منها إلى الخلاف الطويل والعجز في الثقة تجاه الجار الشمالي الكبير للبلاد. ولكن ما لم تقرر “مانيلا” حظر هذه الاستثمارات، فسوف يتعين عليها مواصلة إثارة مثل هذه القضايا والعمل مع الصين مع اتخاذ إجراءات تخفيف المخاطر الخاصة بها.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر:China US Focus

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر