سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
جيمس دورسي
كانت طاجيكستان في حاجة ماسة للنقد على الدوام، بل كانت على وشك بيع أصول حيوية أخرى للصين في وقت تطالب فيه دول، مثل: سريلانكا وجزر المالديف، بإعادة التفاوض بشأن تسويات الديون التي أجبرتها إمَّا على التنازل عن السيطرة على البنية التحتية الهامة، أو أن تظل تعاني من شبح التنمية غير المستدامة. ويشير الاستحواذ الصيني الحالي على حصة في منجم الألمنيوم في طاجيكستان، إلى جانب تنازلات ضريبية سابقة للشركات الصينية، إلى إمكانية أن تقلل – إلى حدِّ بعيدٍ – من تأثير الاستثمارات في الاقتصاد الطاجيكي المضطرب، حتى إن الصين لم تأخذ بالكامل في الاعتبار الانتقادات المتكررة لها. وهو ما يقع في نطاق المنطق التجاري لمشروعات “مبادرة الحزام والطريق” وما يتصل بها. فقد حذَّر مركز التنمية العالمية ومقره واشنطن، العام الماضي، من أن 23 من 68 بلدًا تستفيد من استثمارات “مبادرة الحزام والطريق”، كانت معرضة بشكل كبير لأزمات الديون. وقال المركز إن ثماني دول، هي: طاجيكستان وجزر المالديف وباكستان وجيبوتي وقيرغيزستان ولاوس ومنغوليا والجبل الأسود، معرضة جميعها للخطر بشكل خاص. فهناك قلق من أن تؤدي مشاكل الديون إلى خلق درجة غير مواتية من الاعتماد على الصين باعتبارها دائنًا. وقال التقرير إن زيادة الديون، ودور الصين في إدارة مشاكل الديون الثنائية، أدى – بالفعل – إلى تفاقم التوترات الداخلية والثنائية في بعض دول “مبادرة الحزام والطريق”. إذ يرتبط التقدم المحرز في إطار هذه المبادرة بممر “واغان” الأفغاني، وهو قطاع ضيق في شرق البلاد يمس الحدود الصينية ويفصل بين طاجيكستان وباكستان وكشمير الخاضعة لسيطرة باكستان، إذ إن عدم اكتراث الصين بمخاوف المستفيدين من الشعب بات ملحوظًا بدرجة كبيرة. فالطريق سيربط بين ذلك الممر وآسيا الوسطى في الشمال، وميناء “جوادار” الباكستاني على بحر العرب في الجنوب، وهو يبدو بمنزلة “جوهرة التاج” في “مبادرة الحزام والطريق” التي تعتمد على البنية التحتية والطاقة في الصين.
ومن المؤكد أن هذا الطريق له أهمية محلية أكثر من الجيوسياسية بالنسبة للعمال الذين يعملون في بناء الطريق، والرعاة بالمنطقة، كما هو مؤكد من قبل عالمي الأنثروبولوجيا “توبياس مارشال” و”تيل موستولانسكي”.
فالطريق يخلق فرصًا للعمالة المؤقتة. والحال نفسه بالنسبة للرعاة، حيث يسهل الوصول إلى المراعي الجبلية.
أمَّا بالنسبة للصين، فثمة مخاطر جيوسياسية واقتصادية؛ إذ لن يسهل الطريق التجارة مع آسيا الوسطى، وكذلك حركة المرور من “جوادار”، ولكن أيضًا من شأنه أن يسهل عملية بناء خطوط أنابيب أقصر، وكذلك كابل الألياف الضوئية.
ولعل الأهم، أنه سيعمل مع قاعدة عسكرية في طاجيكستان والعمليات الصينية عبر الحدود في الممر نفسه، على تسهيل حركة القوات في الإسقاط التدريجي للصين للقوات العسكرية الموجودة خارج حدودها، لا سيَّما في المناطق المتاخمة للمقاطعة الشمالية الغربية المضطربة “شينجيانغ”.
وتثير الأهمية العسكرية المحتملة للطريق أسئلة حول استدامة التقسيم المفترض للعمل بين روسيا والصين، والذي بمقتضاه تتحمل روسيا مسؤولية الأمن في آسيا الوسطى، في حين تركز الصين على التنمية الاقتصادية.
ومن المفارقات أنه إذا كانت على سريلانكا، وجزر المالديف، وباكستان، وماليزيا، إلى جانب المشاعر المعادية للصين في آسيا الوسطى، والتي يدعمها جزئيًا القمع الوحشي للمسلمين الأتراك في “شينجيانغ”، فإنه ليس من الممكن أن تمضي الصين في نهجها الحالي تجاه “الحزام والطريق”، إذ يمكن أن تتحول التنمية ذات الصلة إلى تهديد لطموحاتها الجيوسياسية الأوسع، وكذلك سياسة الأمن الإقليمي.
لقد طالبت سريلانكا، أخيرًا، الصين بإعادة السيطرة على ميناء “هامبانتوتا”.إذ أصبحت سريلانكا تتبنى كثيرًا المزاعم بأن الصين كانت تتبع دبلوماسية “فخ الديون” عندما وقعت قبل عامين في فخ سيطرة الصين على الميناء كجزء من صفقة كبيرة للحد من قدرة البلاد على سداد المدفوعات. فقدمت الصين لسريلانكا خمسة مليارات دولار أميركي بين عامي 2010 و 2015 لتغطية مشاريع البنية التحتية التي شملت تطوير “هامبانتوتا” بأسعار فائدة تصل إلى 6.3%. وبشكل مقارن، فإن أسعار البنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي على القروض الميسرة تتراوح ما بين 0.25 و3%. إذ يمثل الظرف المثالي عودة إلى القاعدة الأساسية التي كان معمولاً بها من قبل. فقد قال رئيس الوزراء السريلانكي المُعَين حديثًا “أجيث نيفارد كابرال”: “إننا سندفع القرض في الوقت المناسب بالطريقة التي اتفقنا عليها في الأصل دون أي إزعاج على الإطلاق”. وبالمثل، قالت وزارة خارجية المالديف في وقت سابق من هذا الشهر، إنها تسعى إلى إعادة هيكلة ديونها الصينية. إذ كانت أوضاع الاقتراض من قبل الحكومة السابقة غير معقولة ما وضعنا في حالة أكثر صعبة. وقال وزير الخارجية عبدالله شهيد: “يمكننا التغلب على هذه الفوضى من خلال الوسائل الدبلوماسية، ففي الشهر الماضي، حُكِمَ على الرئيس السابق عبدالله يامن بالسجن لمدة خمس سنوات وغرامة قدرها 5 ملايين دولار بسبب الفساد خلال فترة ولايته التي انتهت في أواخر العام الماضي”. وقد اتهمت حكومة السيد شهيد الصين بالاستيلاء على الأراضي خلال عهد السيد يامن.
وفي نجاح كبير، تفاوضت ماليزيا في وقت سابق من هذا العام على تخفيض بمقدار الثلث في تكلفة مشروع للسكك الحديدية ذات الصلة بالحزام والطريق، وبلغت قيمتها 15.7 مليار دولار. وفي تنازل آخر، وافقت الصين على أن 70% من القوى العاملة ستكون ماليزية، وأن المتعاقدين الماليزيين سيحصلون على 40٪ من الأعمال المدنية. واتُهمت الصين مرارًا وتكرارًا باستخدام الصينيين بدلاً من العمالة المحلية في المشروعات التي تمولها الصين على طول “الحزام والطريق” واستيراد المواد من الصين بدلاً من توريدها محليًا. أمَّا حكومة رئيس الوزراء الباكستاني “عمران خان”، فقد كانت أقل نجاحًا من نظيرتها الماليزية؛ إذ تراجع أخيرًا للضغط الصيني لإحياء مئات المشاريع التي تمَّ تعليقها في البداية بعد وصولها إلى السلطة في عام 2018. هنا يمكن القول إن تعيين ضابط متقاعد كرئيس لسلطة جديدة تشرف على الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC) الذي يجمع بين المشاريع المرتبطة بالحزام والطريق، يعكس حرص الصين على السياسة الباكستانية الفوضوية وتفضيلها للتعامل مع جيش البلاد. ومع الأخذ في الاعتبار موقف سريلانكا المعادي للفكرة بالأساس، يشير المحللون إلى أن الصين تبدو مصممةً على جعل باكستان تعكس قصة نجاح.
وكما يقول “أندرو سمول”، الباحث في الشؤون الباكستانية والصينية، فإن المعركة الكبيرة في الوقت الحالي مع بكين تدور حول إظهار أن “مبادرة الحزام والطريق” تبدو ناجحة، وأنها لم تضع الاقتصاد الباكستاني في مأزق، كما أنه ليس هناك رد فعل عنيف. فإذا لم تتمكن بكين وإسلام أباد من القيام بذلك في سياق مثل هذا، فإن ذلك الوضع يشير إلى وجود شيء معيب في هذا النموذج.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: مودرن ديبلوماسي
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر