الصين تستعد لحرب تجارية أميركية | مركز سمت للدراسات

الصين تستعد لحرب تجارية أميركية

التاريخ والوقت : الأحد, 3 يوليو 2022

زونغوان لو

 

تتزايد قناعة المسؤولين الصينيين بأن الولايات المتحدة مصممة على تطبيق سياسة احتواء شاملة تجاه بلادهم. وتنظر بكين إلى الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطَين الهندي والهادي (مبادرة اقتصادية أطلقها الرئيس الأميركي جو بايدن، عام 2022 وتضم 14 دولة- المترجم) على أنه الوجه الاقتصادي للحوار الأمني الرباعي وأوكوس، وهما اتفاقيتان أمنيتان تقودهما الولايات المتحدة، وتعتبرهما الصين تحالفَين مناهضَين لها. ومع ازدياد أصوات النخب السياسية والاقتصادية الصينية التي تنادي بالاعتماد على الذات والاستعداد لمواجهة اقتصادية شاملة، كتبت زونغوان لو، في صحيفة “فورين بوليسي”، مقالاً تستعرض فيه هذه التوجهات الصاعدة في الصين في ظل التغيرات العميقة في العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة.

تشير “لو”، في مطلع مقالها، إلى أن الاستعدادات الصينية ستشمل، إلى جانب تعزيز قوتها العسكرية، العمل على تعزيز مسارَين اقتصاديَّين؛ هما: زيادة الاعتماد عل الذات، وتحصين الاقتصاد الصيني في وجه العقوبات المحتملة من خلال تعزيز موقعها في سلاسل التوريد العالمية، وتوسيع نفوذها في الممرات البحرية التجارية الدولية. وفي مؤتمره عام 2021، جعل الحزب الشيوعي الصيني الاستقلالية والاعتماد على الذات حجر الزاوية في سياسة البلاد، وتعهدت الحكومة مؤخراً بهذا التوجه من خلال بناء “سوق وطنية موحدة”، في ما يعتبره المراقبون تهيئة الاقتصاد الصيني لتحمل ضربات اقتصادية شديدة ناجمة عن الانفصال القسري.

يتمثل أحد المكونات الرئيسية لاستراتيجية الصين الدفاعية ضد الاحتواء الغربي في بناء نظام تجارة عالمي للسلع يقوم على العملة الوطنية الصينية، وقد بدأ كبار موردي النفط إليها؛ مثل فنزويلا وروسيا وأنغولا وإيران ونيجيريا، بالقبول باليوان في تجارتهم مع الصين. ووصل إجمالي حجم العقود الآجلة للنفط في أبريل 2021 إلى 44 تريليون يوان؛ أي ما يعادل 6.7 تريليون دولار أميركي. كما أن الصين تمتلك بنية تحتية متكاملة لتجارة النفط باستخدام الذهب، وهذا ما يمثل بداية عملية تسعير بديلة لسلعة عالمية رئيسية.

تقول الكاتبة إن الصين تسعى للاستفادة من التحولات الحالية في أسواق الطاقة في التأسيس “الغازيوان” في مواجهة “البترودولار”، ونظراً للطبيعة المجزأة لأسواق الغاز العالمية ومكانة الصين كمشتر رئيسي، فإن ظهور “الغازيوان” لا يعتبر حلماً بعيد المنال. فالصين وروسيا وإيران مجتمعة تتفوق على الولايات المتحدة في كمية إنتاجها من الغاز الطبيعي، وتمتلك هذه الدول بنية تحتية مالية بعملات غير الدولار، ويمكن القول إن القوة الجيو-اقتصادية لهذه الدول الثلاث أقوى بكثير من قوة أوبك.

والعنصر الثاني من النظام المالي الذي تبنيه الصين هو نظام المدفوعات الدولية الصيني “سيبس” المدعوم باليوان الرقمي الذي أطلقته بكين عام 2015، وأصبح بنية مالية تتيح المجال للكيانات المعاقبة للدخول إلى الأسواق العالمية. ومع أن الغرض من وراء إنشاء نظام “سيبس” كان تعزيز مكانة اليوان، إلا أنه يتحول بشكل متزايد إلى بديل عن نظام “سويفت” العالمي حتى قبل أن يتم طرد بعض البنوك الروسية منه. ويجمع نظام “سيبس” بين خدمات المراسلة المالية والتسديد في منصة واحدة، ويمكن باستخدامه هذين الغرضين أن يقضي على مخاطر اطلاع الولايات المتحدة على المعلومات المتعلقة بالتعاملات التجارية، وبالتالي خفض تدفق المعلومات المستخدمة في فرض العقوبات.

ومع أن هذه الإجراءات هي دفاعية في طبيعتها، وتهدف إلى حماية الصين من عواقب سياسة الاحتواء الأميركية، فإن السيناريو الأسوأ يبقى حرباً مالية ناتجة عن صدام عسكري مثل الصراع على تايوان على سبيل المثال؛ حيث يمكن للصين اتخاذ إجراءات انتقامية هجومية مثل تعطيل سلاسل التوريد العالمية، وتقييد وصول الدول المعادية إلى الموانئ التجارية التي تسيطر عليها بكين. وقد أقرت الصين منذ عام 2018 خمسة تشريعات رئيسية تهدف إلى إحباط تأثير العقوبات الأميركية المحتملة. ويتيح تطبيق هذه التشريعات للحكومة الصينية إجبار الشركات على الاختيار بين السوق الصينية أو السوق الغربية، وردع ومعاقبة الدول والكيانات التي تتعاون مع العقوبات الأجنبية على الصين. وتعكس هذه التشريعات مدى إدراك القادة الصينيين كيفية الاستفادة تدريجياً من هيمنة بلادهم على سلاسل التوريد العالمية من أجل الانتقام من العقوبات الأجنبية وحماية المصالح الوطنية للصين.

أحد هذه التشريعات هو قانون مراقبة الصادرات الذي يمنح الحكومة الصينية القدرة على تقييد تصدير العناصر الطبيعية النادرة بموجب استثناءات الأمن القومي لقواعد منظمة التجارة العالمية بشأن التجارة الحرة. ومثل هذه القيود يمكن أن تلحق الضرر بصناعة الإلكترونيات الاستهلاكية ذات التقنية العالية والأسلحة الأميركية المتطورة؛ بما في ذلك طائراتF-35  المتطورة. وفي هذا الصدد، تشير “لو” إلى أن الصين قدمت ما يصل إلى 80% من واردات الولايات المتحدة من العناصر الطبيعية النادرة بين عامَي 2014 و2017.

ومن ناحية أخرى، يوفر تحول الصين إلى قوة بحرية تجارية كبرى مصدراً آخر للضغط يمكن أن تستخدمه بكين في أوقات الحرب الاقتصادية؛ فقد منحت عمليات الاستحواذ الصينية على العديد من الموانئ في مختلف أنحاء العالم سيطرة أكبر لبكين على تدفقات البضائع العالمية إلى درجة يمكنها أن تقيد قدرة الغرب على تأمين سلاسل التوريد. بحلول عام 2021 كانت الصين تمتلك استثمارات في أكثر من 100 ميناء حول العالم، وتمتلك ثلاث شركات تشغيل موانئ صينية حصصاً في 16 ميناء أوروبياً. وفي عام 2018 كانت شركة “كوسكو” الصينية تمتلك 100% من محطة حاويات بيريوس في اليونان، و85.5% من محطة زيبيرغ تيرمينال في بلجيكا، و51% من محطة نواتوم في إسبانيا، إلى جانب حصص أقل في العديد من الموانئ الأوروبية الأخرى.

وتخلص “لو” إلى الإشارة إلى المخاطر التي تحملها هذه الاستراتيجيات بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وترى أنه ينبغي لإدارة بايدن أن تسعى إلى تحدي طموحات الصين، والتعايش معها في الوقت نفسه من خلال استراتيجية “الاستثمار، المواءمة، المنافسة”. وفي الوقت نفسه، تحذر “لو” من المبالغة في تقدير قدرات الصين وشيطنة بكين، أو تجاهل قدرة الصين على تحدي القيادة العالمية للولايات المتحدة وهيمنة الدولار. وتقول: “يمكن للولايات المتحدة تقويض محاولات الصين لتحييد القوة الاقتصادية- الجغرافية للولايات المتحدة من خلال تعزيز جاذبية القيادة الأميركية للعالم وجاذبية النظام العالمي الحالي. لقد حان الوقت للولايات المتحدة لأن تصغي إلى صوت الدول التي تتوق إلى دعم التنمية فيها أو تسعى إلى الحصول على تمثيل في النظام العالمي، قبل أن تتلقى هذه الدول عروض الصين السخية”.

 

المصدر: كيو بوست – فورين بوليسي

 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر