الصين بين واقع السوق وآفاق النمو | مركز سمت للدراسات

الصين بين واقع السوق وآفاق النمو

التاريخ والوقت : الإثنين, 11 أكتوبر 2021

إن أجندة «إعادة البناء بصورة أفضل»التي وضعها الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بميزانية تبلغ 3.5 تريليونات دولار أمريكي تتضمن العديد من الأهداف ذاتها. فمعالجة عدم المساواة والأجندة الاجتماعية في الوقت نفسه تشكل مشكلة كبيرة لأي بلد. وهي ليست فقط موضوع نقاش حاد في واشنطن، بل تؤثر بصورة حاسمة على آفاق الصين.

كل العيون في الغرب مثبتة على جانب الصين، وهذا أمر سبق لنا أن رأيناه يحدث. إذ دائماً ما كان يُنظر للصين على أنها من ستكون خلف الدول الغربية لاحقاً منذ الأزمة المالية الآسيوية التي اندلعت في أواخر التسعينيات من القرن العشرين، يليها ركود الإنترنت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ثم الأزمة المالية العالمية في الفترة 2008-2009. ومع ذلك، تحدى الاقتصاد الصيني، مراراً وتكراراً، التوقعات القاتمة بمرونة فاجأت معظم المراقبين.

تمتلك الحكومة الصينية موارد وافية لدعم تخلف (إفرغراند)، الأزمة المستفحلة، عن سداد القروض، والتحصين ضد التداعيات المحتملة على الأصول والأسواق الأخرى. وبامتلاك الصين حوالي 7.5 تريليونات دولار من المدّخرات المحلية و3 تريليونات دولار أخرى من احتياطيات النقد الأجنبي، فإن لديها قدرة أكثر من كافية لاستيعاب أسوأ انهيار قد تتعرض له مجموعة (إيفرغراند). وتؤكد عمليات ضخ السيولة الضخمة الأخيرة التي قام بها بنك الصين الشعبي على هذه النقطة.

إن المخاطر التي يتعرض لها الاقتصاد الحقيقي، والتي دخلت مرحلة مؤقتة، محدودة. إذ يحظى جانب الطلب في سوق العقارات الصيني بدعم جيد من خلال الهجرة المستمرة للعمال الريفيين إلى المدن. وهذا يختلف تماماً عن انهيار فقاعات الإسكان المضاربة في بلدان أخرى، مثل اليابان والولايات المتحدة، حيث كان فائض العرض غير مدعوم بالطلب. ورغم أن نسبة سكان الصين في المناطق الحضرية قد ارتفعت الآن بشكل طفيف فوق 60 %، لا يزال أمامها الكثير حتى تصل إلى عتبة 85-80 % النموذجية للاقتصادات الأكثر تقدماً. وعلى الرغم من الروايات الأخيرة بشأن انكماش المدن- وهي روايات تذكرنا بالإنذارات الكاذبة السابقة حول وجود الكثير من المدن الأشباح- لا يزال الطلب الأساسي على المآوي الحضرية ثابتاً، مما يحد من مخاطر هبوط الاقتصاد الكلي، حتى في مواجهته لإخفاق (إفرغراند).

إن أهم المعضلات التي تواجه الصين تتعلق بدرجة أقل بـ(إفرغراند) وبدرجة أكبر بإعادة التفكير بصورة رئيسية في نموذج النمو الخاص بها. إذ في البداية، كنت قلقاً بشأن القمع التنظيمي، حيث كتبت في أواخر شهر يوليو أن الإجراءات الجديدة استهدفت شركات منصات الإنترنت في الصين، مهددة بذلك بخنق «الغريزة الحيوانية» في بعض القطاعات الاقتصادية الأكثر ديناميكية، مثل التكنولوجيا المالية وألعاب الفيديو، والموسيقى التي تبث على الإنترنت، ومشاركة ركوب السيارات، والدروس الخصوصية، والوجبات الجاهزة، والتوصيل، وخدمات نمط الحياة. لا شك أن الصين تستفيد كثيراً من علاقاتها ووجودها في مجموعة «بريكس»، لكن هذا ربما لا يكفي لاقتصاد ضخم مؤثر بحجم اقتصادها، لذا تحتاج دوماً مروعات متكاملة متجددة.

كان هذا في الماضي. أما الآن، فقد ضاعفت الحكومة الصينية من قوتها، حيث ألقى الرئيس، شي جين بينغ، القوة الكاملة لسلطته في حملة «الرخاء المشترك» التي تهدف إلى معالجة عدم المساواة في الدخل والثروة. وفضلاً عن ذلك، وسَّع نطاق الشبكة التنظيمية، ليس فقط لحظر العملات المشفرة، ولكن أيضاً لتصبح أداة للهندسة الاجتماعية، مع إضافة الحكومة للسجائر الإلكترونية، وشرب الكحول أثناء المناسبات التجارية، وثقافة المعجبين بالمشاهير، إلى قائمتها الطويلة من العادات الاجتماعية السيئة.

وبصفتي ممارساً في الاقتصاد الكلي، فقد تعلمت دائماً أن أفكر في التأثيرات المشتركة للتطورات الرئيسية. فأزمة (إيفرغراند) سوف تمر. أما الازدهار المشترك فسيستمر. إن القمع التنظيمي، بالتزامن مع الضغوطات لإعادة توزيع الدخل والثروة، يعيد عرض فيلم المعجزة الصينية. ومن خلال الإخفاق في الربط بين العناصر، قد يرتكب قادة الصين خطأً فادحاً في حساباته.

 

المصدر: صحيفة البيان

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر