الصناعة البحرية وفيروس كوفيد ـ 19 | مركز سمت للدراسات

الصناعة البحرية وتكاليف الغرق في “كوفيد ـ 19”

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 28 أبريل 2020

غياثري أير

 

دفع الاعتماد على طلب الصين وصادراتها صناعة الشحن لفترة طويلة للغاية وزاد من المخاطر التي تواجه سلسلة التوريد كلها.

فقد كان للانتشار السريع لوباء “كوفيد ـ 19” في جميع أنحاء العالم تأثيرٌ كبيرٌ على الأسواق العالمية. فمنظمة التجارة العالمية تتوقع احتمال أن تنخفض التجارة العالمية بنسبة تتراوح بين 13٪ و32٪ في عام 2020، حيث إن تلك الجائحةتعطل النشاط الاقتصادي الطبيعي والحياة في جميع أنحاء العالم.

بجانب ذلك، فإن صناعة الشحن، كونها في طليعة التجارة الدولية التي تُمَكِّن 90٪ من التجارة العالمية بما يقرب من 12 تريليون دولار، تواجه اضطرابات واسعة النطاق لم يشهد مثلها منذ عقود. ونظرًا لطبيعة صناعة الشحن التي تعتمد بشكل كبير على السفر والتفاعل البشري، فقد تأثرت بشكل مادي سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من تفشي جائحة “كوفيد ـ 19”.

ولطالما احتلت الصين مكانة مركزية في الحركة العالمية لانتقال السلع كأكبر مُصَدِّرٍ في العالم، فكانت الشريك التجاري الرئيسي للعديد من البلدان والرائد الرئيس في بناء السفن، ذلك أن الازدهار داخل قطاع الشحن كثيرًا ما كان مرتبطًا بشدة بالصين على مدى العقدين الماضيين. ونظرًا لأن الفيروس نشأ في مدينة ووهان، فقد شهدت الصين والبلاد التأثير الأول والأسوأ الذي أدى بدوره إلى تباطؤ التجارة الدولية في جميع أنحاء العالم. وقد قوبل الانتشار الداخلي السريع لفيروس “كوفيد ـ 19” من بداية عام 2020 بانخفاض قياسي في السفن التي تستدعي الموانئ الصينية. ومع دخول البلاد في الإغلاق، شهدت الصين انخفاضًا حادًا في مؤشر مديري المشتريات التصنيعي (PMI)من 51.1 في يناير إلى 37.5 في مارس، وهو أدنى مستوى له منذ عام 2004 وانكمش اقتصادها بنسبة 6.8٪ مما تسبب في آثار مضاعفة في جميع أنحاء العالم.

ومع وجود حوالي 20% من التجارة العالمية في تصنيع المنتجات الوسيطة التي مصدرها الصين وشركات التصنيع الأجنبية التي تعتمد على الصين كمورد رئيسي للمنتجات الوسيطة، شعرت بتأثير اقتصادي مباشر حتى قبل انتشار الفيروس في جميع أنحاء العالم. فانخفاض حجم التجارة من وإلى الصين أدى إلى خسائر مالية كبيرة للأشهر القادمة.

وفي هذا الوقت من الأزمة العالمية، لا يمكن التأكيد بما فيه الكفاية على أهمية إبقاء سلاسل التوريد مفتوحة والسماح باستمرار التجارة البحرية والنقل عبر الحدود. لذلك حثَّت معظم المنظمات الدولية مثل المنظمة البحرية الدولية والأونكتاد الدول على دعم تدفق التجارة البحرية لأن القيود سوف تشل ليس فقط البحارة، بل أيضًا الدول التي تعتمد بشدة على الإمدادات الخارجية.

ومع ذلك، فإن احتمالات تشغيل عمليات شركة النقل كالمعتاد هي قاتمة. لذا، فقد تأثرت عمليات الشحن، والمحطات الفرعية، والموانئ، وما إلى ذلك، بشدة بسبب توجيه الموظفين بالامتناع عن السفر أو تعليق العمل لمنع انتشار الفيروس. ومع إبلاغ طاقم سفينة حاويات عن وجود حالات عدوى بفيروس “كوفيد ـ 19″، بدأت معظم الموانئ في عزل السفن مدة أربعة عشر يومًا قبل دخولها. وقد أدى ذلك أيضًا إلى التأثير السلبي المتزايد على التجارة العالمية بسبب التأخير في تبادل الحاويات والإشارة إلى انخفاض النشاط الاقتصادي.

لقد وصل بناء السفن إلى أدنى مستوياته على الإطلاق، حيث يصدر العديد من أحواض بناء السفن بيانات طارئة تطلب تمديد المواعيد النهائية للتسليم. فقد انخفض الطلب على المواد الخام والسلع، مما دفع أسعار الشحن إلى الانخفاض. وكان التحول العالمي نحو سفن حاويات أكبر للتجارة عاملاً هامًا في العمل، حيث كان لمكالمات الميناء الفائتة وتخفيض الشحن تأثير أكثر وضوحًا.

يبدو أن ناقلات النفط الخام هي الأقل تأثرًا بالأزمة، حيث تسارع الدول المستوردة للنفط والتجارة إلى شراء كميات كبيرة من النفط لتوفير احتياطيات استراتيجية بأسعار منخفضة قياسية. وعلى ذلك، فمع كون الصين مستوردًا هامًا للنفط الخام، بدأ انخفاض النشاط الاقتصادي الصيني يؤثر سلبًا على ناقلات النفط الخام. كما يتوقع الركود القادم في الاقتصاد العالمي انخفاضًا حادًا في الطلب على الطاقة في الفترات المقبلة. ذلك أن مؤشرات الإجهاد في القطاع تبدو واضحة بالفعل في قطاع المصب بسلسلة القيمة النفطية.

وقد أظهر تصنيف الأونكتاد لبيانات الشحن في الوقت الحقيقي التي تمَّ جمعها باستخدام نظام تحديد الهوية الآلي(AIS) تغيرًا في السلوك التشغيلي لسفن الحاويات وفي كمية المنتجات النفطية على الماء من خلال تتبع مواقع السفن والبضائع على متن السفن. وارتفع حجم الخام، وخاصة الديزل، في التخزين العائم أو على متن السفن الراكدة أو غير المتحركة. وتعتبر إشارة الديزل الخامل في التخزين ذات أهمية خاصة، حيث يتم استخدامه لقياس النشاط الصناعي بسبب استخدامه المكثف كوقود للنقل للسفن الصغيرة وشاحنات الطاقة وأفران المصانع الحرارية. وبالتالي، فإن هذا التباطؤ في الأداء يلقي الضوء على حجم الاضطراب في سلسلة التوريد على مستوى العالم.

ومع ذلك، ففي حين تبدو التوقعات بشأن الانتعاش والاستقرار المستقبلي لصناعة الشحن بطيئة وقاتمة إلى حد ما، يعتقد الخبراء أن الاضطراب الناجم عن الوباء سيثبت أنه محفز لإعادة التشكيل الجذري لصناعة الشحن. وقد كشف الوباء عن العيوب الصارخة لشبكة سلسلة الإمداد العالمية،حيث دفع نحو الاعتماد على طلب الصادرات الصينية وصناعة الشحن لفترة طويلة للغاية وزاد من المخاطر التي تواجه سلسلة التوريد كلها. لذا، سيتم تصميم الحماية من هذه الصدمات في المستقبل بزيادة الهيكلة الإقليمية للتجارة وتقصير خطوط الإمداد للمساعدة على زيادة المرونة. بجانب ذلك، فستؤدي توجهات الرقمنة والابتكار التكنولوجي دورًا رئيسيًا في إعادة تعيين شبكة التوزيع، حيث إن زيادة الاستثمار في تقنيات الشحن الذكية ستتيح تتبعًا أفضل ومتابعة وتسهيلاً وتكاملاً وتقاسمًا للمعلومات. وسيساعد هذا في توفير تحليل البيانات وزيادة إدارة سلسلة التوريد من البداية إلى النهاية من خلال ربط مختلف أصحاب المصلحة واللاعبين في الصناعة البحرية لتحسين العمليات ومرونة الصناعة. كما ستشهد الأزمة دفعة متسارعة من أجل النمو في النقل المستقل مما يمهد الطريق لصناعة أرخص وأكثر كفاءة ومرونة.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: مؤسسة المراقب للأبحاث

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر