الصراع المسلح شمال موزمبيق والجغرافيا السياسية للغاز | مركز سمت للدراسات

الصراع المسلح شمال موزمبيق والجغرافيا السياسية للغاز

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 18 مايو 2021

ماتياس إي ليتنر

 

تحولت “كابو ديلجادو” والتي كانت ذات يوم معقل الكفاح الوطني في موزمبيق إلى بؤرة من الصراع وعدم الاستقرار، مما يهدد البلدان المجاورة والاستقرار الإقليمي، فقد تفاقم الصراع المسلح مع المتطرفين الجهاديين بسبب خصخصة قوات الأمن والافتقار إلى التضامن الإقليمي الملموس والتنسيق الأمني.

تعمل احتياطيات الغاز البحرية الكبيرة كمحركٍ إضافي للصراع، بينما لا تزال مبادرات بناء السلام في بدايتها، كما أن المتطرفين المتحالفين مع داعش يجعلون المناخ مناسبًا للأنشطة غير القانونية عبر الحدود، تمامًا كما يمكن أن يؤدي تطوير مشروع الغاز الرئيسي، إلى تحقيق مكاسب سلام حقيقية للمقاطعة الفقيرة، وفي ضوء تصاعد العنف فقد حان الوقت للاستجابة الدولية لتغيير التروس، والاستثمار في بناء السلام إلى جانب المساعدة في مكافحة التمرد وإصلاحات قطاع الأمن، بما في ذلك تنظيم نشاط الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، وفي نموذج جديد للشراكة مع الحكومة يمكن للتعاون المشترك، وخاصة مع عملاء الغاز في المستقبل عبر المحيط الهندي أن يدعم الاستجابة للعنف المتصاعد.

مسار الصراع

تصاعد العنف المسلح بشكل مطرد في مقاطعة “كابو ديلجادو” شمال موزمبيق منذ عام 2017 وفي العامين الماضيين اكتسب التمرد الجهادي “أهل السنة والجماعة”، زخمًا خارج المناطق الريفية، ففي أغسطس 2020‪سيطر المتمردون على بلدة “موسيمبوا دا برايا” على الساحل الشمالي واستهدف الهجوم المركب في 25 مارس على مدينة بالما، المكتظة بالسكان منطقة انطلاق مشروع تطوير الغاز البحري الكبير، ونتيجة لذلك أوقفت شركة الطاقة الرائدة المشاركة في مشروع الغاز “شركة توتال” الفرنسية عملياتها وسحبت موظفيها من المنطقة.

ورغم أن الحكومة أعلنت في 7 أبريل أنه تمت استعادة بالما، يُقَدِّرُ الخبراء أن حوالي 60% من المناطق الفرعية في المقاطعة لم تعد تحت سيطرة الحكومة الفعالة إن التداعيات الإنسانية للقتال تبدو كارثية؛ فقد تم تجنيد 700 ألف شخصٍ وحوالي ربع سكان المقاطعة، كما تسبب القتال في سقوط 2800 ضحية حتى الآن، وذُكِر أن أكثر من نصفهم من المدنيين.

رد فعل الحكومة

كافحت الحكومة لإبقاء التمرد في مأزق بعد الإنكار الأولي للمشكلة،ففي عام 2020، اتخذت الحكومة خطوات لإعادة تنظيم وضعها الأمني ​​في “كابو ديلجادو” وأنشأت فرقة عمل مشتركة ضد الإرهابيين، فقد أبرمت موزمبيق وتنزانيا اتفاقية لتشكيل لجنة مشتركة للدفاع والأمن، في منتصف يناير 2021 لغرض تبادل المعلومات الاستخباراتية والتنسيق.

كما كان هناك استعداد متزايد لقبول المستشارين والمدربين العسكريين الأجانب، بينما تم استخدام مجموعات الميليشيات المحلية بالتوازي، ووافقت الولايات المتحدة مؤخرًا على تقديم الخبرة العسكرية والتدريب لمدة شهرين للقوات الموزمبيقية، فالبرتغال وهي القوة الاستعمارية السابقة ترسل مدربين، كما كثف الاتحاد الأوروبي التخطيط لبعثة عسكرية محتملة للاتحاد الأوروبي لمساعدة الحكومة، بعد أن أجرت الدول المجاورة “سادك” تقييمًا مؤخرًا.

ومع ذلك، كانت موزمبيق تصر على نشر القوات الأجنبية، بسبب تقاليدها الدبلوماسية غير المنحازة والمخاوف بشأن السيادة الوطنية، وبدأت الكتلة الإقليمية لمجموعة “سادك” بالتداول حول استجابة أمنية مشتركة في أواخر عام 2020، ومع ذلك فقد ظلَّ اجتماع قمة مجموعة “سادك” الثلاثية الأخير في 8- 9 أبريل والمخصص للتحديات الأمنية الإقليمية غير حاسم.

كانت الإصلاحات في قطاع الأمن في موزمبيق غير مكتملة منذ نهاية الحرب الأهلية 1977- 1992 والتي أضعفت الجيش في أدوار خط المواجهة ضد المتطرفين العنيفين، وقد تم تبني قانون مكافحة الإرهاب فقط في عام 2018 عندما بدأ التمرد بالفعل في الظهور بقوة، كما تزداد حوكمة الأمن تعقيدًا بسبب اعتماد موزمبيق على الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، بما في ذلك بعض القوات من روسيا وجنوب إفريقيا التي فشلت في هزيمة الجهاديين، وفي شمال موزمبيق أثارت هذه الأعمال شبه العسكرية انتقادات شديدة، من منظمات حقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية فهناك شهادة تتهم موظفي الشركة الأمنية بالعنف العشوائي.

التهديد المتطرف العابر للحدود

بالفعل في يوليو 2019 أعلن متمردو “أهل السنة والجماعة” الولاء لفرع “داعش” في وسط إفريقيا الذي يعمل في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ويُعتقد أن قوتهم القتالية تبلغ حوالي 2000 جندي في مقاطعة “كابو ديلجادو”، و قد صرحت “أهل السنة والجماعة” علنًا عن نيتها تطبيق الشريعة بصفتهم عملاء لـ”حكومة الله” ، على غرار “داعش” في الشرق الأوسط و”مليشيا الشباب في الصومال”. كما اتهمت “أهل السنة والجماعة” حزب “فريليمو” الحاكم في موزمبيق بالفساد، وفي مارس 2021 فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قادة داعش وبوكو حرام وغيرهم باعتبار أنهم إرهابيين.

يعتقد خبراء مكافحة الإرهاب أن “أهل السنة والجماعة” والتي تُعرف محليًا أيضًا باسم “الشباب” أو “أنصار السنة” لها أصول محلية في الغالب، ومع ذلك هناك مؤشرات على أن بعض الكوادر القيادية في “أهل السنة والجماعة” هم في الواقع من تنزانيا، كما يلعب الاستقطاب بين الجماعات العرقية “مواني” و”ماكوندي” في المقاطعات الفرعية في موزمبيق دورًا في أعمال العنف.

هناك مخاوف متزايدة من أن يمتد التمرد إلى المقاطعات المجاورة في موزمبيق خاصة نامبولا ونياسا، وأشار الخبراء إلى أن هناك خطر لتوسيع السيطرة الإقليمية، وتدفقات الإيرادات غير المشروعة من الأخشاب والأحجار الكريمة وتهريب الهيروين، وقد يمنح ذلك المتمردين إمكانية الوصول إلى أسلحة أكثر تطورًا، ذلك أنه من المفترض أن تمول أعمال تعدين الذهب غير القانونية التمرد ضد تدابير الرقابة الحكومية.

لقد امتدت بالفعل إلى تنزانيا عبر الحدود المشتركة، ويشير محللون أمنيون إلى توسع دائرة عنف داعش والجهاديين في إفريقيا كحدود جديدة لهم، ويمكن لـ “كابو ديلجادو” تكرار العنف في منطقة الساحل، وإضافة بُعد عابر للقارات للتطرف من خلال التوسع إلى ساحل المحيط الهندي، ومن هذه الزاوية يمكن أن تشكل القوات الأجنبية تهديدًا خطيرًا للاقتصادات الأكثر تقدمًا في جنوب إفريقيا وتنزانيا المجاورتين وكذلك للشحن الدولي والتجارة، ذلك أن “كابو ديلجادو” تعد بمثابة نقطة دخول لما وصفه المراقبون بصعود إفريقيا كـ “منصة متعددة الوظائف” للإرهاب العالمي.

عامل الهيدروكربونات في تمرد موزمبيق 

إن “كابو ديلجادو” هي منطقة ذات أغلبية مسلمة في موزمبيق، ولها تاريخ من الإهمال الحكومي والتخلف، تعتبر نسبة البطالة بين الشباب مرتفعة بشكل مذهل، وكذلك ترتفع مستويات الأمية بين الشباب، كما أن المنطقة تعد نقطة ساخنة لانتشار “كوفيد- 19”.

على النقيض من ذلك يمثل مشروع الغاز الطبيعي البحري المُسال الذي تبلغ تكلفته 20 مليار دولار أميركي، أكبر استثمار خاص في قطاع الطاقة في إفريقيا، وتهدف “شركة توتال” الفرنسية للطاقة، إلى إنتاج 13 مليار طن من الغاز الطبيعي المسال سنويًا اعتبارًا من عام 2024، ورغم النكسة الأخيرة فقد صرَّحت “شركة توتال” أن المشروع لا يزال على المسار الصحيح.

إن تطوير الهيدروكربونات المربح وتدفقات الأموال المتوقعة يسهمان في تحريك العنف المتطرف، بطريقة أفضل من السلطات الحكومية، وقد ينتهي الأمر ببعض المقاولين من الباطن بدفع أموال حماية للجهاديين، على الرغم من أن السيطرة على آبار الغاز ليست من أهداف “أهل السنة والجماعة”.

مثلث الطاقة الجديد: إفريقيا ودول الخليج وآسيا

مع بدء تحول أنماط استهلاك الطاقة العالمية، يقوم المنتجون في شرق وجنوب إفريقيا بتغيير خريطة الطاقة، حيث يتم تطوير “مثلث الطاقة” الجديد لتدفقات الغاز بين الخليج وشرق إفريقيا وآسيا، وإلى جانب الودائع الكبيرة في موزمبيق، تعتزم الصومال أيضًا تطوير مواردها البحرية من النفط والغاز، بعدما أغرقت الدولة الهشة في نزاع مرير على الحدود البحرية مع كينيا لمدة عامين.

تعد إمدادات الطاقة الأكثر مرونة عبر شحنات الغاز الطبيعي المسال عنصرًا أساسيًا في علاقات الطاقة الدولية، وذلك نظرًا لاعتبار الغاز “وقودًا مُصاحبًا” للخروج بشكل مستدام وسلس من الوقود الأحفوري، الذي لا غنى عنه تقريبًا لتوفير حمل أساسي ثابت للطاقة الصناعية، وتفتقر آسيا على وجه الخصوص إلى شبكات الطاقة المتكاملة إقليمياً، حيث تقود الأسواق الناشئة الآسيوية اتجاهًا متواصلًا للتحضر العالمي يتطلب مصادر طاقة “أنظف من حيث الكمية”، مع التركيز على الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال، لقد طورت من نفسها لتحقيق أقصى قدر من المزايا التجارية، باعتبارها المنتج الرائد للغاز الطبيعي المسال في العالم ، حيث زادت الإنتاج بنسبة 10% في الأشهر الستة الأولى من عام 2020، وستكون المنافسة مع المنتجين الناشئين من إفريقيا شرسة في السنوات القادمة.

تعزيز التعاون الدولي ضد العنف في “كابو ديلجادو”

أثبتت ردود الفعل العسكرية على التمرد عدم فعاليتها حتى الآن بل إنها زادت الأمور سوءًا، لذلك هناك حوجة إلى تصافر الجهود المتعددة الأبعاد، للمشاركة في بناء السلام والحوار وتطوير إصلاح قطاع الأمن بقيادة مدنية مع التركيز على المقاطعات، كما أن التطلع للتعاون الذي يعتمد على إمكانات النفط والغاز الاقتصادية الكبيرة، لتوصيل عائد السلام للسكان مطلوب أيضًا، لإنتاج تأثيرات متدرجة للتنمية السلمية ولكسر دائرة العنف.

ومع ذلك فإن تدفقات الطاقة هذه لا تهدف إلى حبس المنافسة، ولكنها بدلًا من ذلك تحمل مفتاح التعاون في التجارة العكسية في المهارات والتكنولوجيا، لانتقال الطاقة حتى عام 2050 التي يمكن أن تكون مفيدة للوضع في “كابو ديلجادو”.

وفي نطاق بناء السلام المدني فهناك حوجة إلى الشمولية في إدارة الأمن في موزمبيق، فمن المهم ضمان السيطرة على الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في حملة مكافحة الإرهاب، بالإضافة لذلك هناك حاجة إلى إجراءات مركزة لمكافحة التطرف والوقاية منه تستهدف الشباب على وجه التحديد، فالمهارات المتخصصة في مكافحة الإرهاب هي عنصر حاسم لقوات الأمن الموزمبيقية، حيث تعتبر الوكالة الجديدة للرئيس “فيليب نيوسي” للتنمية المتكاملة في الشمال، خطوة مرحب بها نحو التخطيط التنموي التشاركي، وفي أواخر أبريل خصص البنك الدولي منحة بقيمة 100 مليون دولار أميركي للوكالة، لدعم سبل العيش والتماسك الاجتماعي والفرص الاقتصادية، مع موارد إضافية متاحة لموزمبيق في إطار برنامج الوقاية والقدرة على الصمود التابع للبنك.

بالنظر إلى حجم التحدي قد يتطلب حل النزاع صيغ تعاون مبتكرة تتمحور حول روابط الطاقة، ويمكن لدول البريكس- البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا- ترسيخ تدخلات بناء السلام متعددة الأبعاد في “كابو ديلجادو”، من خلال تعاون تعليمي مشترك قوي، يكمل المساعدة العسكرية التقنية من الدول الصديقة، إن بناء “جسر مهارات” جديد عبر المحيط الهندي حول تكنولوجيا الغاز ونقل القدرات للتوظيف، يمكن أن يعزز منصات التعلم والتدريب الرقمية في جنوب آسيا ومنطقة الخليج، وقد يقطع هذا شوطًا طويلًا لجعل تدفقات الغاز محركًا للاستقرار بين منطقتين من أكثر مناطق العالم ديناميكية وأسواقًا ناشئة، وذلك استعدادًا للتحول العالمي للطاقة.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: IFIMES

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر