سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
نيل مانيار – ماثيو ماكنايت
إذا أدى هجوم إلكتروني إلى قلب الاقتصاد العالمي، وأغلق فعلياً مدناً رئيسية مثل نيويورك، وعرّض حياة ملايين الأشخاص للخطر، فلا شك أن الحكومات والمؤسسات في جميع أنحاء العالم ستستجيب من خلال الاستثمار بكثافة في القدرات الدفاعية. إذ ستعزز أمنها السيبراني، وتتخذ إجراءات حماية جديدة، وتجمع البيانات والمعلومات بشأن التهديدات المستقبلية – تماماً كما يفعل الكثيرون بالفعل للرد على أعمال الحرب السيبرانية.
وعندما يتعلق الأمر بجائحة كوفيد 19 التي لها نفس الأثر المدمر، تكون الاستجابة أقل حسماً بكثير. ونظراً لأن المتغيرات الجديدة تدمر الصحة والأمن الاقتصادي لسكان العالم، فإن تدابير الأمن البيولوجي، وهي تقنيات الإنذار المبكر والمراقبة التي تهدف إلى منع انتشار الأمراض المعدية، ليست متعددة الطبقات أو شاملة أو جبارة مثلما هي أنظمة الأمن السيبراني التي نستخدمها لاحتواء أنشطة قراصنة الكمبيوتر والتخفيف منها.
ولكن كوفيد 19 يذكرنا أن الصحة العامة والأمن البيولوجي أمران حيويان للأمن القومي. فالفيروسات البيولوجية تهاجم الأنظمة الحية شأنها في ذلك شأن الفيروسات المحوسبة. فهي موجودة في كل مكان؛ وعلى الرغم من أننا قد لا نتمكن دائماً على الهروب منها، إلا أنه يمكننا دراستها وتعلم كيفية الدفاع عن أنفسنا منها. وتشبه التقنيات الحيوية الجديدة تصحيحات البرامج التي تحمي من الهجمات الإلكترونية؛ ولقاحات Mrna COVID-19 (لقاحات كوفيد 19 من نوع الحمض النووي الريبوزي المرسال) هي خير مثال على ذلك. إذ قام العلماء الذين طوروها ببرمجة خلايا لإنتاج شفرة «جيدة»، وإعطاء تعليمات لأجسامنا لتحييد الشفرة «السيئة» للفيروس.
وتُظهر لقاحات كوفيد 19 قدرة التكنولوجيا الحيوية على إنقاذ الأرواح، لكن اللقاحات ليست سوى جزء واحد من الإجراءات التي نتخذها للدفاع عن أنفسنا ضد الأوبئة في المستقبل. ولدينا الأدوات اللازمة للتنبؤ بالوباء القادم وتغيير مسار مختلف الأخطار التي تهدد صحة الأفراد والمجتمعات. وينبغي أن نستفيد من هذه الحقبة الجديدة من تكنولوجيا الصحة العامة، وبناء بنية تحتية للأمن البيولوجي تعكس نهجنا إزاء الأمن الإلكتروني فيما يتعلق بالاستثمار والمشاركة.
ولإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح، يجب أن تركز الحكومات على الاستثمارات في أنظمة الأمن البيولوجي وتقنياته. ويجب أن يكون التركيز على توسيع نطاق أنظمة المراقبة لاكتشاف تهديدات الأمن البيولوجي قبل أن تنتشر على نطاق واسع.
ومن الضروري حشد المزيد من الابتكارات. إذ يستلزم تحقيق مستقبل أكثر أماناً تحولاً استراتيجياً نحو الاختبارات المنتظمة في الأماكن غير التقليدية مثل المدارس والمطارات، لاكتشاف تهديدات الأمراض المعدية قبل أن تكتسحنا. ويجب أن يخضع المرضى الذين يعانون من أعراض تنفسية شائعة، والذين بالكاد خضع قليل منهم لاختبار الكشف عن الأمراض المعدية في فترة ما قبل كوفيد، لاختبار روتيني للحصول على تشخيص نهائي. ويجب أن تكون أجهزة الكشف عن مسببات الأمراض ميسورة التكلفة ومتاحة على نطاق واسع. ومن خلال دمج هذه البيانات، فإن «خريطة الطقس» للأمراض المعدية العالمية، التي صُممت ورُسمت في شكل نظام متعدد الطبقات ومرن يتطور استجابة لمجموعة متنوعة من التهديدات التي تواجه البشرية، على غرار أنظمة الأمن السيبراني، من شأنها أن تساعد المدن والدول والبلدان على إدراك التهديدات المحتملة.
قبل صدمة كوفيد 19، لم تستثمر الحكومات والمؤسسات المتراخية في أنظمة مراقبة الأمراض المعدية على نطاق واسع. وبينما لا يزال كوفيد 19 مركز الاهتمام، يسجَّل ارتفاع مقلق في حالات الإصابة بجدري القرود الآن على امتداد قارات عدة؛ ونحن الآن ندرك الأسباب الجذرية التي أدت إلى الزيادة في عدد حالات التهاب الكبد الحاد لدى الأطفال التي أربكت الخبراء الطبيين. كما يلوح تهديد آخر في الأفق يتمثل في ظهور سلالات جديدة من إنفلونزا الطيور، وفيروسات أخرى تتحور وتتكيف لإصابة البشر بسهولة أكبر. ينبغي أن نحسن قدرتنا على توقع تفشي المرض في المستقبل وفهم مكان ظهور المتغيرات الجديدة. والأهم من ذلك، ينبغي أن نكتشف مسببات الأمراض الجديدة قبل أن تصبح أوبئة.
إن نهاية الجائحة التي نعيشها حالياً بعيدة المنال. إذ في أواخر مايو، أوضحت دراسة نُشرت على خادم ما قبل النشر MedRxiv (ميدآركسيف) أن عدد الإصابات بكوفيد 19 قد يكون أعلى 30 مرة مما تم الإبلاغ عنه. ووفقاً للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، فإن الحالات أعلى بنحو ستة أضعاف مما كانت عليه في هذا الوقت من العام الماضي. ويرجع ذلك أساساً إلى ظهور متغيرات جديدة. وهذا مثير للقلق بصورة خاصة لأن لقاحات «الحمض النووي الريبوزي المرسال» الحالية تقلل من خطر دخول المستشفى والوفاة، ولكنها أقل فعالية فيما يتعلق بالوقاية من كوفيد الطويل الأمد. وتشير التقارير الأخيرة إلى أن المرض الذي طال أمده يمكن أن يؤثر على ما يصل إلى 20% من مرضى كوفيد، وستكون عواقبه الاقتصادية مروعة، كما يتضح من خلال التضخم الناجم عن فيروس كورونا الذي يهدد الاقتصاد العالمي وشبكات التوريد.
ويحذر قادة الصحة العامة من أن التهديد المتزايد للأمراض المعدية، سواء تلك التي تظهر بصورة طبيعية أو تلك التي صنعها الإنسان، يعني أننا لا نستطيع تحمل دورة الإهمال – الذعر – الإهمال التي اتسمت بها حقبة كوفيد 19. إن مُسببات الأمراض لا هوادة فيها في قدرتها على التكيف والتحول والازدهار؛ فهي لا يهمها «شعور فيروس كورونا بالتعب» أو رغبتنا في العودة إلى الوضع الطبيعي السابق. ولمنع الأوبئة في المستقبل، يجب أن نركز على التكيف والبقاء على قيد الحياة مثل الفيروسات؛ ويجب أن نعالج نقاط ضعفنا من خلال تمويل التقنيات لمساعدتنا على تحديد الفيروسات الخطيرة ومكافحتها، وتطوير قدرات دفاعية جديدة ضد تفشي الأمراض المحتملة.
ومثلما أكد ظهور عصر المعلومات على الحاجة إلى الأمن السيبراني، فإن النمو السريع للتكنولوجيا الحيوية والتهديد المتزايد للأوبئة يجب أن يحفز استثمارات كبيرة في الأمن البيولوجي. إن الوقت قد حان لبناء مجموعة أدوات الصحة العامة الخاصة بنا لمكافحة التهديدات الفيروسية المستقبلية.
المصدر: صحيفة البيان
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر