الشركات المملوكة للدولة وتحوُّل الطاقة في آسيا | مركز سمت للدراسات

الشركات المملوكة للدولة وتحوُّل الطاقة في آسيا

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 19 يوليو 2022

كريستوف نيدوبيل وانج

تتمتع الشركات المملوكة للدولة في آسيا بمكانة فريدة للقيام بدورٍ قيادي لتحويل النشاط الاقتصادي من التلوث إلى الاقتصاد الأخضر. ومع ذلك، فحتى الآن، لم تستخدم معظم الشركات المملوكة للدولة الأدوات المالية الخضراء، مثل السندات الخضراء، من أجل دعم هذا التحول. إن ذلك يترك مجالاً واسعًا للنمو؛ إذ يمكن أن يسهم ذلك في تحفيز المزيد من الاستثمارات في التقنيات المبتكرة والخضراء، كما أنه يدعم تطوير أسواق رأس المال الأخضر، ويقلل من مخاطر تغير المناخ.

ونظرًا لالتزام الدول الآسيوية بتسريع انتقال الطاقة لديها لتلبية أهداف خفض الكربون الطموحة، فإن الشركات المملوكة للدولة، بما في ذلك المنظمون وأصحاب المشاريع، كلهم بحاجة ماسة إلى تحويل عملياتهم التجارية. فالشركات المملوكة للدولة تحتكر أعمال توليد الطاقة ونقلها في العديد من البلدان الآسيوية، وتمثل حوالي 60% من استثمارات البنية التحتية وما يصل إلى 70% من الاستثمارات ذات الصلة بالوقود الأحفوري ونقل الطاقة.

ومع وجود هذه الأصول في القطاعات الحالية، فإن الشركات المملوكة للدولة على مستوى العالم “مسؤولة عن 7.49 جيجا طن على الأقل من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنويًا في الانبعاثات المباشرة (النطاق1)، وذلك مع احتمال أن يكون النطاق الحقيقي للانبعاثات المرتبطة بالمؤسسات المملوكة للدولة أعلى بكثير”، وذلك وفقًا لتقرير نشره مركز سياسة الطاقة العالمية العام الجاري (2022). وهذا يعادل 15% على الأقل من انبعاثات الاحتباس الحراري العالمية المباشرة. وبالإضافة إلى انبعاثات (النطاق1) – الانبعاثات المباشرة من احتراق الوقود الأحفوري – فإن الشركات المملوكة للدولة أيضًا تؤدي دورًا مهمًا في استخراج الوقود الأحفوري، بينما تمتلك المؤسسات المالية المملوكة للدولة أصولاً كبيرة في القطاعات عالية الانبعاثات.

إن تحويل الشركات المملوكة للدولة من الطاقة البُنِّيةِ إلى الطاقة الخضراء سيتطلب استثمارات تقدر بالمليارات. لذا، فهناك حاجة إلى رأس المال لزيادة إجمالي إنتاج الكهرباء وتحويل الأصول الحالية عن طريق إيقاف محطات الطاقة التي تعمل بالفحم في وقت مبكر، وذلك مع ضمان توفير الخدمات العامة وتوفير فرص العمل التي تشتد الحاجة إليها. ففي عام 2017، أفاد بنك التنمية الآسيوي بأن آسيا النامية وحدها سوف تتطلب ما يقدر بنحو 26 تريليون دولار أميركي فقط لتمويل البنية التحتية خلال الفترة 2016-2030 وذلك “للحفاظ على تواصل النمو، ومعالجة الفقر، والاستجابة لتغير المناخ”، لا سيّما في القطاعات التي تقود الانبعاثات في الفضاء. 

وبجانب نقل توليد الكهرباء من الوقود الأحفوري إلى الطاقة الخضراء، فإن ثمة حاجة إلى استثمارات ضخمة في قطاع النقل لدعم النقل الأخضر والعام، وفي قطاع الزراعة للتحول من الممارسات المكثفة على الأرض إلى خيارات أكثر كفاءة وإمدادات غذائية نباتية. ومع الاضطراب في التمويل الحكومي، نتيجة لعدد من الأسباب ليس أقلها قضايا الديون السيادية العالمية في أعقاب جائحة كوفيد – 19، يجب على الشركات المملوكة للدولة تقييم كيفية جمع الأموال المطلوبة بسرعة من مصادر مختلفة، بما في ذلك أسواق رأس المال المحلية والعالمية. ولحسن الحظ، فإن الشركات المملوكة للدولة تمتلك صندوق أدوات تمويل مستدام.

إحدى هذه الأدوات المالية التي اكتسبت الكثير من الاهتمام هي السندات الخضراء. إذ يزدهر استخدام السندات الخضراء بسبب التطور الواسع لمعايير السندات الخضراء وأسواق السندات الخضراء. وفي معظم أنحاء آسيا، أصبحت معايير السندات الخضراء لرابطة أمم جنوب شرق آسيا هي القاعدة، في حين طوَّرَت دول مثل الصين دليل السندات الخضراء لعام 2016 (تم تجديده في عام 2020) وأصدرت إندونيسيا تصنيف التمويل الأخضر في وقت سابق من عام 2022. وقد سَمَحَ ذلك باستخدام السندات الخضراء في البلدان الآسيوية النامية بما يصل إلى 94.2 مليار دولار أميركي من الإصدارات في عام 2021.

ورغم دورها المركزي في التحول الأخضر، فإن الشركات المملوكة للدولة في البلدان الآسيوية النامية تؤدي فقط دورًا ثانويًا في أسواق السندات الخضراء باستثناء حالة واحدة؛ فقد أصدرت الشركات المملوكة للدولة في الصين ما يقرب من 217 مليار دولار من السندات الخضراء منذ مطلع 2015 حتى مارس 2022، وهو ما يعادل حوالي 42% من إجمالي سوق السندات الخضراء في الصين مقارنة بنسبة 18% للبلدان الآسيوية النامية. أمَّا بالنسبة للشركات الآسيوية المملوكة للدولة، فإن ذلك يترك مجالًا كبيرًا للنمو في إصدارات السندات الخضراء.

وسيأتي استخدام المزيد من السندات الخضراء من قبل الشركات المملوكة للدولة في آسيا بأربع فوائد مباشرة. أولاً، وبخلاف الدين العام، فإن الاقتراض التجاري أو غير السيادي لا يُوَسِّع نطاق الخزائن العامة المثقلة بالفعل. ثانيًا، يمكن أن يؤدي الوصول إلى أسواق رأس المال إلى زيادة كفاءة الشركات المملوكة للدولة لأنها تتطلب الاستدامة المالية ومستويات مقبولة من الشفافية. وقد ترحب بعض الحكومات أيضًا بالإشراف الناتج عن سوق رأس المال لتحسين حوكمة الشركات في الشركات المملوكة للدولة. ثالثًا، ستؤدي الاستثمارات الخضراء للشركات المملوكة للدولة إلى زيادة الطلب على التقنيات الخضراء، مثل شبكات الطاقة الجديدة، التي تدعم الشركات الخاصة، وهو ما يؤدي إلى وظائف جديدة، غالبًا ما تكون في القطاعات ذات القيمة المضافة الأعلى.

وأخيرًا، يمكن أن يؤدي إصدار السندات الخضراء المملوكة للدولة إلى تسريع تنمية سوق السندات الخضراء المحلية. فمن خلال استخدام أسواق رأس المال المحلية لجمع الأموال، يمكن أن يجذب تمويل الشركات المملوكة للدولة المزيد من المستثمرين الدوليين، الذين غالبًا ما يفتقرون إلى خطوط أنابيب المشروع والاستثمار عالي المخاطر في الأسواق الناشئة. ويمكن للشركات المملوكة للدولة تقديم المزيد من المشاريع الأقل خطورة. وستدعم إصدارات السندات الخضراء المملوكة للدولة مزيدًا من الدعم لبناء القدرات للمستثمرين المحليين والمدققين المحليين ويمكن أن تحفز المزيد من الاستثمارات في القطاع الخاص.

ولجعل الشركات المملوكة للدولة أكثر قابلية للتمويل وتسريع استخدام السندات الخضراء، فإن الشركات المملوكة للدولة تحتاج إلى تطوير أنظمة حوكمة مناسبة مع أصحابها الحكوميين مما يسمح لهم بجمع الأموال من أسواق رأس المال. كما يجب عليهم إنشاء استراتيجية خضراء ذات مصداقية وقدرة على جذب المستثمرين جنبًا إلى جنب مع قدرة المراقبة والإبلاغ والتحقق ذات الصلة لتوفير معلومات عن الإجراءات، أو تأثير الأداة المرتبطة بالمستدامة بالنسبة للمستثمرين. غير أنه في حين أن السندات الخضراء لا تخلو من المخاطر، وتحتاج الشركات المملوكة للدولة إلى بناء القدرات ذات الصلة لإصدارها، فإن استخدامها الموسع يضمن القدرة على تسريع التحول الأخضر الذي تشتد الحاجة إليه بالنسبة للاقتصادات الآسيوية.

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: eastasiaforum

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر