يعتقد المتخصصون أن هنالك بين ٥ الى ٦ خمسة ملايين أميركي من أصل شرق أوسطي، بما يشمل العرب والإيرانيين و الأتراك و الأرمن، و الأقليات المشرقية من موارنة، ملكيين، سريان، آشوريين، كلدان، أقباط، و متحدرين من مجتمعات أفريقيا الشرقية كالنوبا، و الدارفوريين، و البيجا. هذه الكتلة لا تشمل الاسياويين، و سائر الأفارقة، والقوقاز. و هنالك مميزتان لها. الأولى أن أقلياتها في الوطن الأم هي أكثريات في أميركا، و أكثرياتها في المنطقة هي أقليات عددياً في أميركا بالمقارنة. و بالتالي فأن ناخبي هذه الكتلة قد يكونوا حوالي بين ٣ الى ٤ ملايين بأقل تقدير. و حيث أن انتخابات هذا العام هي هامة، مصيرية و حاسمة للبلاد و العالم معاً، فان أية كتلة انتخابية سيكون لها وزنها، لا سيما إذا كانت متموقعة في الولايات المتأرجحة. و بالتالي فان أصواتها قد تكون في موقع الأصوات الحاسمة، خاصة في فلوريدا، اوهايو، بنسيلفانيا، نورث كارولاينا، وسكانسن، نيفادا، و مثيلاتها.
معروف عن الجاليات العربية و المشرقية انها منقسمة، مبعثرة، و لها انتماءات محلية و اقليمية من كل اتجاه. من ناحية الأعداد هنالك عدة مقاييس يمكن استعمالها لمعرفة الأعداد و الأقدمية في السياسات الأميركية. إذا اخترنا مقياس الدول التي أتت منها هذه الجاليات، فأكبرها هي اللبنانية التي بدأت في الهجرة في منتصف القرن التاسع عشر. و من بعدها السورية و الأرمنية، فالأقليات المشرقية بعد الحرب العالمية الأولى و من ثم العربية، وكل المجموعات الأخرى في العهد الحديث. و توزعت في مختلف الولايات، و لكن المفارقة ان معظم الجاليات المشرقية والعربية ما عدى الأرمن و الإيرانيين، سكنت الولايات المتأرجحة!
يعيش في الولايات المتحدة أكثر من مليون و خمس مئة أميركي من أصل لبناني. هنالك متحدرين من أصل لبناني المجموعة الأكبر، و مهاجرين جدد. سياسياً المجموعة الأولى تتوزع بين جمهوريين و ديموقراطيين تقريباً بالتوازي، كسائر المواطنين. و قد تضاعف الجمهوريين قليلاً في أيام ريغان. في العام ٢٠١٦ كان التوقع ان يصوت أكثرية الجالية لترامب. و هنالك تأثير كبير لأنصار بايدن لدى الطلاب و أساتذة الجامعات. لأن اليسار يسيطر على المؤسسات التعليمية، و لا يمكن للأكادميين أن يتقدموا في مهنتهم الا اذا اظهروا دعمهم الى اوباما و احياناً خاصة الى بيرني ساندرز، و اليوم الى بايدن. الكتلة اللبنانية التي تصوت لبايدن هي خليط من الطلاب اليساريين، و الأكادميين، والعاملين في القطاع الإعلامي اليساري، والفن، و القطاعات الاجتماعية. و إليهم يُضاف لهم المتحدرون من الأعضاء التقليديين في الحزب الديموقراطي. لذا فناخبي بايدن من اللبنانيين، هي نفسها التي انتخبت أوباما سابقاً. و لكن هنالك فارقان كبيران في ٢٠٢٠.
لقد انضم عدد من اللبنانيين في أميركا إلى الطائفة الإنجيلية مع بقاؤهم على التقاليد الشرقية. و بالتالي فحماستهم لترمب عالية جداً. و تقف قطاعات واسعة من الكاثوليك ضد برنامج بايدن الاجتماعي، و معها اللبنانيين الاميركيين الكاثوليك. إن شبه اكثرية عددية تميل لترمب. ضف قطاع “البزنس” و رجال الاعمال من أصل لبناني، ضف المهاجرين الجدد من لبنان الذين جاؤا ليحسنوا وضعهم الاقتصادي، لا أن يعيشوا من الاعاشات على النمط “الفنزوليني”. إذا بغض النظرعن شخص ترمب، فهم يريدون نتائج سياساته المالية، بعد أن عشوا جهنم المالي في لبنان. إن أكثرية من هاجر منذ الحرب يعارضون المتطرفين في الوطن الأم، و يعارضون حزب الله، و بالتالي يفضلون ترمب على بايدن.
السوريون الأميركيون شبيهون باللبنانيين. فبعضهم أيضا هاجر في بداية القرن و اندمج في المجتمع الأميركي وأوجدوا مؤسسات مشتركة مع اللبنانيين. مواقف الجالية تتوضح حسب الحقبة التي هاجروا فيها. فالشريحة الاقدم هي من المسيحيين، وبعدها بعض الدروز، و ثم موجات من السنة و اقليات مسيحية أخرى. الجاليات السورية القديمة، كسائر المهاجرين، أما انخرطت في الأحزاب الأميركية أما لا تزال مرتبطة بالسياسات السورية. و بالتالي فالسوريون الاميركيون منقسمون بين ديموقراطيين و جمهوريين. عدد من ابناء الجالية يؤيد بايدن تقليدياُ و لكن بهض المجموعات تؤيده لأسباب أخرى متناقضة. اليساريون للاسباب المعروفة. بعض المسيحيين بسبب تأيدهم لنظام الأسد و بالتالي للاتفاق النووي الإيراني الذي انجزه أوباما. كما يؤيد بايدن أنصار الإخوان المسلمين تحت مظلة “كير” المؤيدة لأوباما و بايدن. بالمقابل يحظى ترمب على تأييد جزء كبير من المسيحيين و جزء لا بأس به من السنة المحافظين المؤيدين للتحالف العربي.
هذا بالنسبة للجاليتان الأكبر. أما الجاليات الاخرى فهي أيضا منقسمة أميركياً و شرق أوسطياً. الأميركيين الإيرانيين منقسمين بين الحزبين، و لكن أكثريتهم تميل الى ترمب المتشدد مع النظام تلتي تعارضها أكثريتهم. الأقليات المسيحية المشرقية عامة تميل الى ترمب بسبب مواجهته للمتطرفين، و خاصة داعش. الأرمن منقسمين بين المرشحين، إلا أن الأكاديميين و الطلاب يميلون لأوباما بينا أكثؤية الجالية تميل لترمب.
أما في الجاليات العربية الاسلامية بشكل عام فالتوزيع في الموقف يتبع عامة الانقسام السياسي في المنطقة. الكتلة الأكبر هي الجالية المصرية بكل توزيعاتها الدينية و السياسية. الطائفة القبطية تميل لترمب أما المصريين الأميركيين، فينقسمون بين مؤيد للإخوان المسلمين و بالتالي لبايدن هذا العام، و مؤيد لترمب و للمحافظين. الفلسطينيون تميل اكثريتهم لبايدن بسبب خطوات ترمب المؤيدة لإسرائيل، و لكن هنالك تأييد من بعض قطاعات رجال الاعمال الفلسطينيين لأسباب اقتصادية أميريكية. بينما ينقسم العراقيون والأردنيون نفس انقسام المصريين الأميركيين.
كما يتوزع الشيعة العرب في أمريكا بين داعم لبايدن-أوباما و مؤيد لترمب لنفس الأسباب المتعددة.
الجدير بالذكر ان أكثرية المهاجرين الجدد من السودان، من كل الاثنيات العربية و الإفريقية، إذا وضعنا جانباً مؤيدي الاخوان الداعمين لبايدن، يؤيدون ترمب لاسباب معقدة، اقتصادية و سياسية بما فيها جهده لرفع العقوبات عن الخرطوم و دعمه لآلية السلام.
بالخلاصة، فإن أكثرية المواطنين الأميركيين من أصول شرق أوسطية الذين سيدلون بأصواتهم يميلون الى:
فرص عمل
تعزيز قدراتهم الاقتصادية الفردية والعائلية
موالون لأمريكا عالمياَ
محافظون بشكل عام، ليبراليون في الممارسة الاجتماعية
يناهضون التطرف الديني و الإيديولوجي
لذلك فان التوقعات أن يحصل بايدن على أصوات لا بأس بها من مؤيدي النخب اليسارية والإسلامويين المؤيدين للإخوان وإيران، وأن ينال ترمب على أصوات أكثر من المعتدلين في هذه الجاليات
أياً تكن النتائج، فان الشرق أوسطيين الأميركيين يشاركون بدرجة عالية في هذه الانتخابات. و هم كمواطنين مندمجين في المجتمع الأمريكي، يقومون بواجبهم المدني بكامله. إلا أنهم، و كغيرهم من الجاليات التي أبقت علاقات مع أوطانها الأم، سيؤثر تصويتها على أوضاع مجتمعاتها الأم عبر الإدارات التي يصوتون لها. فالأميركيون الشرق أوسطيون سيصوتون في اتجاهات مختلفة: أما لمصالحهم الشخصية البحتة، أو لأحزاب اميركية مهما كان طرحها، او لمصلحة أمريكا، إذا تمكنوا من فهمها، و عبر ذلك لسياسة خارجية تعود بالخير لبلد انحدروا منه، إذا فهموا ما هو أفضل الخيرات له.