الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند وتحدي الغموض | مركز سمت للدراسات

الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند وتحدي الغموض

التاريخ والوقت : الإثنين, 1 يوليو 2019

سوبهاش كابيلا

 

رغم تشكلها على مدى عشرين عامًا، لم تبدُ الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند في الأفق كما يتوقع. فقد نشأت على أساس التقارب الاستراتيجي المشترك والمتمركز حول الصين، والذي تطور بين الولايات المتحدة والهند عبر وسائل سياسية مختلفة. فالضرورات الجيوسياسية في عام 2019، تشير بقوة أكبر إلى أن كلاً من الولايات المتحدة والهند تخلت عن بعضهما البعض في الآونة الأخيرة.

فالمحددات الجيوسياسية والضروريات المتجددة سوف تجبر الولايات المتحدة في نهاية المطاف على الاستغناء عن حالة غموضها الاستراتيجي تجاه الصين وباكستان ما يدفع الولايات المتحدة إلى الوقوف بجانب الهند في المواجهة العسكرية الصينية الهندية المُكَثَّفة. ومثل هذا التغيير في اللعبة من شأنه أن يضمن أن الولايات المتحدة لا تقف فقط بالجانب الأيمن من التاريخ، لكنها تضمن أيضًا استمرار انخراط الولايات المتحدة بمنطقة “الهند والمحيط الهادئ” وآسيا عمومًا، مع استمرار دعم الهند استراتيجيًا. بجانب ذلك، فقد تمَّ تسليط الضوء على بعض الملاحظات على الغلاف الخلفي لكتابي الصادر عام 2015 بعنوان: (المواجهة العسكرية بين الصين والهند: وجهات نظر القرن الحادي والعشرين).

ويرجع توجه الولايات المتحدة خلال عهد الرئيس ترمب، نحو التخلي عن حالة الغموض المبين أعلاه، والتي كانت مصدرًا لقلق الهند. فباكستان تقف منضبطة مع الولايات المتحدة، وفقًا لتعبير وزير الخارجية الأميركية “بومبيو”، حيث اتخذت منعطفًا بمقدار 360 درجة في السياسة الباكستانية لصالح الهند. والحال نفسه بالنسبة للصين التي أدخلتها إدارة ترمب في حدود الخصومة. ذلك أن كل هذه التغييرات في السياسات الأميركية تتفق مع مصالح الأمن القومي الهندي.

وفي المقابل، أصبحت الهند تحت قيادة رئيس الوزراء “مودي” في وضع تقارب استراتيجي مع الولايات المتحدة، وقد وضعت “نيودلهي” إلى جانب القضايا الجيوسياسية والأمنية للولايات المتحدة الممتدة من أفغانستان إلى بحر الصين الجنوبي، وقضايا الأمن والاستقرار في المحيط الهادئ بشكل عام. وهنا يثار التساؤل حول: لماذا واجهت الولايات المتحدة والهند في الآونة الأخيرة مساحة شائكة عندما كانت كلتا الدولتين جنبًا إلى جنبٍ مع اليابان على نفس النهج في العمل معًا لصياغة صورة أكبر للأمن في منطقة الهند والمحيط الهادئ؟

هنا يتضح أن مستقبل الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند كعلاقة نابضة بالحياة في عام 2019 يتجلى في الزيارة التي استغرقت يومين لوزيرة الخارجية الأميركية “مايك بومبيو” إلى “نيودلهي” كمقدمة تمهيدية لاجتماع الرئيس ترمب ورئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” خلال قمة العشرين بـ”أوساكا”.

ومن الواضح أن واشنطن تدرك أنه كانت هناك تقلبات في “نيودلهي” بشأن الاحتكاكات الأخيرة الناشئة عن التأكيدات الأميركية العامة بشأن المسائل التجارية، ومشتريات الهند لأنظمة صواريخ الدفاع الجوي “إس 400″، وعلاقات الهند الخاصة مع إيران، وكذلك شراء النفط الإيراني. فإلى أي مدى تمكن وزير الخارجية الأميركي من تهدئة المخاوف الهندية من حالة الضبابية بشأن الولايات المتحدة؟ لكن النتائج لن تظهر إلا بعد لقاء ترمب “مودي” في “أوساكا”.

لقد أكدت في كتابات سابقة على حقيقة أن ما هو على المحك ليس “قيمة” الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند، بل هو حالة الغموض وعدم إمكانية التنبؤ بشأن صنع القرار الأمني ​​القومي بشأن القضايا ذات الأهمية الحيوية بالنسبة للهند كما أوضحنا سابقًا. فمن المرجح أن تكون هناك مرونة معينة من جانب واشنطن.

ومن الجدير بالذكر الإشارة في هذا السياق إلى الرسالة التي بُعث بها إلى وزير الخارجية الأميركي “بومبيو” قبل مغادرته إلى “نيودلهي” من قِبَل النائب “إنجل”، رئيس لجنة مجلس النواب للشؤون الخارجية في 24 يونيو 2019.

لقد حملت تلك الرسالة بعض الملاحظات المهمة التي أبداها “إنجل”، حيث يجب أن يأخذها الرئيس الأميركي ترمب في الاعتبار أثناء لقائه رئيس الوزراء الهندي “مودي”:

– هناك مزاعم متنامية بأن الإدارة تحاول إجبار الهند على الامتثال لمطالب الولايات المتحدة بشأن مجموعة متنوعة من القضايا، بدلاً من التفاوض معهم كشريك استراتيجي.

– أكد “إنجل” على حالة الغموض وانعدام القدرة على التنبؤ والتماسك في الشراكة الاستراتيجية مع الهند.

– هناك حالة قلق إزاء التناقض بين خطاب الإدارة والإجراءات تجاه الهند.

– لا يمكن اختزال تدبير وقوة العلاقات الثنائية في الاحتكاكات التجارية والتعريفات الجمركية.

– إن النهج الأميركي غير المتسق تجاه الهند يهدد بتراجع الشراكة الاستراتيجية التي عمل الجانبان على تنشيطها على مدى عقود.

كما أشار إلى حقيقة أن واشنطن لم تدعم على مدار عامين تعيين مساعد لوزير الخارجية للمناطق وغيره من التصرفات التي وضعت قيودًا على حصص التأشيرة للسفر للهند.

ومن المؤكد أن الهند باعتبارها أكبر قوة آسيوية، وشريكًا استراتيجيًا مع الولايات المتحدة، تستحق دراسة واحترامًا أفضل لحساسياتها السياسية، بالإضافة إلى الرأي العام الهندي النشط في الهند.

إن هناك اعتقادًا راسخًا بأن الولايات المتحدة والهند يحتاجان إلى بعضهما البعض بشكل حيوي في منطقة الهند والمحيط الهادئ من أجل المصالح الأمنية لكلٍ منهما، ذلك أن ثمة دعوة موجهة للولايات المتحدة من أجل إيجاد مساحة سياسية لاستيعاب العلاقات الخاصة مع الهند والتي تمت تغذيتها على مدار عقود أيضًا. كما يتعين على الهند أيضًا أن تتخلى عن سقف توقعاتها تجاه السياسات الصينية. ذلك أنه من المؤكد أن الصين تعدُّ خصمًا عسكريًا لكلٍ من الهند والولايات المتحدة تحت رئاسة الرئيس ترمب، والتي تنظر إلى الصين كدولة عدائية تعمل ضد مصلحة الأمن القومي الأميركي. إذن، لماذا ينبغي للهند أن تتخلى عن اعتذارها عن تقدير الصين لتصورات التهديد الهندي باعتبارها تمثل تهديدًا عسكريًا رئيسيًا بعيد المدى للهند؟

لماذا يجب أن تستمر الهند كعضوٍ كاملِ العضويةِ في المنظمات التي تقودها الصين مثل منظمة “شنغهاي” للتعاون؟ هنا نشير إلى أن الهند هي التي تتحرك الآن ضد الصين وليس الولايات المتحدة.

لقد أشرت في تقرير سابق إلى أن أحاديث المجتمع الدبلوماسي والاستراتيجي في الهند حول “الاستقلال الاستراتيجي” و”عدم الانحياز” لا معنى لها. إذ يتعين على الهند اللجوء إلى استراتيجيات “توازن القوى” ضد الصين.

لقد حان الوقت لأن يتم إعادة صياغة للسياسة الصينية والباكستانية من المنظور الهندي بشكل صارم، وذلك من خلال مقتضيات الأمن القومي في الهند والصيغ المسموح لها بالانتقال إلى الأوقات الماضية الأكاديمية والفلسفية، وهي النظرية السابقة للدبلوماسيين والخبراء الاستراتيجيين.

وفي تقديري الخاص، لا توجد اختلافات جيوسياسية واستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند تمثل تحديًا للصورة الشاملة الأكبر والمشتركة للشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند، وكذلك الرؤية الخاصة بأمن المحيط الهادئ الهندي، وذلك في إطار الصورة الأكبر التي تحتاج الولايات المتحدة والهند للعمل من أجلها.

وفي الختام، فمن المأمول أن يرتقي كلٌّ من الرئيس الأميركي ترمب ورئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” بمكانتهما كقائدين ديناميكيين لديمقراطيتين بارزتين في العالم، إحداهما الأقوى والأخرى الأكثر اكتظاظاً بالسكان والحيوية، إلى مستوى المناسبة وتوجيه الولايات المتحدة الشراكة الاستراتيجية بين الهند إلى طموحات أمنية أكبر، والعمل على التخلص من حالة الغموض وعدم القدرة على التنبؤ.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: أوراسيا ريفيو

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر