سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تزامنًا مع أزمة اقتصادية يمر بها العالم، تدهورت الأحوال الاقتصادية في السودان بشكل ملحوظ لتفجر أزمة بدأت تدبُّ في جسد البلاد منذ انفصال جنوب السودان في عام 2011، وفقدانه آبار النفط الواقعة في أراضي جنوب السودان، التي كانت تمثل المورد الرئيس لخزينة الدولة.
التدهور الاقتصادي في السودان نجم عنه اندلاع التظاهرات في العديد من المدن السودانية، ما أسفر عن مقتل 22 شخصًا، فضلاً عن إعلان حالة الطوارئ وتعليق الدراسة في أجزاء واسعة من البلاد.
فتيل الاحتجاجات اشتعل من مدينة عطبرة، الأربعاء الماضي، في تجمعات حاشدة عدَّها مُراقبون “أكبر تحدٍّ شعبي” لحكومة البشير، الذي حكم البلاد قبل 29 عامًا؛ وهو ما جاء تنديدًا برفع قيمة وجبة الفطور في المدارس لأكثر من الضعف، وإعلان المخابز رفع سعر الرغيف من جنيه واحد إلى ثلاثة جنيهات سودانية. وإلى جانب ذلك، حجبت الهيئة العامة للاستعلامات مواقع التواصل الاجتماعي تخوفًا من تمدد المظاهرات في البلاد بررته الحكومة السودانية بأنه قد اُتخذ لدواعٍ أمنية.(1)
الاقتصاد السوداني
الاقتصاد السوداني من أكثر القطاعات التي شهدت معاناة كبيرة؛ بسبب الصراعات الاجتماعية، والحرب الأهلية، وفي عام 1999 تأثر نمو الإنتاج النفطي بشكل كبير ضمن الناتج المحلي الإجمالي السوداني.
ومن اللافت للنظر أن السودان يُعدُّ أكبر مصدر للصمغ العربي على مستوى العالم؛ إذ يساهم السودان بإنتاج ما يقارب 75% إلى 80% من إجمالي ناتج الصمغ العالمي، كما يساهم قطاع الزراعة السوداني بتوظيف ما يعادل 80% من الأفراد القادرين على العمل.(2)
أزمة ممتدة
شهد الاقتصاد السوداني تدهورات عدة أدت إلى حدوث الأزمة التي أسفرت عن اندلاع الاحتجاجات، فالاقتصاد السوداني يعاني الأمرين؛ إذ يواجه السودان أزمة اقتصادية متصاعدة منذ العام الماضي.
قرارات عدة اتخذتها الحكومة السودانية، بتخفيض قيمة العملة المحلية في سعر الصرف الرسمي للدولة أمام الدولار الأميركي، وارتفاع معدلات أسعار السلع الضرورية بزيادة بلغت 100% في معظم السلع، على رأسها الخبز، والتخلي عن استيراد القمح وترك الأمر للقطاع الخاص، كلُّ ذلك أثر تأثيرًا كبيرًا في تدهور الأوضاع واندلاع الاحتجاجات.
معدل تضخم مرتفع
تضاعفت أسعار بعض السلع وارتفع التضخم إلى ما يقرب من 70%، وانخفضت قيمة العملة المحلية، وعانت عدة مدن من نقص كبير في توفر السلع الأساسية، وهو ما نستدل عليه من أن معدل التضخم في السودان ارتفع مسجلاً 68.93% لشهر نوفمبر الماضي، مقارنة بـ 68.44% لشهر أكتوبر الماضي.(3(
تراجع الجنيه السوداني
مع ارتفاع معدلات التضخم لم يستطع الجنيه السوداني الصمود أمام العملات الأجنبية، فتراجع بشكل كبير، في حين تخطت العملة الأميركية حاجز الثلاثين جنيهًا.
الحكومة السودانية لم تجد أمامها إلا أن تضع ضوابط صارمةفي 20 نوفمبر من العام الماضي، لوقف تدهور قيمة الجنيه مقابل الدولار، فقضت بإدراج تجارة النقد الأجنبي ضمن جرائم غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وتخريب الاقتصاد، والتي تصل عقوبتها إلى الإعدام، وذلك إلى جانب وقف الشركات الحكومية من طلب العملات الصعبة.(4)
فساد متراكم
يبدو أن استشراء الفساد في قطاعات عدة في الاقتصاد السوداني، كان سببًا آخر في تدهور الأوضاع واندلاع الاحتجاجات؛ وهو ما نستدل عليه من حديث الرئيس السوداني عمر البشير، في شهر أبريل، وقوله إن هناك “شبكات فساد” تسعى إلى تخريب اقتصاد البلاد وسرقة أموال الشعب، فضلاً عن تأكيداته أن “شبكة من المتعاملين بتبديل العملات الأجنبية والمهربين والمصرفيين تسعى لتدمير اقتصاد البلد الذي عانى من عقوبات اقتصادية أميركية امتدت لسنوات”. بيد أن هناك مضاربة جشعة من حفنة من تجار العملة ومهربي الذهب والسلع الذين لهم امتداد في الجهاز المصرفي.(5)
أسباب عدة
هناك أسباب عدة تقف وراء الأزمة الاقتصادية التي ألمت بالسودان:
– لا يزال اسم السودان مدرجًا تحت قائمة الدول الراعية للإرهاب، على الرغم من رفع العقوبات الاقتصادية عنه في أكتوبر الماضي، بعد فرضها في عام 1997 على خلفية دعاوى إيوائه للإرهاب.
– صندوق النقد الدولي قال إن ديون السودان قد بلغت 50 مليار دولار حتى نهاية عام 2015. وطالب فيها الحكومة السودانية بتحرير الاقتصاد لتغطية الديون.(6)
عقوبات أميركية
– من المؤكد أن خضوع السودان لعقوبات أميركية لسنوات عدة أثر سلبًا على اقتصاده، حيث خضع السودان منذ عام 1997 لعقوبات اقتصادية وتجارية فرضتها إدارات أميركية تعاقبت على البيت الأبيض.
– الخرطوم قالت إن هذه العقوبات ألحقت بها خسائر اقتصادية وسياسية فادحة، فاقت 50 مليار دولار، لكن الإدارات الأميركية المتعاقبة ظلت تجدد هذه العقوبات عامًا بعد آخر، دون أن تضع حسابًا لنداءاتها.
– وزارة الخارجية الأميركية أدرجت السودان، ضمن قائمتها للدول التي ترعى الإرهاب في 18 أغسطس 1993، واتهمته بأنه يسمح باستخدام أراضيه ملجأ للذين تصنفهم بأنهم إرهابيون.
– الرئيس الأميركي الأسبق “بيل كلينتون” أصدر في 13 نوفمبر 1997، أمرًا تنفيذيًا طبق بموجبه عقوبات اقتصادية وتجارية ومالية شاملة على السودان تحت مبرر دعمه للإرهاب الدولي.(7)
انفصال جنوب السودان
انفصال الجنوب كان له أثر سلبي واضح أيضًا على الاقتصاد السوداني، فبعد الانفصال فقد السودان 46٪ من إيرادات الخزينة العامة، و80٪ من عائدات النقد الأجنبي، وهو ما أثر على سعر صرف العملة المحلية، فضلاً عن زيادة الفجوة بين سعر الصرف الرسمي للدولار الذي يحدده البنك المركزي عند 5.7 جنيه.(8)
الاقتصاد السوداني خسر ما يقرب 75% من إنتاج النفط الذي كان يبلغ 470 ألف برميل يوميًا بانفصال جنوب السودان عنه في عام 2011، والذي كان يمثل المصدر الرئيسي للعملات الأجنبية التي يستخدمها البلد الواقع في شرق إفريقيا لاستيراد المواد الغذائية.
نقاط هامة وتوقعات مستقبلية
*إذا لم تصدر الحكومة السودانية قرارات لتخفيض أسعار الخبز ومحاولة امتصاص غضب الشارع، فمن المحتمل استمرار اندلاع التظاهرات والاحتجاجات وارتفاع سقف مطالب المتظاهرين ليتحول من الاعتراض على غلاء الأسعار إلى المطالبة بإسقاط النظام.
* من المحتمل انتقال الاحتجاجات لولايات سودانية أخرى؛ لأن الاحتجاجات قد اندلعت في مدينة عطبرة الشرقية بالسودان، قبل أن تنتشر في الولايات المجاورة حيث وصلت إلى ولاية القضارف شرقي السودان، ثم إلى العاصمة الخرطوم ومدينة أم درمان.
*الدعم القطري للبشير لن يستمر طويلاً،فمن المحتمل أن ترفع قطر يدها عندما يشتد الخناق الشعبي على النخب الحاكمة في الخرطوم.
* لا بدَّ من حلول جذرية لمواجهة الفساد المستشري في القطاع الاقتصادي، فمكافحة الفساد تمثل خطوة هامة نحو الإصلاح.
وحدة الدراسات الاقتصادية
المراجع
1- قتل واعتقال وحجب.. هل تُنهي العصا الأمنية احتجاجات السودان بلا تنازلات؟ مصراوي.
2- أسباب تدهور الاقتصاد السوداني، موضوع.
3-السودان.. أزمة الاقتصاد والمال، سي إن بي سي عربية.
4-هل ارتبط انهيار الاقتصاد السودانى بقرارات “البشير” الأخيرة؟ اليوم السابع.
5-اقتصاد السودان بخطر.. والبشير يعلنها حربًا، سكاي نيوز.
6-السودان: انهيار اقتصادي وفجوة غذائية متزايدة، عاين.
7-العقوبات الأميركية على السودان.. خريطة زمنية، الشرق الأوسط.
8.الاقتصاد السوداني ما زال يعاني من آثار انفصال الجنوب، القدس العربي.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر