سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
د. نوف سليمان النمير
وهل هناك أجمل من فرحتهن؟ الأم والأخت والزوجة والابنة .. شعور عامر بالفرحة والتبريكات، يعمُّ أرجاء مملكتنا الحبيبة، وردود استحسان من منظمات عالمية ودول عظمى، إثر إعلان قرار سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، السماح للمرأة بالقيادة.
في العادة، يكون النجاح أو بلوغ الهدف أو الانتصار، بشكل فردي، أو على مستوى أسري، أو نطاق عمل أو مؤسسة، أو حتى فريق رياضي.. لكن ما حدث في ٢٦/٠٩/٢٠١٧، كان انتصارًا على مستوى وطني، لن أسميه انتصارًا للمرأة السعودية فقط، فالرجل السعودي – كذلك – تفاعل ودعم وآمن بدور المرأة في التغيير، (النساء شقائق الرجال)، فنحن نتشارك الفرحة جميعًا، ونتطلع إلى نهضة وطننا، ونتجه برؤية واضحة نحو التطور والنجاح.
مما لا شك فيه، أن قرار السماح للمرأة بالقيادة، يعدُّ أمرًا تاريخيًا، وخطوة عظيمة في تطور حقوق المرأة في المملكة العربية السعودية. وبالمرور السريع على التاريخ، ووضع المرأة في المملكة، ابتداء من عهد الملك فيصل – رحمه الله – وتأسيس أول مدرسة للبنات في ١٩٥٧م، بعد أكثر من عقد كامل تمتع فيه الأولاد بالتعليم، وقبله قرار الملك سعود – رحمه الله – بإنشاء مدارس التعليم للبنات في الستينيات،وبعدها بأربعة عقود في عهد الملك عبدالله رحمة الله ٢٠٠٥ قرار ابتعاث الفتيات للخارج لإكمال تعليمهن، حيث سبقهن الرجال بسنوات عدة، وقبل أربع سنوات في ٢٠١٣ دخول المرأة مجلس الشورى والسماح لهن بالانتخاب والتصويت، نجد أن مسيرة نضال المرأة السعودية والمطالبة بحقوقها العامة، وفي مقدمتها التعليم، تستحق أن تكتب بماء الذهب، وتخلد كمثال للصبر والمثابرة على مستوى نساء العالم كافة.
كان موضوع “قيادة المرأة السعودية”، محور حديث لكثير من برامج الإعلام الغربي، وعناوين رئيسية لصحفهم وثغرة يتمُّ استغلالها وتسليط الضوء عليها، متجاهلين إنجازات المرأة السعودية التي استطاعت أن تحققها في فترة زمنية قصيرة من تمكينها. فكم من محفل علمي تشارك فيه المرأة السعودية، يبدأ بتعارف وطرح علمي بحت، وينتهي بنقاش عن قيادة المرأة وحقوقها. شخصيًا وصلت إلى مرحلة أستعد فيها للإجابة عن ورقتي العلمية المقدمة، ومن جهة أخرى أستعد للإجابة عن وضع المرأة في وطننا، والتحديات الاجتماعية التي تواجهها، وعدم السماح لها بالقيادة.
كانت “قيادة المرأة ” مطلبًا أساسيًا، ووسيلة ضرورية لمواكبة تطورها واندماجها في المجتمع وتمكين دورها، والآن تحولت إلى حق مشروع يكفل لها وللمجتمع، منافع عديدة، ويضع حدًا لمعاناة دامت طويلاً. فالقرار يصب في المكاسب الاقتصادية للدولة من عدة نواحٍ، حيث سيوفر الكثير من الأموال المحولة للخارج، بسبب العمالة التي كانت تقوم كبديل لقيادة المرأة، وسيقوم بتوفير وظائف تقلل من البطالة وتسهل المشاركة في سوق العمل. كما أن الدخل المتوقع من تمكينها، بالإضافة إلى الموفر من الاستغناء عن العمالة، سيؤثر على المستوى المعيشي للعائلات، وبالتالي اقتصاد الدولة. وكذلك لا ننسى المردود النفسي من الثقة الممنوحة لها، وإثبات أهليتها وتمكينها على تحمل مسؤولية نفسها وعائلتها وأطفالها، وهذا الشيء فطري في المرأة، فقط يحتاج إلى تعزيز وتمكين. هذا القرار السامي الحكيم من القيادة الرشيدة – حتمًا – سيساهم كثيرًا في دعم صورة المرأة السعودية لدى العالم، التي لطالما ظلمها الإعلام الموجه، وظلم إنجازاتها الحقيقة. المرأة السعودية، قادت كبرى الشركات، واعتلت أعلى المناصب، وأهدت وطنها إنجازات في مختلف المجالات، وساعدت في التعليم والصحة والتنمية والاقتصاد، قبل قيادتها للسيارة. وما هذا القرار، إلا تمكين لها كي تنجز بشكل أكبر، وتنجح بشكل أعظم.
ولمَّا كان الموضوع – في نظري – مجتمعيًا بحتًا، ولم يكن – يومًا – دينيًا، أو ثقافيًا، فمن المهم أن نفهم بعض الحقائق التي تساعدنا – كمجتمع – على التطور وتقبل التغيير. فعلم النفس السلوكي والاجتماعي، يثبت أن من الصفات السلوكية الغريزية في الإنسان “الارتياح للمألوف والخوف من المجهول”، ويتمثل هذا بمقاومة التحول والتغيير، أو التطوير المواكب للحاجة الظاهرة والمتغيرة مع الوقت، فيقاوم التغيير بطرق عدة، منها: المباشرة، وهي الرفض والامتناع فكريًا أو عمليًا، أو غير المباشرة بردود الأفعال السلبية.
تمامًا كما حدث مع حق قيادة المرأة الذي عانى التسويف والمقاومة بإجراءات مناقضة لعملية التغيير للحفاظ على نفس الوضع. وبما أن العدد المعني بالتغيير كبير، فقد ترتب عليه تغيير تدريجي استدعى وقتًا طويلاً حتى وصل إلى مرحلة لا تتواكب مع التطور السريع والوضع في مجتمعنا، واستدعى قرار الحسم.
كل ما يحتاج إليه الشخص، أن يتقبل التغيير بانسيابية وهدوء، وأن “يفكر” ويستخدم عقله بتجرد، بعيدًا عن الولاء لأفكار لا أساس لها في شرعنا الإسلامي، أو العادات التي تسلب القدرة على تحديد الموقف بسبب التعود وبرمجة التفكير.. وبرمجة العقل والفكر، موضوع يطول الشرح فيه! صحيح.. لن تتفق الآراء بشكل تام، فمن الطبيعي أن يكون هناك مقاومون للتغيير الذي قد نكون نحن منهم أيضًا في قضية أخرى، أو عندما يمس التغيير أفكارنا المتأصلة. واقعيًا، ليس من الضروري التخلص من المقاومين للتغيير والمعرقلين له في مرحلة بات الأمر فيه محسومًا، ولكن من واجبنا – جميعًا – أن نعمل على تفهم وجهات النظر الأخرى، ومساعدة المتخوفين على مواجهة أفكارهم وتقبل التطور. جدًا أسعدني ظهور عدد كبير من الكتَّاب والناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف إشراك العامة بوجهات نظرهم والتأثير الاجتماعي لتقبل التغيير، بطرح يستدل المبررات والدوافع ويستعرض التاريخ، وحوار بسيط وسهل يصل إلى الجميع.
كلي ثقة أن الدعم والتأييد القيادي لهذا القرار، سوف يضمن تطبيقه بتنظيم عالٍ، تحت سلطة تنفيذية ورقابية تضمن استعدادًا يليق بحاجة التنفيذ، وتعزيز التمسك بقيم ديننا، والمحافظة على الآداب العامة، بين أفراد المجتمع. والاستمرارية – حتمًا – سوف تتحقق بمشاركة أبناء الوطن من إناث وذكور، فكل مواطن هو عنصر فعَّال في تنشيط أي تغيير بهدف التطور.
كل الامتنان والشكر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، على ثقته الكريمة، ولولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أمير الشباب، ومهندس رؤية مملكتنا الغالية، الذي قال: “إذا اقتنع السعوديون بالتغيير، فعنان السماء هو طموحنا”.. نحن مع هذا التغيير الفعَّال الذي يرتقي ببلدنا وشعبنا، ولا يمس عقيدتنا. نحن مع طموحنا، ورؤيتنا التي ستنطلق بنا إلى مصاف الدول المتقدمة، ومستقبل المرأة السعودية بها مزدهر بإذن الله.
عالمة أبحاث، قسم علم الوراثة – مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث- أستاذ مساعد، كلية الطب، جامعة الفيصل *
@noufalnumair
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر