سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
لم يكن ظهور الجماعات المتطرفة مثل “بوكو حرام” النيجيرية مصادفة، بالمقارنة مع تنامي بيئة التطرف في منطقة غرب إفريقيا وما بها من مشكلات اجتماعية واسعة النطاق، وهو ما أثار اهتمام المتابعين والمهتمين بالنظر إلى تداعيات أنشطة الحركة على الأمن والاستقرار في منطقة غرب إفريقيا. وقد برز انتماء الحركة لتيار “السلفية الجهادية” ليمثل حالة فريدة من الاهتمام بالتيارات المتطرفة، حيث مثل ذلك مصدرًا رئيسًا لأغلب الحركات والتنظيمات التي نالت من حالة الاستقرار والسلم والأمن الدوليين، وليس في إقليم بعينه.
وفي هذا السياق، يقدم الكاتب المصري نبيل شكري، طرحًا متميزًا من خلال كتاب (السلفية الجهادية في إفريقيا) في محاولة لتتبع المسار الفكري والحركي لتيارات السلفية الجهادية بمنطقة غرب إفريقيا، مع التركيز على جماعة “بوكو حرام”.
وفي إطار توسيع رؤية المؤلف، فإنه ينطلق من خلال تأصيل مفاهيمي لمضمون “السلفية الجهادية”، التي تشير إلى جماعات الإسلام السياسي التي تتبنى الجهاد كمنهج للتغيير، والتي يشغل العنف مكانة مركزية لديها. وقد ظهرت هذه الجماعات بسبب ضعف النظم الحاكمة، حيث هدف المؤلف إلى دراسة دور حركة “بوكو حرام” باعتبارها إحدى الجماعات التابعة لـ”السلفية الجهادية”، التي تنطوي على تهديد وجودي لنيجيريا والدول المجاورة لها، كما أن من شأن ذلك أن يؤدي إلى تغيير في الخريطة السياسية لإقليم غرب إفريقيا.
لم تنشأ جماعة “بوكو حرام” في هدوء، إذ مثلت نشأتها حالة من الجدل المستمر، فقد كان ثمة اختلاف واضح بشأن توقيت نشأة الجماعة، وهو ما يرجع إلى أن ظهورها جاء من خلال مسميات مختلفة تطورت مع المراحل التي شهدتها مسيرة الجماعة، بداية من اسم “أهل السنة وجماعة الهجرة” عام 1995، إلى مسمى “بوكو حرام” كما أطلق عليها عام 2005، لتتطور الجماعة خلال تلك المسيرة عبر مراحل ثلاث وهي: النشأة، والدعوة، والجهاد، حيث كان لكل مرحلة من هذه المراحل سماتها المختلفة، والهيكل التنظيمي المتبع فيها للجماعة، وكذلك الاستراتيجيات المختلفة للتعامل مع الدولة.
تبنت حركة “بوكو حرام” خطابًا يقوم على التحريض على العنف، حيث ارتكز في المقام الأول على مواجهة الدولة النيجيرية بغرض القضاء عليها. ومن خلال عدد من البيانات التي تزايدت بدرجة ملحوظة مع تطور الأحداث، بدا حرص الجماعة على متابعة الأحداث بشكل مستمر، بالإضافة إلى فاعليتها في الداخل النيجيري.
استهدفت الجماعة منذ بدايتها مراكز الشرطة والمؤسسات الحكومية عبر سلسلة هجمات نفذتها في مدينة “مايدوغوري” عاصمة ولاية “برنو” قبل ستة أعوام.
ويتزعم الجماعة المتشدد أبو بكر شيكاو، عقب إعدام يوسف، وقامت بمنع ممارسة أي تقليد غربي وتطبيق “الشريعة” في البلاد، وتعتبر التصويت في الانتخابات وارتداء الأزياء الغربية وممارسة أي تقاليد على علاقة بالغرب “حرامًا”.حيث تعتقد الجماعة أن القيم الغربية هي السبب الرئيس للكثير من المشكلات التي تعاني منها البلاد كالفقر والفساد المستشري.
اعتمدت الجماعة على الأساليب الوحشية في تنفيذ عملياتها، مثل خطف الفتيات، وهو الأسلوب الذي تكرر استخدامهخلال الشهور الأخيرة، ففي شهرأبريل 2014 قامت الجماعة بخطف أكثر من 200 تلميذة من مدرسة في شمال نيجيريا، في عملية أثارت استياء دوليًا كبيرًا.
وقد امتدت أنشطة الجماعة إلى دور العبادة، فقامت بإحراق العديد من الكنائس، ومن بينها كنيسة في ولاية “بلاتيو” وسط نيجيريا في يونيو 2014، فضلاً عن سقوط 27 قتيلاً وجرح 96.
ومن خلال التشريح الدقيق، يقدم المؤلف تقسيمًا لأنشطة الجماعة يقوم على محورين أساسين: الأول هو النطاق الذي تمارس فيه الجماعة أنشطتها، حيث لم يقتصر نطاق عمل الجماعة على الداخل النيجيري بقدر ما تجاوز الحدود لينتقل إلى دول الجوار، مثل: الصومال والكاميرون والنيجر وتشاد وليبيا ومالي. وقد تمثلت تلك الأنشطة في التدريب على القيام بالأعمال الإرهابية، بالإضافة إلى نطاقات أخرى غير مباشرة كاتساع نطاق الجماعة في بلدان لا تربطها مع نيجيريا بالضرورة علاقات جوار مباشر، كالجزائر والسودان وإفريقيا الوسطى وموريتانيا؛ إذ هدفت الجماعة إلى الحصول على التمويل، سواء كان من الأموال أو الأسلحة، وكذلك توفير المناخ الملائم لنشر الفكر التكفيري في إفريقيا.
أمَّا المحور الثاني، فيركز على طبيعة أنشطة الجماعة، ومن ثَمَّ توجد علاقات تعاونية بين الجماعة والجماعات الأخرى التي تتبنى نفس الأيديولوجية، ومن أهمها: حركة الشباب الصومالية، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي. وهناك علاقات أخرى عدائية، وتظهر في الأنشطة المعادية للجماعة مع حكومات الدول المجاورة ومنها الكاميرون.
وفي المجمل، اتسم موقف جماعة “بوكو حرام” من خلال سلوكها التفاوضي مع الحكومة النيجيرية بالثبات والقوة؛ فعلى الرغم من تدخل أطراف خارجية لتسوية الصراع، نجد أنها فشلت في ذلك، حيث انسحبت الجماعة عدة مرات من المفاوضات، وهو ما يدل على ميل تفضيلي لدى الجماعة لاستخدام القوة كاختيار بديل عن التعامل مع السلطات النيجيرية، إذ اعتمد سلوكها على الاستمرار في القيام بعمليات إرهابية في ظل المفاوضات. أمَّا عن استراتيجية الدولة، فقد اتسمت بالعشوائية، وبالتالي فهذا يدل على صعوبة وجود تسوية قريبة للصراع ما بين الجماعة والحكومة النيجيرية.
وقد جاءت مساعي القوى الدولية والإقليمية لحل الصراع في نيجيريا استنادًا إلى أنماط مختلفة، حيث تسعى القوى الإقليمية لزيادة تأثيرها داخل القارة الإفريقية من خلال محاولات عديدة تهدف من ورائها إلى فرض الهيمنة والتبعية العقائدية.
يخلص المؤلف إلى اعتبار نشاط السلفية الجهادية في غرب إفريقيا، إحدى المحطات الأساسية للمزيد من انتشار ذلك التيار المتطرف بالقارة السمراء، وهو ما يتصل بدوره بنشاط الحركات المشابهة في أقاليم أخرى كالجنوب الإفريقي الذي ظهرت فيه جماعات مشابهة مثل “السنة والجماعة” التي تشابهت مع “بوكو حرام” في نشأتها وممارساتها؛ إذ انتقلت كلتا الجماعتين من العمل الدعوي والاجتماعي بحكم الظروف الاجتماعية التي نشأت فيها، إلى طور السلفية الجهادية وإنتاج العنف ومواجهة الدولة بما يجعل من ذلك التيار المتشدد مرشحًا للانتشار خلال الفترة المقبلة.
معلومات الكتاب
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر