سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عمران أحمد
دفعت جائحة “كوفيد – 19” الحكومات الوطنية في باكستان إلى الاستجابة بسرعة للضرورات الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية الحرجة أو الناشئة. وغالبًا ما كان القادة في جميع أنحاء العالم يستخدمون ميزات في دساتيرهم الوطنية تسمح لحكوماتهم بسن قوانين سريعة تتجاوز الضوابط الديمقراطية. وقد أصبحت الحاجة إلى الموازنة بين الكفاءة والإشراف في الوقت الراهن تمثل مشكلة سياسية وفلسفية أساسية للممارسين والعلماء على حد سواء. وفي السياق الباكستاني، اهتم المشرعون بقضايا المساءلة فيما يتعلق باستخدام السلطات الرئاسية وإساءة استخدامها. وقد سلطت التطورات السياسية الأخيرة الضوء على إلحاح هذا النقاش في ضوء مشروع القانون الأخير الذي يسعى إلى فرض ضوابط على السلطات التشريعية للرئيس.
كثيرًا ما اهتم المشرعون في باكستان بقضايا المساءلة فيما يتصل باستخدام وإساءة استخدام السلطات الرئاسية. ففي يونيو 2020، تبنت اللجنة الدائمة للقانون والعدالة في مجلس الشيوخ مشروع تعديل قانون عام 2020 (المادة 89) الخاص بالأعضاء. وقدَّم هذا القانون السناتور “رضا رباني” من حزب الشعب الباكستاني، إذ اقترح مشروع القانون تعديل المادة 89 من الدستور الباكستاني. وتسمح المادة للرئيس بإصدار مرسوم إذا اقتنع بوجود ظروف تجعل من الضروري اتخاذ إجراء فوري. ويمكن للرئيس أن يتخذ مسار العمل هذا فقط في الوقت الذي لا يكون فيه مجلسا البرلمان منعقدين. وبمجرد صدوره، يكون للمرسوم نفس القوة والتأثير الملزمين كقانون صادر عن البرلمان.
وتاريخيًا، كان نطاق سلطة الرئيس في إصدار المراسيم نقطة خلاف. وعلى الرغم من أن المادة 48 من الدستور تنص على أن يتصرف الرئيس وفقًا لمشورة مجلس الوزراء أو رئيس الوزراء، فإنه من غير الواضح ما إذا كان هذا يضع قيودًا جوهرية على السلطات التشريعية للرئيس.
وقد نصَّ التعديل الذي أجري على الدستور عام 1985، على ضرورة عرض المراسيم التي تتناول مشروعات القوانين المالية على الجمعية الوطنية. كما عدَّل قانون الدستور (في التعديل الثامن عشر) لعام 2010 المادة 89، وحدد تاريخ انتهاء المرسوم بـ120 يومًا من صدوره. كما منع التعديل الثامن عشر الرئيس من إعادة إصدار نفس المرسوم، مما يعني أن التمديد يتطلب الموافقة البرلمانية.
ومع ذلك، فإن المادة 89، في شكلها الحالي، لا تحدد الإطار الزمني الذي يجب خلاله عرض المرسوم الرئاسي على أحد مجلسي البرلمان أو كليهما. ونتيجة لذلك، يمكن أن يكون هناك مرسوم ساري المفعول لأشهر قبل أن يخضع للتدقيق، مما يثير مخاوف جدية من أن المادة تتيح المجال للأحزاب الحاكمة لإصدار قوانين ملائمة وتخدم مصالحها الذاتية دون مداولات تشريعية؛ وهو ما يقوض الحافز لبناء توافق سياسي ويشجع على التأخير في تقديم مرسوم أمام البرلمان.
وفي الواقع، عندما شكَّل “عمران خان” الحكومة في عام 2018، أظهر القليل من الاهتمام بالانخراط مع معارضه لتحقيق أجندته التشريعية. ففي بداية فترة ولايته، أعلن “خان” أنه نظرًا لافتقاره للأغلبية في مجلس الشيوخ، فقد فضل إدارة الشؤون التشريعية للحكومة من خلال المراسيم الرئاسية بدلاً من العمليات البرلمانية. وأعلنت المعارضة أن هذا ليس أقل من إظهار ازدراء البرلمان وإساءة استخدام السلطات التعسفية للحكومة.
لقد أدى ظهور الوباء إلى تفاقم الانقسامات القائمة بين حكومة خان الائتلافية ومعارضتها. وفي أبريل 2020، برَّر الرئيس “عارف علوي” إصدار قانون الضرائب في التعديل الذي تمَّ عام 2020 على أساس أنه سيحفز الاقتصاد ويخفف من معاناة الفئات الأكثر ضعفًا. في حين أن الإصلاحات الضريبية تعدُّ جانبًا مهمًا في الاستجابة للتداعيات الاقتصادية لوباء “كوفيد – 19″، فإن المشكلة لا تكمن فقط في جوهر هذا القانون، ولكن أيضًا في الطريقة التي تمَّ سنه بها. فالمادة 77 من الدستور تنصُ على أنه لا يجوز فرض ضريبة إلا بموجب قانون صادر عن البرلمان أو تحت سلطته.
وقد شهدت الفترة الأخيرة نقاشًا واسعًا حول ما إذا كان هذا القانون ينتهك الدستور أم لا. ومع ذلك، فإن الأكثر إزعاجًا للبرلمانيين هو رفض الحكومة إشراك المعارضة في المفاوضات التي أدَّت إلى إصدار المرسوم.
وقد سعى مشروع تعديل الدستور لعام 2020 (في المادة 89 منه) إلى معالجة مثل هذه القضايا. وتشير أهداف وأسباب مشروع القانون المقترح إلى التاريخ الطويل لإساءة استخدام السلطة من قبل الرئيس لإصدار مرسوم. ويقترح مشروع القانون أن يتم النص دستوريًا على وجوب وضع مرسوم في الجلسة الأولى للبرلمان بعد صدوره. وبخلاف ذلك، فإنه سيعدُّ ملغى إذا لم يتم وضعه في تلك الدورة. وقد تمَّ تصميم هذا الإجراء لمنع التأخير في وضع مرسوم أمام البرلمان والجهود المضادة لإبطاء قدرة الهيئة التشريعية على إلغاء القانون من خلال قرار الرفض.
ومع استمرار باكستان في التصدي للوباء، من الواضح أن القوانين تحتاج إلى مواكبة الاحتياجات والظروف المتغيرة للبلاد. ومع استمرار الجدل حول مشروع القانون، فإن كيفية موازنة المفاضلة بين الكفاءة والرقابة في عملية سن القانون أصبحت الآن مصدر قلق سياسي وفلسفي أساسي وفوري. كما يثير النقاش حول مشروع القانون أيضًا أسئلة مهمة تتعلق بفصل السلطات في باكستان وضرورة إعادة التفكير في العلاقة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية في وقت الأزمات.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: معهد الدراسات الأمنية Institute of Security Studies
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر