سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
حسام ميرو
تبسيطاً لمفهوم السلام، يمكن القول إنه حدّ على الحرب، إذ من البدهي أن يكون المفهوم حدّ على نقيضه، لكن هذا التبسيط، الذي هو ضرورة معرفية، يغدو منخفض القيمة، حين يشتبك المفهوم مع الواقع، أي مع القوى المنتجة للواقع، حيث يبدأ المفهوم بالتعرّض للتشويش، بما فيه التشويش المفاهيمي نفسه، نتيجة الطيف الواسع للأيديولوجيات والمصالح والإرادات والتحالفات، بل وجود معايير وقيم مختلفة، يمنحها كلّ طرف للمفهوم، ما يجعل المفهوم ينزاح من إطار البدهية الأولى لتعريفه، كحدّ على نقيضه، إلى ساحة الغموض، والدخول في متاهة التناقضات.
تاريخياً، لم يكن السلام دائماً غاية بحدّ ذاته، فمعظم الشعوب، عرفت في صيرورتها تمجيداً للحرب، بوصفها تعبيراً عن مكانة الأمة أو الملك أو الدين، بل يمكن القول إن المكانة التي يحظى بها السلام هي قيمة حديثة نسبياً، أخذت تتكرّس بعد الحرب العالمية الثانية، وبشكل خاص، عبر المنتج الدولي، المسمى ب«الأمم المتحدة»، وظهور تيارات فكرية وسياسية تدعو إلى السلام، وتعتبره قيمة عليا إنسانياً، يفوق في قيمته المصالح المادية والقومية.
مع كلّ حرب جديدة، سواء أكانت صراعاً بين دولتين أو أكثر، أو بين مكوّنات أهلية داخل الدولة نفسها، يعود السلام إلى الواجهة، متصدراً المشهد جنباً إلى جنب مع الحرب القائمة، وليست هذه مفارقة، أو ليست هي المفارقة الوحيدة، فحتى الأطراف التي بدأت الحرب، تتذرّع بالسلام كسبب في شنّ الحرب، أي إنها تخوض حرباً لإحلال السلام، وتصريف هذا المنطق سياسياً، أن الأوضاع التي كانت سائدة قبل الحرب، تعاني من خلل، يجعل الحرب حلّاً وحيداً.
إن شهية الدول للحروب لا توقفها المثل العليا، حتى لو كانت هذه الدول قد شاركت في صياغة أهم المواثيق والاتفاقيات الدولية المعنية بالسلام، ففي مقابل مفهوم السلام، الذي يبدو عمومياً إلى حدّ كبير، ثمة مفاهيم تحدّدها موازين القوى، التي تفرض تحوّلات في مواقف الدول، للحفاظ على مصالحها، ومن بينها، مفهوم الأمن القومي، والذي يعني ضمان الدولة لوجود بيئة جيوسياسية آمنة، وأمام هذا المفهوم، وما يعنيه واقعياً، سنجد أن تبني مفهوم السلام، بمثابة كارثة، إذ إنه يتيح للخصوم التمدّد، وزيادة النفوذ في المحيط القومي، أي تهديداً مباشراً للمصالح.
من الناحية النظرية، تحتاج الحرب إلى قرار وإرادة طرف واحد، هو الطرف الذي يجد أن الواقع القائم، أو مساره المستقبلي، يعاكس مصالحه الحيوية، وأنه يمتلك إمكانات شنّ الحرب والفوز فيها، لكن السلام، يحتاج عملياً إلى قبول الطرفين المتحاربين به، بوصفه الصيغة التي تحقّق مصالحهما المشتركة، وتعكس موازين القوى القائمة، وبهذا المعنى، فإن السلام يصبح ذو قيمة، بما فيها القيمة الإنسانية، لأنه يمنح الطرفين فرصة توفير الموارد المادية والبشرية، واستثمارها في التنمية. ويمكن ببساطة، أن نجد كيف تضاربت إلى حدّ كبير مواقف الولايات المتحدة والصين، الطرفين الأكثر نفوذاً في سوق العمل الدولي، من الأوضاع الجديدة الناشئة في الشرق الأوسط، بعد عملية «طوفان الأقصى»، وهذا التضارب ليس نتيجة لقراءة مختلفة لسياق الصراع، أو نتيجة تعاطف مع أحد أطرافه، بل نتيجة تصوّر مختلف للمصالح العليا للقوتين العظميين، ما يجعل من القراءة أو التعاطف مجرد أدوات في إدارة الصراع.
أيضاً، شهدت العقود الثلاثة الأخيرة تغيّراً نوعياً في العلاقة بين آليات تنظيم السوق والحرب والسلام، إذ لم يعد الاستقرار/ السلام شرطاً صالحاً في كل مكان وزمان لضمان عمل آليات السوق، حيث يوجد ميل لدى القوى الفاعلة والمتصارعة للتكيّف مع الفوضى/ الحرب، حيث تمّ تطوير آليات للتكيف، تخدم دورة السوق، وتعزز مكانة الفاعلين.
المصدر: الخليج
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر