سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
الهاشمي نويرة
تشهد دول الاتحاد بعد أقلّ من سبعة أشهر انتخابات البرلمان الأوروبي في أجواء سياسية يطغى عليها استحواذ أحزاب اليمين واليمين المتطرّف تحديداً على المشهدين السياسي والحكومي في عدد من الدول، وهناك مؤشرات عديدة أنّ دولاً محورية قد تسقط تباعاً بين أيدي اليمين المتطرف، ومن ذلك الانتخابات المحلية والجزئية الأحد الماضي، التي فاز فيها حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف في الانتخابات في مدينة كبيرة لأوّل مرّة منذ إعادة توحيد ألمانيا في سنة 1990.
المؤشر الثاني نتائج استطلاعات الرأي التي تعطي اليمين واليمين المتطرّف في عدد آخر من الدول الفوز، أمّا المؤشّر الثالث والأهمّ فهو سيطرة اهتمامات ومحاور اليمين المتطرّف على محتويات الحملات الانتخابية وأساساً ما يتعلّق بقضايا الهجرة والمهاجرين النظاميين وغير النظاميين. ومنذ أسابيع، يطغى على المشهد السياسي في فرنسا جدل حادّ في هذا الموضوع وذلك بمناسبة عرض مشروع قانون للحدّ من الهجرة وتضييق الخناق على المهاجرين، ويُنتظر أن يكون أمر هذا المشروع قد حُسِمَ في وقت متأخر من يوم أمس بعد اللجوء إلى الهيئة المشتركة بين مجلسي النواب والشيوخ.
وتسعى أحزاب اليمين الجمهوري واليمين المتطرف إلى تضييق إجراءات تدفّق المهاجرين أو الحدّ منه، إضافة إلى المطالبة بحرمان المهاجرين غير الشرعيين من الحقّ في التداوي والشرعيين منهم من توسيع الإحاطة الاجتماعية والصحية إلى عائلاتهم. وتعزّز أحزاب اليمين واليمين المتطرف موقفها بنتائج استطلاع يظهر أنّ 65 في المئة من الفرنسيين يعارضون بقوّة الزيادة في عدد المهاجرين تحت أيّ عنوان كان. ووجدت أحزاب اليسار نفسها منساقة إلى هذا التيار الجارف على الرغم من محاولاتها اليائسة للحدّ من التداعيات السلبية لهذا القانون، مستعملة في ذلك قاموس ومرجعيات وقيم الجمهورية المفتوحة على الآخر وعلى الحضارات الأخرى، والتي من بينها التقاليد العريقة لفرنسا في استقبال وإدماج المهاجرين، وكذلك إسهامات هؤلاء في بناء فرنسا والاقتصاد الفرنسي، فضلاً عن أنّ قيم ومُثُلَ الجمهورية الفرنسية يُفترض أنّها تقف حائلاً من دون رواج هذا الخطاب العنصري تجاه شريحة من البشر.
ولا يبدو أنّ هذا الخطاب يلقى رواجاً كبيراً عند أحزاب اليمين المتطرف والأحزاب القومية عموماً، لأنّ حجر الزاوية في خطابهم أنّ الهجرة والمهاجرين مصدر الأزمة الاقتصادية وأصل البلاء المجتمعي والسبب المباشر للإرهاب والجريمة المنظمة والخطر الداهم الذي يهدّد في تقديرهم الهوية الوطنية ونقاوة العرق الفرنسي لدى بعضهم. ومهما كانت مآلات هذا القانون، فإنّ حدّة طرحه في المجتمع الفرنسي وفي غيره من مجتمعات دول الاتحاد الأوروبي، أسهمت في حدوث شروخ مع المهاجرين وحتّى مع دولهم الأصلية، وغذّت بشكل كبير تنامي أحزاب اليمين المتطرف والأحزاب القومية المتشدّدة على المشهد السياسي في دول أوروبا والغرب الليبرالي عموماً. والواضح أنّ تراجع أحزاب الوسط في الدول الأوروبية وتلك الأحزاب التي تؤمن بمستقبل أوروبا، أمام أحزاب اليمين المتطرّف والقومي، أصبح أمراً واقعاً ولافتاً وبيّناً.
ونكاد نجزم أنّ دول الغرب تقف على مشارف مرحلة جديدة تكاد تُرجعها إلى حقبة صراع القوميات والأمم والتي انتهت، كما هو معلوم، بحربين كونيتين حتّمتا عليها الخروج من الأفق الضيّق للقوميات نحو عالم متعدّد ومحكوم بقيم إنسانية تتعدى المصالح الضيّقة للأوطان والقوميات، ولكنّ مختلف الأزمات التي يعيشها عالمنا اليوم تدلّل بوضوح على أنّ خطاب القيم الإنسانية والديمقراطية وحقوق الإنسان مجرّد فواصل في تاريخ هذه الشعوب الغربية، وقد تحوّلت في ما يبدو إلى مجرّد خطابات ضاغطة على الدول والحضارات الأخرى من أجل الابتزاز الاقتصادي والتحكّم في القرار السيادي للآخرين، ولكنّ خطاب القيم هذا غير ملزم لهم بالمطلق.
إنّ الجدل في الهجرة والمهاجرين أحد التجليات البشعة لهذا التحوّل في الوعي الغربي ولكن الأكثر بشاعة الصمت المريب الذي يلامس الشراكة في الجريمة وفي تدنيس هذه القيم الكونية في عدد من بقاع العالم، ومنها غزّة. المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ذكر أوّل من أمس أنّ 71 % من سكان قطاع غزة يعانون مستويات حادة من الجوع، و98 % منهم يعانون عدم كفاية استهلاك الغذاء و64 % يتناولون الحشائش والثمار والطعام غير الناضج والمواد منتهية الصلاحية لمجابهة الجوع، لا مناص من الاعتراف إذن بأنّ القيم الإنسانية تنهار تباعاً.
المصدر: البيان
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر