سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عبدالرحمن الشاطري
تؤكد الشعارات التي يرددها المتظاهرون الإيرانيون، أن شعوب المنطقة منفتحة وفي حالة تنافس دائم، حتى وإن كانت تعيش عزلة ثقافية طبيعية أو مفتعلة تمثّل عائقًا في التواصل ما بينهم؛ إلا أنها تظل في حالة استجابة إنسانية متصلة بالقيم والمبادئ والحاجات المشتركة بين المجتمعات.
ننطلق في قراءة هذا السياق من حيث الانعكاسات القارية في تطبيق النظرية السياسية للمفكر الاستراتيجي برجينسكي، مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، إذ طالب بضرورة إنشاء حكومات إسلامية في محيط الاتحاد السوفييتي السابق لمواجهة المد الشيوعي آنذاك، وقد اعتقد بعض المؤرخين أن الجنرال محمد ضياء الحق، دشن المرحلة بانقلاب عسكري على حكومة ذو الفقار علي بوتو في باكستان عام 1977، وقد شهدت بداية حكمه تقريب الجماعة الدينية والدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، حيث حفّـز ذلك شعب إيران الدولة المحاذية له، على إسقاط حكم الشاه محمد رضا بهلوي.
هكذا نفهم مدى تأثير حزمة القرارات السعودية الإصلاحية وسط أجواء التوتر التي تسود الإقليم، وقدرتها على اختراق الدولة الفارسية الثيوقراطية، التي نجحت عام 1979 إبان الثورة الخمينية في التأثير سلبيًا على المحيط العربي، نتج عنه مسار عقائدي موازٍ في الهدف، مناهض في الاتجاه، استمر عقودًا تحكمه المعطيات الإقليمية غير القادرة على إزاحة ركام القرون الماضية في تجاوز العقدة التاريخية بين المذهبين.
ما سبق يعني أن التحالف والبناء بين الحضارات، لا يمكن تنحيته والعمل على تحقيق التوسّع العقائدي السياسي المتركّز في منهج الولي الفقيه، وإقصاء الاستقرار والأمن والسلم، والإمعان في قهر إرادة الـشعب واضطهاده، داخليًا وخارجيًا، ومـنعـه من الـتمتع بـحريـته واسـتقلاله دون امتعاض من وطأة العقوبات الدولية المفروضة سنوات على إيران، بينما الدولة الإقليمية المنافسة تحارب التطرف والغلو والإرهاب وتكافح الفساد من الأعلى إلى الأسفل، باذلة جهدًا واسعًا في مصالحة الداخل للتغلب على العقبات والعثرات في إقامة أسس جديدة قوية راسخة ليس من باب الخوف والتحصّن من التحولات الإقليمية، بل من باب الإقرار بالحق والعدل في المساواة بين فئات وطبقات المجتمع.
ندرك الآن، نجاعة إجراءات الملك سلمان التطويرية للمملكة، في تقوية جبهة الداخل، وعدم الركون لمتغيرات الخارج والسماح لها بالنفاذ من متطلبات المواطن الأساسية في تشكيل حركات إصلاحية تمزق وحدة الوطن بإشاعة الكراهية والعنصرية وتأليب الرأي العام على الدولة، وهي أساليب منافية لطبيعة المواطن السعودي الذي جُبِل، بفضل الله، على وحدة الصف والتلاحم والتكاتف والتعاضد مع القيادة، وهذا مؤشر علاقة وطيدة وشعور من القيادة بأهمية التركيبة الاجتماعية الواحدة في صناعة التغيير من أعلى هرم في السلطة.
هنا نستطيع قياس حال النظامين السعودي والإيراني، وقدرة الأول على التحوّل والتموضع والاستقرار حيث يشاء ومتى أراد، في حين يعجز الثاني عن رسم خطوط مساره بعيدًا عن الرؤية الكونية التي تصبو إلى هيمنة رجل الدين والمؤسسات المرتبطة به على نشاط الإنسان وعلاقاته وأفكاره وقيمه ومعتقداته؛ ما يوضّح أن المشاركة السياسية والتعددية الحزبية لديه لا تعكس واقعًا ديمقراطيًا يعبّر عن احتواء التركيبة الوطنية ذات العرقيات القومية الفارسية والأذرية والجيلاك والأكراد والعرب والبلوشستان والتركمان، بقدر ما يفضح هشاشة واهتراء البناء السياسي للملالي في البلاد.
إذن، هذا النظام الآيل للسقوط، الذي حظي في بداية الثورة على بُعدٍ فكري قيادي شعبي حافظ على تكوينه حتى وفاة الخميني، تحوّل نتيجة فقدانه منظّر الثورة إلى خوض صراعات مكتومة في كافة المستويات، بدءًا من محاولات إيجاد الخليفة المناسب، وصولًا إلى المناصب الثورية المتعددة التي تضع التعبئة الشعبية العامة في يد المرشد الأعلى؛ ما ينبئ أن الممارسات السلطوية التي كانت تزعج المواطن وصلت الآن إلى النهاية.
كاتب وصحفي سعودي
@3bdulr2hmn
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر