السعودية والصين.. تحالف سياسي يعمق أزمة إيران | مركز سمت للدراسات

السعودية والصين.. تحالف سياسي يعمق أزمة إيران

التاريخ والوقت : الأحد, 17 مارس 2019

تدخل العلاقات السعودية الصينية مرحلة جديدة بعد زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أخيرًا، للصين. فالعلاقات الممتدة لنحو ثمانين عامًا تنطلق مجددًا نحو المزيد من التعاون السياسي والاقتصادي والعلمي، وتعد بالمزيد من الفرص وتبادل المنفعة بين الدولتين الكبيرتين.

تاريخ ممتد من العلاقات

بدأ التعاون السعودي الصيني، تحديدًا قبل 78 عامًا، حين مهدت المملكة لعلاقات مع الصين عام 1939، وبعد ست سنوات تمَّ توقيع أول معاهدة صداقة بين البلدين في 15 من نوفمبر 1946 في جدة. لكن العلاقات انخفضت، ولم تنقطع بين عامي 1949 و1979، إذ لم تكن بالمستوى الرفيع بين البلدين، وبدأت في العودة مجددًا عندما استعادت الصين علاقاتها الدولية، فكان الحجاج الصينيون يأتون إلى الأراضي المقدسة بالسعودية، وتمَّ الاتفاق على تصدير المنتجات الصينية إلى الأسواق السعودية، وانتهت بعودة العلاقات الرسمية بعد توقيع اتفاقية شراكة سياسية وتفاهم بين الرياض وبكين في 21 يوليو1990م.

وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات الدفاعية كانت قد بدأت عام 1980عندما اتفقت السعودية مع الصين في عام 1988 للحصول منها على نحو 50 صاروخًا من نوع “دونغفنغ3” متوسطة المدى.

تعاون قوي وشراكة على مستويات عليا

بين عامي 1991 و1998 انتقلت العلاقات بين البلدين إلى مستويات أعلى وآفاق أرحب، إذ شهدت هذه الفترة نحو 16 زيارة لمسؤولين كبار وتوقيع اتفاقيات هامة في مجالات متعددة، توِّجت بزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، عندما كان وليًا للعهد عام 1998، وكانت – آنذاك – أرفع الزيارات من قبل الجانب السعودي لدولة الصين، ووصف فيها الملك عبدالله، الصين بأنها أفضل صديق.

وكان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، قد زار الصين عندما كان وليًا للعهد عام 2014، وعقد مباحثات هامة في مجالات عدة سياسية واقتصادية وعسكرية.

وخلال زيارة الرئيس الصيني للمملكة في يناير الماضي، تمَّ تحويل العلاقات بين البلدين لعلاقات استراتيجية شاملة، وتمَّ الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة رفيعة المستوى، وتوقيع 14 اتفاقية في مجالات متعددة منها الفضاء والعلوم.

تعاون اقتصادي كبير

تعدُّ السعودية شريكًا كبيرًا للصين على المستوى الاقتصادي، فهي المزود الأكبر للصين بالنفط، متجاوزة دولة أنجولا بغرب إفريقيا، وتصدر شركة “سابك” بتروكيماويات بنحو ملياري دولار سنويًا.

نمت العلاقات التجارية بين السعودية والصين في الفترة من 2000 إلى 2005 بنحو 59%، وبلغ حجم التبادل التجاري عام 2008، 32 مليار يورو.

وتؤكد السعودية دومًا قدراتها النفطية لدى الصين، ففي عام 2004 استثمرت في القطاع النفطي مبالغ كبيرة، فاستثمرت أرامكو ثلاثة مليارات دولار لبناء منشأة للبتروكيماويات في مقاطعة “فوجيان” جنوب شرق الصين، التي تعالج ثمانية ملايين طن من النفط الخام السعودي.

وفي عام 2006، وافقت المملكة والصين على بناء منشأة لتخزين النفط في جزيرة “هاينان” في الصين. وفي 6 إبريل 2012، أعلنت شركة “سابك” خطة استثمارية جديدة بقيمة 100 مليون دولار لإنشاء مركز تكنولوجيا جديدة في شنغهاي.

تعاون في كل المجالات

لم يقتصر التعاون على الجانب السياسي والاقتصادي فقط، وإنما امتد إلى العلوم الثقافية، بل والمساعدات الإنسانية التي قدمتها المملكة إلى الصين، وعلى سبيل المثال، تلك التي قدمتها في مايو 2008 عقب زلزال مقاطعة “سيشوان”، إذ كان تبرع الملك عبدالله – آنذاك – أكبر مساعدة خارجية وقدِّر بـ50 مليون دولار، ثم 10 ملايين أخرى، بالإضافة إلى تقديم المملكة 1460 غرفة متنقلة و 1.5 مليون دولار لإعادة الإعمار.

وكانت السعودية هي ضيف الشرف لمعرض بكين الدولي للكتاب في دورته العشرين عام 2013.

حصار لإيران

تمثل زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، استراتيجية جديدة في الشأن السياسي الدولي، والانفتاح على الشرق والغرب وكافة القوى الفاعلة في العالم. وتعدُّ زيارته الأخيرة للصين وهند وباكستان، والنجاح الكبير الذي حققته والاتفاقيات التي وقعت بها، تطويقًا للنظام الإيراني من قبل الشرق، بعد تطويقه من الغرب. فانفتاح هذه الدول المهمة في آسيا على السعودية وزيادة التعاون بينهما ينتقص – بالضرورة – من فرص النظام الإيراني ويجعل قدرته على المناورة والاستفادة من تباين العلاقات الدولية أقل.

فرغم أن الصين تعارض علنًا مقاطعة طهران، فإنها تخلت عن النفط الإيراني واتجهت إلى السعودي، وهو ما يزيد الخناق على النظام الحاكم هناك، ويزيد من الضغط الشعبي على نظام الملالي الحاكم نتيجة الفشل الاقتصادي، وعدم القدرة على توفير احتياجات المواطن، وارتفاع مستوى المعيشة؛ وهو ما تمثل في خروج احتجاجات كبيرة وواسعة في المدن الإيرانية في الفترة الأخيرة.

اللغة الصينية والانفتاح شرقًا

جاء الاتفاق أثناء زيارة الأمير محمد بن سلمان الأخيرة للصين، على إدراج اللغة الصينية ضمن المناهج الدراسية بالسعودية، بمثابة الانفتاح نحو الشرق وعدم الاعتماد على اتجاه واحد في التعليم أو لغات معينة، وعلى رأسها الإنجليزية. فالصينية ليست أقل شأنًا على المستوى العالمي، بل تعدُّ من أكثر لغات العالم تحدثًا، حيث التعداد الأكبر من السكان بدولة واحدة يوجد في الصين. ثم إنها أصبحت لغة شديدة الأهمية في عالم المال والأعمال في آسيا وعلى المستوى العالمي، خاصة أن الصين تحتل مكانة قوية اقتصاديًا.

ومن شأن هذه الخطوة الرائدة أن تحقق تنوعًا ثقافيًا وفكريًا لدى السعوديين، إذ سينفتحون على ثقافة أخرى كبيرة ويفهمون شعوبًا لها تأثير كبير على العالم؛ وهو ما من شأنه تعزيز التعاون السعودي الصيني ورفع الأهمية الاستراتيجية بين الدولتين الكبيرتين، وانعكاس ذلك على المواقف السياسية على الصعيد العالمي.

استشراف وتوقعات مستقبلية

وفقًا للنتائج الهامة التي حققتها زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، للصين والهند وباكستان، يمكن استشراف عدد من النتائج الهامة التي تصب في صالح المملكة، سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا على المستوى الداخلي، وأيضًا على المستوى الخارجي، ومنها:

أولاً: فيما يتعلق بالسياسة الخارجية فإن التقارب والتعاون الكبير بين السعودية والصين، وأيضًا الهند وباكستان، سيدفع من عملية تشديد الحصار على النظام الإيراني وإفقاده العديد من الأوراق، خاصة أنه يعاني مقاطعة عالمية واسعة. ويمكن ملاحظة تأثير ذلك عندما تتخلي الصين عن النفط الإيراني، وهو ما سيعمق أزمة النظام في الإنفاق على حروبه ومغامراته وتدخلاته في دول المنطقة كالعراق وسوريا واليمن.

ثانيًا: ستعزز التفاهمات والاتفاقيات الأخيرة من صورة ومكانة المملكة العربية السعودية على الصعيد العالمي، فهي أصبحت شريكًا اقتصاديًا وثقافيًا مهمًا لدول كبيرة، وستجعل من عملية التقارب في المواقف الدولية أكثر سهولة بما يخدم التوجهات الوطنية السعودية.

ثالثًا: ستشكل نتائج الزيارة دعمًا قويًا للاقتصاد السعودي وفتح أسواق جديدة أمامه بما يدعم عملية التصدير، وأيضًا تنفيذ مشاريع كبرى تصب في مصلحة المواطن وتطوير الخدمات المقدمة له.

رابعًا: على المستوى العلمي والثقافي، ستسمح الاتفاقات بتطوير المجال التعليمي والعلوم في السعودية بما يجعلها رائدة في الشرق الأوسط، وأيضًا سيمنح تعليم اللغة الصينية للسعوديين آفاقًا أرحب وتنوعًا ثقافيًا كبيرًا يمكنهم من التواصل مع العالم.

وحدة الدراسات السياسية*

المراجع

1- العلاقات السعودية الصينية.. ترابط اقتصادي وتوافق سياسي، سبق.

https://sabq.org/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B7-%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D9%88%D8%AA%D9%88%D8%A7%D9%81%D9%82-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A

 

  • العلاقات السعودية – الصينية.. 80 عامًا من الشراكة والمصالح الكبرى، الرياض.

http://www.alriyadh.com/1739632

 

  • العلاقات السعودية الصينية. . ترابط اقتصادي وتوافق سياسي، العين.

https://al-ain.com/article/saudi-arabia-china-trade

 

  • الملحق الثقافي في الصين: العلاقات السعودية الصينية تشهد تطورًا في المجالات كافة، واس.

https://www.spa.gov.sa/1888546

 

  • بدء تدريس اللغة الصينية بمناهج التعليم السعودي، اليوم السابع.

https://www.youm7.com/story/2019/2/23/%D8%A8%D8%AF%D8%A1-%D8%AA%D8%AF%D8%B1%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%BA%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%85%D9%86%D8%A7%D9%87%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%89/4150380

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر