سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
لا شك في أن دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، قادة دول الاتحاد الإفريقي لعقد قمة (سعودية – إفريقية) بالرياض قريبًا،تحمل رؤية استشرافية ذات مغزى، وتنمُّ عن فهم عميق، يحمل بين طياته أبعادًا استراتيجية متعددة الأوجه، تتأتى تباعًا عبر تفعيل التعاون والتحالفمع دول القرن الإفريقي.
ومن المؤكد، أن لدعوة خادم الحرمين، للقمة المرتقبة،تداعيات وتبعات إيجابية، تعود بالنفع على المنطقة العربية بأسرها، وفقًا لما طفى على السطح أخيرًامن مستجدات، وأحداث أثرت في طبيعة الوضع العربي كافة، وأثبتت جدية تعزيز وتكريس العلاقات الإفريقية في خلق دور إيجابي جديد يخدم استقرار المنطقة.
وفي هذا التقرير نرصد بالوقائع والتحليل والاستشراف، أهمية العلاقات السعودية الإفريقية على أكثر من صعيد.
للدعوة الملكية للقمة (السعودية – الإفريقية) وجاهتها، وأهدافها الاستراتيجية، فبحسبمبادئ المملكة المعروفة عنها في مجال العلاقات الخارجية الدولية، فإنها تحرص على إقامة علاقات متكافئة مع القوى الكبرى التي ارتبطت معها بشبكة من المصالح التي يمكن وصفها بأنها جاءت كانعكاس لدورها المحوري المتنامي في العالمين العربي والإسلامي، والتي سعت من خلالها إلى توسيع دائرة التحرك السعودي على صعيد المجتمع الدولي؛ لذا تحاول المملكة أن تتفاعل مع مراكز الثقل والتأثير في السياسة الدولية، آخذة في الحسبان كل ما يترتب على هذه السياسة من تبعات ومسؤوليات.
ومن ثم جاءت دعوة خادم الحرمين للقمة، لتؤكد أن التعاون السعودي على وجه الخصوص، والخليجي والعربي عمومًا، مع دول الاتحاد الإفريقي، يحمل آليات نجاح مزدوجة، فهو من جهة الجانب السعودي الخليجي العربي، أداة وطريق للاستثمار الناجح اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا.
كما تعد السعودية، والعالم العربي ككل، الأقرب جغرافيًا والأوثق تاريخيًا في العلاقات النزيهة مع دول القرن الإفريقي، بخلاف البراجماتية المعروفة عن العالم الغربي.
لماذا دعوة خادم الحرمين الشريفين لعقد قمة (سعودية – إفريقية) قريبًا في غاية الأهمية؟
بحسب استراتيجيات المملكة العربية السعوديةالمستقبلية، وكذلك لدورها الإقليمي الريادي، فإنه يلزمها بناء استراتيجيات جديدة، وتأسيس علاقات ثقة متينة مع الدول الإفريقية، لما تتضمنه الشراكة الحقيقية من أهمية بالغة في خلق حصانة للعمل المشترك والتعاون الاقتصادي والسياسي والأمني، على المستوى الثنائي والمستويين العربي والإسلامي، ونذكر فيما يلي عددًا من الأسباب في هذا الصدد:
• الوضع الإقليمي الحالي يعيش حالة من السيولة السياسية، ولم تعد التحالفات (العربية – العربية) كافية لمواجهة التحديات الراهنة.
• ضرورة فتح وتعزيز فرص تعاون، وتنسيق مع قوى دولية جديدة، وتكوين معادلة سياسية اقتصادية عسكرية، لخلق توازن لموازين القوى في المنطقة.
• تمثل منطقة القرن الإفريقي بالنسبة للسعودية، موقعًا استراتيجيًا هامًا، كونها تخدم تأمين باب المندب، وتدعم عملياتها العسكرية في اليمن.
• تعد القارة السمراء مصدرًا جاذبًا بقوةٍ للاستثمارات المالية والبشرية، فهي قارة بكرمليئة بكل صنوف الخيرات، من طاقة نظيفة شمسية، ونفط وغاز وأراض زراعية، ووفرة كبيرة في الأيدي العاملة.
• تحالف جديد يتوافق مع خطة 2030، التي يرسم آفاقها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، والتي تسمح للاقتصاد السعودي بالنمو والازدهار، بأفكار من خارج الصندوق التقليدي لريع النفط، بجانب توفير وتحقيق الأمن الغذائي السعودي.
• تحمل بعدًا استراتيجيًا يتصل بالأمن القومي للمملكة من ناحية، ولدول الخليج وبقية العالم العربي من ناحية ثانية، وهو ما يتضح جليًا في الأفق لسببين:
1- مكافحة الإرهاب والعنف والتطرف، الذي وجد له، منذ وقت قريب، حواضن فكرية وبشرية في الداخل الإفريقي، بضغطالحاجة المادية والفقر في بعض المناطق، واكتسب فعليًا في هذا الصدد، عناصر جديدة على سبيل الارتزاق، ولا سيما هروب الكثير من عناصر تتبع “داعش” إلى إفريقيا عقب هزائمه المتتالية في سوريا والعراق.
2- مجابهة المحاولات الإيرانية داخل القارة السمراء، لنشر التشيع عبر الإغراءات المالية، وعمليات تجنيد مرتزقة من الأفارقة ضمن صفوف الميليشيات الشيعية الإيرانية.
لهذه الأسباب تسعى دول إفريقيا للتعاون مع المملكة
وعلى الجانب الآخر يحمل التعاون مع السعودية،فرصة ذهبية لدول القارة السمراء، وطاقة أمل للخلاص من الاستغلال الاستثماري للدول الاستعمارية التاريخية؛ لهذا ترى الدول الإفريقية في الرياض شريكًا موثوقًا به لعدة اعتبارات، أهمها على سبيل المثال لا الحصر:
• تمتع المملكة بمكانة دينية كبيرة لدى المسلمين في كل بقاع الأرض، وفي إفريقيا خصوصًا التي تضم أعدادًا كبيرة منهم.
• تمتع الرياض بموارد مالية ضخمة، سواء الاحتياطات المالية للدولة، أو الثروات الخاصة للأفراد والمؤسسات، وسعي المملكة الدؤوب لإيجاد فرص مناسبة للاستثمار في الخارج.
• أهمية دور المملكة المحوري في صنع الأحداث المهمة والملحة، ومن بينها استقرار أسواق الطاقة والاقتصاد الإقليمي والدولي، كونها عضوًا مهمًا في مجموعة أقوى عشرين اقتصادًا عالميًا.
تاريخ العلاقات السعودية الإفريقية
معلوم أن دول القرن الإفريقي، تضررت كثيرًا منالتدخلات الأجنبية الغربية عبر التاريخ، ولم تهنأ مرة بالاستقرار بسببها، بخلاف تلك الفترات التي شهدت فيها القارة الإفريقية استقرارًا ملحوظًا، وكان ذلك بفضل العلاقات العربية الإفريقية، خلال مراحل التاريخ المختلفة سواء قبل ظهور الإسلام،أو بعده.
وفي أواخر الستينيات ومع بداية السبعينيات،شهدت القارة السمراء استقرارًا نموذجيًا بفعلعلاقتها مع القوى العربية، التي مثلت نموذجًامثاليًا، سمح بوجود أعداد كبيرة من العرب في إفريقيا. وهذا – قطعًا – له تأثير بارز على التبادل المشترك على مستوى الأطر الثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، والأمنية.
وخلال أربعة عقود ماضية نجحت المملكة في تقوية العلاقات الإفريقية، إذ قدمت المملكة كل دعم وعون إنمائي واقتصادي للدول الإفريقية.
وفي الواقع، تمثل السعودية شريكًا مثاليًا لدول شرق إفريقيا: أثيوبيا، وأوغندا، وتنزانيا، وكينيا، وجيبوتي. وتعتبر الدول الإفريقية الخمس، سوقًا ضخمة تضم نحو 190 مليون مستهلك، وتعد أسرع الاقتصادات الإفريقية نموًا.
وغطى الاستثمار السعودي في السودان جميع المجالات، بخاصة المجال الزراعي والصناعي والخدمي، إذ تعد السعودية صاحبة أكبر الاستثمارات الزراعية في السودان بنحو 250 ألف فدان في ولاية نهر النيل، وشمال السودان.
ويعد الاستثمار السعودي في أثيوبيا، واحدًا منأكبر الاستثمارات في منطقة شرق إفريقيا، إذ تنتج إحدى الشركات السعودية في أثيوبيا ما يزيد على عشرة آلاف طن من البن من مزارعها، وتصدر 70% من الإنتاج للخارج. وتستثمر السعودية في أثيوبيا بكثافة في مجالات البناء والزراعة والتعدين والفنادق والمستلزمات الطبية والصحية والتعليم.
وسبق أن عقدت السعودية نحو 16 اتفاقية، زرعت بموجبها ما يقارب مليوني هكتار، خمس اتفاقيات منها في إثيوبيا وحدها، إضافة إلى السودان والسنغال وجنوب السودان.
وبجانب التعاون الاقتصادي، قدمت السعودية دعمًا ثقافيًا هائلًا للأفارقة عبر البعثات الثقافية والتعليمية والملاحق الدينية في السفارات السعودية، وشيدت العديد من المراكز الإسلامية والمساجد، إضافة إلى وجود أعداد كبيرة من الطلاب الأفارقة يدرسون في الجامعات والمعاهد العليا السعودية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أمرين، لما لهما من دلالة على قطع السعودية شوطًا كبيرًا في تعزيز روابط العلاقة مع دول القرن الإفريقي:
1- الوجود الإفريقي المميز في القمة الإسلامية الأميركية بالرياض، إذ شهدت القمة التي انعقدت في نهاية شهر مايو/ أيار الماضي، مشاركة كبيرة من قادة ورؤساء عدد كبير من الدول الإفريقية.
2- فيما يخص المقاطعة العربية لدولة قطر، فقد أيدت العديد من الدول الإفريقية المقاطعة، إذ قطعت موريتانيا العلاقات الدبلوماسية معقطر، واتبعتها حكومة شرق ليبيا،وموريشيوس، وجزر القمر، في حين استدعتتشاد سفيرها من الدوحة للتشاور، واستدعت أيضًا السنغال مبعوثها من الدوحة، وأعلنت عن تضامنها الفعلي مع السعودية، وهو الأمر نفسه التي قامت به النيجر، فيما اكتفت الجابون باستنكار أفعال قطر، وأعلنت جيبوتي تخفيض تمثيلها الدبلوماسي مع الدوحة، تضامنًا مع التحالف العربي لمكافحة الإرهاب.
ازدهار الاستثمار في إفريقيا.. ومستقبل اقتصادي مضمون
استطاعت العديد من دول إفريقيا خلال السنوات الماضية، لفت أنظار العالم، لما حققته من – بخاصة الدول جنوب الصحراء- معدلات نموسريعة وثابتة، وكذلك تحقيق أدنى معدلات التضخم خلال الثلاثة عقود الماضية، ما أدى إلى انخفاض مستويات الفقر المرتفع، فقد سجلت إفريقيا معدل نمو متوسط بلغ 5,4% على مدى العقد الماضي.
ومن المعروف، أن الدول الإفريقية اهتمت بتهيئة بيئاتها الاستثمارية، بعد تجاوزها المرحلة الحرجة، التي كانت تتسم خلالها بأوضاع سياسية غير مستقرة، وضعف معدلات النمو، وعدم ملاءمة السياسات الاقتصادية المتبعة فيها؛ إذ نجحت في إيجاد بيئة استثمارية مناسبة، بعد مراجعة سياساتها الاقتصادية، وسنَّ تشريعات وقواعد ولوائح جديدة تدعم الاقتصاد وتشجع على الاستثمار.
كما استحدثت الكثير من دول إفريقيا، هيئات ومؤسسات لتنظيم الاقتصاد والاستثمار، وضعت عددًا من القواعد التي يسَّرت شروط الاستثمار، والحد من المخاطر، والشفافية، وضمان نقل الأموال، والإعفاء من الرسوم الجمركية؛ لذا تسارع الكثير لناحية الاستثمار في إفريقيا.
مستقبل العلاقات (السعودية ــ الإفريقية)
من المتوقع، أن مستقبل العلاقات السعودية الإفريقية، يحمل المزيد من التطور الإيجابي، والإنجازات المتعددة على كافة الصعد. ومن المنتظر ازدياد كثافة العلاقات المشتركة عامة، بهدفتحقيق المصالح الاستراتيجية لمنظومة الشراكة.
ومن المنتظر، وضع خارطة طريق مستقبلية في أثناء انعقاد (القمة السعودية –الإفريقية) المرتقبة، وفقًا لما تشير إليه التوقعات بالتوصل إلى علاقات مستقبلية مزدهرة لكافة الأطراف المعنية.
ومن المتوقع أيضًا، أن نجاح التجربة سيفيدالسعودية في تفعيل وتنويع علاقاتها بدول القارة الإفريقية، خاصة أنها تمتلك الدور الديني، والقوة الاقتصادية، والدور الإقليمي، والثقل الدولي الذي يؤهلها للقيام بدور القائد للعلاقات العربية الإفريقية.
وما سبق يؤدي بالضرورة إلى النجاح في تشكيل تحالف عربي قوي في عمق القارة الإفريقية، وهو التحالف الذي يتكون من الثلاثي (السعودية ومصر والإمارات)، المعروف عنه تميزه بترابط قوي وتوافق في المصالح والأهداف المشتركة.
وحدة الدراسات السياسية*
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر