سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
زيد الشكري
زخم هائل من التغطيات الإعلامية لكبريات وسائل الإعلام العالمية تتزامن مع زيارات الأمير محمد بن سلمان لمصر، والمملكة المتحدة، وفرنسا، والولايات المتحدة. وبلا شك، كشأن العمل الصحافي دائماً وتماهياً مع فلسفة المؤسسة الصحفية، تنوعت هذه التغطيات في تعاطيها مع الزيارة، لكن الملفت في معظم هذه التغطيات، أنه حتى في المؤسسات الإعلامية ذات الميل التقليدي غالباً إلى نقد المملكة، إلا أنها لم تجد بدّاً من الاعتراف بأن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يقود حملة إصلاحات جذرية تحتاجها المملكة منذ زمن، وهي الحملة التي لم يجرؤ أحد على القيام بها من قبل في “المملكة المحافظة”، وفق الوصف الدارج والمحبَّب لكثير من الصحف الغربية عند الحديث عن السعودية.
تغطياتٌ رغم تباينها إلا أنها تقرر إجماعاً بين الفرقاء على وجوب الاحتفاء بتوجه الأمير الإصلاحي، في تفسير يعكس إدراك العالم أن التغيير الذي يحتاجه العالم الإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط يجب أن يبدأ من السعودية لأنها الوحيدة المؤهلة للعب هذا الدور، الذي حاول زعماء دول أخرى في المنطقة لعبه، غير أنهم لم يفلحوا في ذلك. هذا ما نقرأه ونحن نتابع تغطيات الزيارات المرتقبة في المؤسسات الصحفية الغربية لصورة الأمير المتوثب نحو التغيير الذي من شأنه أن يضفي على وجه “المملكة المحافظة” حيويةً ونضارةً كانت بحاجة إليهما منذ سنوات.
وعندما قال وزير الخارجية البريطاني في مقاله الذي نشره في الثاني من مارس بصحيفة التايمز بعنوان “المصلح السعودي الأمير محمد بن سلمان، يستحق منّا الدعم”، أنه ليس ثمة شك بأن مستقبل المنطقة والعالم الإسلامي وليس السعودية وحدها يعتمد على نجاح الأمير محمد بن سلمان في مسعاه نحو التغيير، فإن الباحث ستيفن كوك قد أكد هو الآخر على ذلك في الفورين بوليسي عندما شدد على أنه يمكن نقد السعودية في أي شيء، غير أنه لا يمكن إنكار جاذبية إصلاحات الأمير للداخل السعودي والخارج على حد سواء، لافتاً إلى أن الجاذبية الأهم لمحمد بن سلمان تقع ضمن إصلاحاته في القضاء على التطرف ونشر الإسلام المعتدل، مبرراً ذلك بأنه يحمل وزنا أكبر من أي زعيم آخر في المنطقة لإنجاح هذا التغيير؛ نظراً للمكانة التاريخية والدينية للمملكة بين المسلمين.
وفي ضوء تغطية هذه الزيارات، لم تخلُ أيضاً من تناول سلبي ومتجنٍ، ومردُّه أن بعض المؤسسات الصحفية الغربية تخفق في نقل الواقع وقراءته كما هو في المملكة، وخصوصاً ما يتعلق بالإصلاحات التي يقودها الأمير محمد بن سلمان.
هذا أمر يعود في رأيي إلى ثلاثة أسباب، أولاً، جهل هذه المؤسسات ببنية المجتمع السعودي ومكونات الثقافة المحلية ومحركاتها، والتي تختلف عندما يتعلق الأمر بالشأن السياسي حتى عن كثير من دول الخليج، فضلاً عن الدول العربية. الأمر الثاني وهو الأهم في رأيي، هو أن بعض المؤسسات الغربية تعتمد في قراءتها للمجتمع السعودي على وسيط، هذا الوسيط غالباً ما يكون عربياً (من خارج دول الخليج). ومع الأسف، فإنه علاوة على أن العربي نفسه قد لا يكون مؤهلاً لفهم كيف يفكر السعوديون وفق ثقافتهم الشعبية ورؤيتهم لمجتمعهم، فإنه يكون في الغالب منتمياً لبعض العرب المهاجرين، المتشبعين برؤية غير موضوعية أو لديه مواقف مسبقة بفعل انتماءات سياسية أو حزبية أو حتى طائفية ضد المملكة، لذا يكون ما يقدمونه للمؤسسات متأثراً ومصبوغاً بالخلفيات التي يخلصون لها وبالرؤى التي يبشرون بها.
الأمر الثالث، هو أن السعودية أهملت لسنوات طويلة النشاط على مستوى الاتصال الواسع مع دوائر التأثير في المجتمعات الغربية، الأمر الذي أوجد فراغاً مثالياً، وجد فيه أعداء السعودية مناخاً ملائماً لشيطنتها، وتشويه توجهاتها، وتكريس صور نمطية وسلبية عنها، لاسيما تلك التي تتناقض مع المزاج الغربي وتصادم قيمه.
وفي عقد زيارات الدول الأربع، تبقى بلا شك زيارة الولايات المتحدة هي الأهم من حيث حجم التغطية والتأثير، لاسيما أنها تشمل أكثر من 4 ولايات على درجة عالية من الأهمية، في دفع عجلة الاقتصاد العالمي من حيث طبيعة نشاطها، إذ لن نكون بصدد تغطيات سياسية فقط، بل سنشهد تغطيات واسعة عن التقنية حيث السيلكون فالي، وعمالقة التقنية والشركات الناشئة، وربما اتفاقيات في صناعة الطاقة والمحطات النووية في هيوستن، ولقاءات مهمة في مراكز مرموقة مثل معهد ماساشوتس للتكنولوجيا، الأمر الذي سيحرر التغطيات الصحفية من إطارها السياسي الصرف إلى مجالات أرحب، تعزز صورة توجه السعودية الجاد نحو بناء اقتصاد حقيقي منتج لا يبقى عالة على إدمان مصدر غير مستدام، وهو النفط.
كاتب وباحث في الصحافة ووسائل الاتصال*
@alshakri
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر