عندما قام الكاتب سيمون إنجز بتجميع موجز ضخم وواف، استقاه من مائة قصة من أكثر القصص المثيرة عن الروبوتات، كان شيء واحد مشترك بينها قد سبب له صدمة: مدى الخطأ الذي وقعت فيها كلها.
في تخيلات كتاب الخيال العلمي وصناع الأفلام التي يحفزها الإفراط في تناول الكافيين، كانت الروبوتات دائما ما تصور تقريبا على أنها ابتكارات شبيهة بالإنسان، وأنها تستطيع أن تساعد البشر وتعتني بهم. لكن الحقيقة هي، أن الروبوتات الشبيهة بالبشر ما زالت رديئة في التفاعل معنا في العالم المادي، إذا ما قورن ذلك بالطرق المتنوعة والغريزية التي يتعامل بها البشر فيما بينهم.
لكن ما يتبين لنا هو أن كل ما تجيده الروبوتات التي تشبه الإنسان هو أداء مهام مملة ووظيفية ومتكررة، مثل: تنظيم حركة المرور على الطرقات، التي لا يوجد فيها أي ترفيه كبير. كان أول روبوت من هذا القبيل، الذي عرف فيما بعد بإشارة المرور، قد تم الكشف عنه بالقرب من مقر البرلمان في لندن 1868.
كتب إنجز في كتابه “نحن الروبوتات”: “كنا نتوقع منها أن تصبح أصدقاء لنا أو رفقاء أو حيوانات أليفة بأي حال من الأحوال. لكن ما حصلنا عليه كان بنية تحتية”.
هذا أمر يستحق منا التفكير فيه عندما يصرف انتباهنا ظهور روبوتات بشرية أقرب إلى الإنسان كما في روايات الخيال العلمي. وفي وقت سابق من هذا الشهر، وسط الضجيج المعتاد، كشف إيلون ماسك النقاب عن أول روبوت بشري مقدم من شركة تسلا، الذي أطلق عليه اسم أوبتيموس.
يبلغ طول الروبوت أوبتيموس الذي يقف على قدمين، 173 سنتمترا ويزن 73 كيلوجراما، وقد تم تصميمه لمحاكاة الإنسان. لكن عديدا من خبراء الروبوتات شعروا بخيبة أمل من الوظائف التي يقوم بها، مشيرين إلى أنه في بعض النواحي كان أقل إثارة للإعجاب من روبوت أسيمو، من شركة هوندا، الذي لعب في 2014 كرة القدم مع الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت، باراك أوباما.
بالمثل، كان الروبوت أيدا، الذي قدم أدلة أمام لجنة مجلس اللوردات في وقت سابق من هذا الشهر قد احتاج إلى إعادة تشغيله في منتصف الجلسة حتى يصبح الكلام الذي يقوله منطقيا، وهي سمة قد يقول بعضهم: إنها مشتركة مع بعض السياسيين البريطانيين الذين ظهروا على الساحة أخيرا.
قد تولد الروبوتات البشرية تغطية إعلامية وتثير مخيلة الجمهور، لكنها لن تستطيع تغيير اقتصاداتنا أبدا، أو حتى أن تصنع كوبا لذيذا من الشاي. لكن على النقيض من ذلك، شهد العام الماضي ارتفاعا غير معهود في عدد الروبوتات الصناعية والخدمية في المصانع والمستودعات وأماكن العمل حول العالم، ومن المؤكد أن يكون لذلك تأثير أكبر بكثير. في 2021، بدأ تشغيل أكثر من 517 ألف روبوت صناعي جديد، بزيادة 31 في المائة عن العام الذي سبقه، وبذلك وصل إجمالي الرصيد العالمي من الروبوتات إلى 3.5 مليون روبوت.
في تقريره السنوي الصادر هذا الشهر، أشار الاتحاد الدولي للروبوتات إلى أن “استخدام الروبوتات والأتمتة ينموان بسرعة مذهلة”. ونجد أن أكثر المتحمسين للروبوتات الصناعية موجودون في آسيا التي كانت حصتها 74 في المائة من مجموع عمليات توظيف الروبوتات العام الماضي. وقد تصدرت الصين هذا المجال بزيادة بلغت 51 في المائة، تليها اليابان والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.
المملكة المتحدة سجلت انخفاضا استثنائيا ونادرا بلغ 7 في المائة، ما جعلها تتخلف كثيرا في هذا المجال عن الاقتصادات المتقدمة الأخرى. وفي حين أن صناعة السيارات الألمانية وظفت 1500 روبوت لكل عشرة آلاف موظف، تقف الأرقام في بريطانيا عند 824 روبوت فقط.
هذه الطفرة العالمية في تبني استخدام الروبوتات تدفعها اتجاهات عدة: الطلب المتزايد على المنتجات المصغرة ذات التكنولوجيا العالية، وتعطل سلاسل التوريد العالمية بسبب جائحة كوفيد، والحوافز الناتجة عن إعادة التصنيع، إلى جانب النقص في اليد العاملة على نطاق واسع.
يقول باتريك شوارزكوف، عضو مجلس الإدارة التنفيذي في شركة أي إف آر: “إننا نجلس على ما يشبه قنبلة ديموغرافية موقوتة في عديد من البلدان. لا يوجد لدينا ما يكفي من الأشخاص الذين يمكنهم القيام بالأشياء يدويا”.
يلاحظ شوارزكوف أن الجدل القائم حول استخدام الروبوتات بدأ يتطور سريعا. ففي حين حذر بعض الاقتصاديين في السابق من أن الروبوتات التي يدعمها الذكاء الاصطناعي ستنهي عددا كبيرا من الوظائف التي يقوم بها البشر، يرى صانعو السياسات الآن حاجة ملحة إلى تسريع الأتمتة لسد الفجوات في القوى العاملة، بسبب تقاعد جيل طفرة المواليد “المواليد بين عامي 1946 و1964”.
حتى في ظل معدلات الهجرة المرتفعة الحالية، فإن القوى العاملة الألمانية القوية البالغة 45 مليونا من المنتظر، بحسب شوارزكوف، أن تتقلص بمعدل يراوح بين أربعة وستة ملايين شخص بحلول 2035.
يشير ذلك إلى أن على مجتمعاتنا أن تصبح أكثر إبداعا من معظم كتاب الخيال العلمي في تخيل أفضل السبل للتعاون مع الروبوتات. بدلا من مقارنتها بالبشر باستمرار، يجب أن نستغل قدراتها التي تكملنا.
وكما أشارت سينثيا يونج عالمة الروبوتات، فإن هوسنا بالروبوتات البشرية التي تقلد ما يمكن أن يفعله البشر يمثل تأكيدا على شكلها أكثر من الوظيفة المناطة بها. من الأفضل بكثير للوظيفة أن تستوحى من الشكل. لنبدأ بالاحتياجات البشرية ولنقم بعكس هندسة الروبوت ليقوم بأكثر الأمور التي يتقنها.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!