سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
روبرت سكيدلسكي
كانت مزاعم المستشار الأميركي السابق “روبرت مولر” عن هجوم منسق من قِبَل عملاء روسٍ على النظام السياسي الأميركي بمثابة رسالة تنبيه للتهديد المتزايد للحرب الإلكترونية. ولكن في الوقت الذي يُنظر فيه الآن إلى المتسللين الروس على أنه أخطر تهديد للديمقراطيات الغربية، فقد تكون موسكو وواشنطن قد تقدمتا أكثر من غيرها في تأكيد قواعد الاشتباك.
وعلى الرغم من أن عدد الهجمات الإلكترونية قد تزايد في جميع أنحاء العالم لسنوات، فإن “مولر” يذهب إلى أن التدخل الروسي هو الذي أثار قلق العديد من الأميركيين بشأن التهديد. ولا يزال من غير الواضح إلى أي مدى كانت جهود الكرملين قادرة على تغيير نتائج الانتخابات الأميركية في عام 2016، لكن دليل التدخل نفسه كان أكبر مؤشر على كيف يمكن للتكنولوجيا الرقمية ووسائل الإعلام الاجتماعية التأثير على السياسة والأعمال.
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة واستمرار الاستخبارات الأميركية في اعتبار روسيا تهديدًا كبيرًا، يمكن أن يجادل البعض بشأن الحاجة إلى تعزيز الأمن السيبراني.
في السابق، كانت إدارة ترمب قد اتهمت الحكومة الروسية باستهداف شبكة الكهرباء الأميركية، وفي العام الماضي ألقت وزارة الأمن الداخلي باللوم على المتسللين الروس في التسلل إلى أنظمة التحكم الحاسمة في الأنظمة الكهربائية الرئيسية. لذا، فلا عجب من أن البيت الأبيض خصص هذا العام تمويلاً للأمن السيبراني بقيمة 15 مليار دولار، في حين أن الميزانية بأكملها لا تزال مجهولة بسبب “الطبيعة الحساسة لبعض الأنشطة”. وقد أشار تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” إلى أن واشنطن قامت بتصعيد الهجمات على شبكة الطاقة الكهربائية الروسية. ومع ذلك، نفى الرئيس دونالد ترمب تلك المزاعم بشدة.
وعلى الرغم من التعزيز الأمني على المستوى السيبراني على كلا الجانبين، فإن روسيا والولايات المتحدة ربَّما تكونان قد تجاوزتا بالفعل نقطة التحول في المواجهة. ومع أن هذا النوع من التبادل يبدو مثيرًا للقلق، فقد يُشار في الواقع إلى ظهور استراتيجية الردع في الفضاء الإلكتروني بين خِصمَي الحرب الباردة السابقَين، والتي يمكن أن تحدد قواعد الاشتباك المتبادلة. وفي الواقع، ربما تكون الدولتان قد اتفقتا على الامتناع عن استخدام الحرب الإلكترونية على نفس النطاق كما كان من قبل، مع الاعتراف بتكافؤ التنازل المدمر المحتمل.
إن مثل هذه الاستراتيجية، إذا تمَّ تنفيذها فعليًا، فستضيف الضوابط والتوازنات إلى العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، وتساعد أيضًا في تجنب الإضرار بالتسلل، وحتى إتاحة مجال أكبر للتعاون على المدى المتوسط. لكن في حين أن موسكو وواشنطن ربَّما تعلمتا الدروس بالطريقة الصعبة، فإن الوضع العام في الفضاء الإلكتروني يستحق قلقًا أكبر.
ففي العام الماضي، نتج عن ما يقدر بنحو مليوني هجمة إلكترونية، خسائر في جميع أنحاء العالم بأكثر من 45 مليار دولار. وقد توقعت المزيد من الدراسات أن يصل الضرر العالمي السنوي المرتبط بجرائم الإنترنت إلى 6 تريليونات دولار بحلول عام 2021. بينما أشار تقرير آخر إلى أن الشركات يمكن أن تتكبد 5.2 تريليون دولار كتكاليف إضافية وخسارة في الإيرادات نتيجة للهجمات الإلكترونية خلال السنوات الخمس القادمة. وقد كشف موقع “أونلاين ترست اللايانس” Online Trust Alliance OTAعن أن الأضرار الناجمة عن ذلك ارتفعت بنسبة 60٪، وتضاعفت خسائر هجمات البريد الإلكتروني عبر حلول الأعمال، وزادت أيضًا أضرار التشفير ثلاثة أضعاف. وقد ادعى تقرير صادر عن مكتب التحقيقات الفيدرالي حول الوقاية، أن أكثر من 4000 هجوم تحدث يوميًا.
وابتداءً من عام 2015، كانت الولايات المتحدة البلد الأكثر تضررًا من الهجمات الإلكترونية المستهدفة، تليها المملكة المتحدة وألمانيا. وعلى الرغم من أن أمن البنية التحتية ومؤسسات الدولة لا يزال يمثل أولوية قصوى، فإن معظم الهجمات الإلكترونية تعتبر أدوات تطبقها كلٌّ من الدول والشركات لتحفيز الميزة الاقتصادية.
ووفقًا لـ”رويترز”، “تعدُّ الهجمات الإلكترونية التي ترعاها الدولة بمثابة خطر ناشئ وهام على المؤسسات الخاصة التي ستشكل تحديًا متزايدًا لتلك القطاعات من عالم الأعمال التي توفر أهدافًا مناسبة لتسوية الإشكاليات الجيوسياسية”.
وقد ادعت وسائل الإعلام الصينية هذا العام أن معظم الهجمات الإلكترونية ضد الصين إنما مصدرها هو الولايات المتحدة. وفي المقابل، ادعى تقرير أصدره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، أن الصين كانت أكبر مصدر للهجمات في الفضاء الإلكتروني منذ عام 2006، تليها روسيا.
ففي ديسمبر الماضي، اتهمت الولايات المتحدة، بالتنسيق مع الدول الأخرى، بكين بتنفيذ حملة تجسس إلكترونية استمرت 12 عامًا تستهدف الأسرار التجارية للشركات في 12 دولة. وتصاعدت التوترات بين الولايات المتحدة والصين بشكل أكبر بعد النزاعات التجارية وتحول مواقف البيت الأبيض تجاه بكين. وفي فبراير، ذكرت الشركات والوكالات الحكومية الأميركية أن الشركات العملاقة، مثل: “بوينغ”، و”جنرال إلكتريك للطيران”، و”تي موبايل”، كانت من بين الأهداف الأخيرة لجهود التجسس الصناعي الصينية.
فيما سبق، أبرمت الصفقة التاريخية بين الرئيس الأميركي – آنذاك – باراك أوباما ونظيره الصيني “شي جين بينغ” بشأن التجسس الإلكتروني، وكانت شكلاً من أشكال الردع، لكن الآن يبدو أنها لم تعد قائمة.
وعلى الرغم من أن الحرب الإلكترونية بين الولايات المتحدة والصين تبدو مقلقة، فقد تميزت السنوات الأخيرة أيضًا بزيادة الهجمات التي يشنها المتسللون المرتبطون بالأنظمة في كوريا الشمالية وإيران.
وقد ادعى مسؤولو وزارة العدل الأميركية أن “بيونغ يانغ” تواصل دعم القرصنة المصرفية للتعويض عن الخسائر الناجمة عن العقوبات، في حين أن بعض المتسللين استهدفوا هيئات حكومية أميركية. كما أكدت الأمم المتحدة أيضًا أن المتسللين الكوريين الشماليين حصلوا على حوالي 670 مليون دولار بالعملة الأجنبية والعملات المشفرة من 2015 إلى 2018 وكانوا يواصلون أنشطتهم على الرغم من تحقيق تقدم في المفاوضات مع إدارة ترمب.
مع ارتفاع التوترات العسكرية بين واشنطن وطهران ووصولها إلى حافة الانهيار، يبدو أن الصراع قد حدث بالفعل في الفضاء الإلكتروني. فالتقارير الأخيرة تزعم أن إيران قد زادت من هجومها على الحكومة الأميركية والبنية التحتية الحيوية. وفي المقابل، بدا أن القيادة الأميركية على الإنترنت تقوم بهجمات عبر الإنترنت ضد مجموعة استخبارات إيرانية. إذًا، فمن غير المرجح أن تهدأ التوترات، وبالتالي الهجمات الإلكترونية في وقتٍ قريبٍ، أو قد يظهر شكلٌ من أشكال الردع.
أخيرًا، رغم أن روسيا والولايات المتحدة ما زالتا تتعاملان مع بعضهما البعض على أنهما خصمان، فقد تكون الدولتان قد تقدمتا أكثر من غيرها في تأكيد الردع على مستوى الفضاء الإلكتروني، ويبدو أنه جنبهما أخطار المواجهة على نطاق واسع. وفي المقابل، يمكن أن تؤدي ألعاب الإنترنت في الظل، وسط توترات جيوسياسية مع خصوم آخرين، إلى مزيد من التصعيد. ففي عالمٍ خالٍ من قواعد الاشتباك المقبولة عمومًا، قد تخرج الحرب الإلكترونية بسهولة عن السيطرة، مما يؤدي إلى عواقب متعددة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: آسيا تايمز
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر