الرئيس ذو السجلّ السيء في حقوق الإنسان يرسم صورة الجمهورية الإسلامية | مركز سمت للدراسات

الرئيس ذو السجلّ السيء في حقوق الإنسان يرسم صورة الجمهورية الإسلامية

التاريخ والوقت : الخميس, 15 يوليو 2021

محمد الدخاخني

في الانتخابات الرّئاسيّة الأخيرة، ضَمن النّظام السّياسيّ الدّينيّ في إيران، بقيادة المرشد الأعلى، آية الله عليّ خامنئي، فوز المرشّح المحافظ، المحدَّد سلفاً، إبراهيم رئيسي، وكان المحافظون يسيطرون على السّلطة القضائيّة والتّشريعيّة في إيران بالفعل، ومع انتصار رئيسي، أصبحوا يسيطرون، أيضاً، على السّلطة التّنفيذيّة، وجاء تعزيز السّلطة هذا بتكلفة عالية، المزيد من تآكل شرعيّة النّخب الحاكمة، ووصلت نسبة التّصويت إلى ما هو أقلّ من 49 في المئة، وهي الأدنى في تاريخ الانتخابات الرّئاسيّة الإيرانيّة، حيث استبعد مجلس صيانة الدّستور، الهيئة المكلّفة بفحص المرشّحين، العديد من المرشّحين الإصلاحيّين.

صُمِّمت هذه الانتخابات الرّئاسيّة لضمان شَغْل رئيسي منصب الرّئاسة خلال فترة الخلافة المحتملة للمرشد الأعلى الّذي يبلغ الآن 82 عاماً؛ لذلك، قُلِّمَت شخصيّات محافظة بارزة كثيرة أخرى، وكذلك أعضاء من فيلق الحرس الثّوريّ الإسلاميّ.

 صُمِّم المشروع الانتخابيّ بأكمله بحيث يستهدف الحفاظ على الجوهر الأساسيّ للجمهوريّة الإسلاميّة ووقع الاختيار على رئيسي للعب دورٍ بارز، بالتّالي، فإنّ انتصار رئيسي ستكون له تداعيات أعمق على السّياسة الدّاخليّة والمجتمع في إيران، وستحدّد تصرّفاته في المستقبل، أيضاً، شكل الجمهوريّة الإسلاميّة.

تعزيز للسّلطة في الدّاخل

بسبب آرائه السّياسيّة والاجتماعيّة، يُعتبر إبراهيم رئيسي متشدّداً، وقد أدّى سجلّه في مجال حقوق الإنسان إلى فرض عقوبات أمريكيّة عليه.

انتُخِب والجمهوريّة الإسلاميّة على وشك الانهيار بسبب اقتصادها المتداعي، وما يترتّب على ذلك من استياء واسع النّطاق أدّى في كثيرٍ من الأحيان إلى احتجاجات شعبيّة، وكانت آخر مظاهرة شعبيّة قد وقعت في تشرين الثّاني (نوفمبر) 2019، وقُمِعَت بوحشيّة، وفي عمليّة إسكات المعارضة الدّاخليّة، غالباً ما لعب القضاء الإيرانيّ دوراً داعماً، والقضاء مؤسّسة ارتبط بها رئيسي لجزء كبير من تاريخ الجمهوريّة الإسلاميّة الممتدّ على مدى أربعة عقود، ومع ترقية رئيسي لمنصب الرّئيس، قد تقلّ احتماليّة مثل هذه المعارضة السّياسيّة بسبب الخوف من العواقب الوخيمة، وفي حالة حدوثها، يُخشى، أيضاً، أنّه من المحتمل أن تُسحق بشدّة أكبر من ذي قبل بسبب هيمنة المحافظين على النّظام بأكمله في إيران.

يوضح ردّ فعل خامنئي على الشّريط الصّوتيّ المسرّب لوزير الخارجيّة جواد ظريف؛ أنّه، بغضّ النّظر عن مكانة الشّخص، فلن يتمّ التّسامح مع أيّ اتّهام يوجّه إلى الأداء الأساسيّ لهذا النّظام.

 وكان يُنظَر إلى ظريف، وهو معتدل، على أنّه مرشّح رئاسيّ محتمل، لكنّه لم يستطع حتّى تسجيل نفسه في السّباق، ويُظهِر هذا التّسريب، إلى جانب الطّريقة الّتي استُبعِدَ بها المرشّح المحافظ البارز عليّ لاريجاني، التّواطؤ الوثيق بين الاستخبارات الإيرانيّة و”الدّولة العميقة” لضمان فوز رئيسي.

المرشّحان الّلذان يمكن أن يشكلا أخطر التّحديّات، بالنّسبة إلى رئيسي، هُزِما حتّى قبل بدء المنافسة، وبعد فترة وجيزة من فوز رئيسي، كتب إليه عدد كبير من الدّبلوماسيّين الإيرانيّين، السّابقين والحاليّين، للتّعبير عن دعمهم لسياسته الخارجيّة، وبعد ذلك التقى رئيسي رسميّاً بجميع منافسيه السّتّة في الانتخابات، ويُعبِّر إبراهيم رئيسي عن شخصيّة تبدو أكبر من شخصيّة الرّئيس الإيرانيّ التّقليديّ.

مواجهة في الخارج

في حين أنّ انتخاب إبراهيم رئيسي، وما تبعه من تعزيز للسّلطة من قِبل المحافظين من المرجّح أن يؤدّي إلى سياسات تضمن مزيداً من السّيطرة في الدّاخل، فقد أدّى هذا، أيضاً، إلى مزيدٍ من التّشدّد في سياسة إيران الخارجيّة، بالرّغم من أنّ رئيسي سيتولّى منصب الرّئيس، في الثّالث من آب (أغسطس)؛ فإنّ التّأثير السّلبيّ لانتخابه على العلاقات الخارجيّة لإيران أصبح واضحاً بالفعل؛ بادئ ذي بدء، لا بدّ للعقوبات الأمريكيّة على إبراهيم رئيسي من أن تخلق تحدّيّات أمام الرّئيس جو بايدن وجهوده للمصالحة مع إيران لأنّه وعد، أيضاً، بتجديد التّركيز على حقوق الإنسان في السّياسة الخارجيّة للولايات المتّحدة، وهكذا، بعد يوم واحد فقط من فوز رئيسي، توقّفت الجولة السّادسة من محادثات فيينا فجأة، وبعد ذلك بيوم، في المؤتمر الصحفيّ الأول له بعد الفوز، رفض رئيسي أيّ احتمال للاجتماع مع الرّئيس الأمريكيّ جو بايدن، أو التّفاوض بشأن برنامج إيران الصّاروخيّ أو وكلاء إيران الإقليميّين، وبعد ذلك بيومين، حجبت الولايات المتّحدة عشرات المواقع الإلكترونيّة الإيرانيّة، وفي اليوم نفسه، دعا مشرعون إيرانيّون إلى حظر أيّة مفاوضات بين المسؤولين الإيرانيّين والأمريكيّين.

بعد ذلك، في 25 حزيران (يونيو)، هدّدت الولايات المتّحدة بالانسحاب من محادثات فيينا إذا لم تعزّز إيران “تفاهمها الفنّيّ” المؤقّت مع الوكالة الدّوليّة للطّاقة الذّرّيّة، وبعد يومين، أعلنت إيران أنّها لن تُسلِّم قطّ تسجيلات الفيديو الخاصّة بالأشهر الأربعة الماضية لأنشطتها النّوويّة إلى الوكالة الدّوليّة للطّاقة الذّرّيّة. وفي اليوم نفسه، في 27 حزيران (يونيو)؛ أمر الرّئيس جو بايدن بشنّ ضربات عسكريّة على الميليشيّات المدعومة من إيران في العراق وسوريا، بينما أعلن قائد الحرس الثّوريّ الإيرانيّ، اللواء حسين سلامي، أنّ إيران تمتلك طائرات بدون طيار بمدى طويل يصل إلى 7,000 كيلومتراً.

بينما تبتعد إيران عن المجال التّصالحيّ للرّئيس بايدن، فإنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ المنتخب حديثاً، نفتالي بينيت، يقرِّب بلاده من إدارة بايدن مقارنةً بسلفه، بنيامين نتنياهو، وبغضّ النّظر عن ذلك، فإنّ سياسة إسرائيل نحو إيران في عهد بينيت هي سياسة نتنياهو نفسها، بينما رفض الرّئيس بايدن نتنياهو، فقد أظهر مؤشّرات كثيرة على الانخراط بشكل أعمق مع إسرائيل في ظلّ رئيس وزرائها الجديد، بينيت، الّذي أعرب، مثل نتنياهو، عن تحفّظات إسرائيل على الاتّفاق النّوويّ.

وسط كلّ هذا، في 23 حزيران (يونيو)، أعلنت وكالة الطّاقة الذّرّيّة الإيرانيّة أنّ هجوماً على إحدى منشآتها النّوويّة قد أُحبِط.

الطّريقة المُثلى

بالرّغم من تعزيز السّلطة المحلّيّة، ما يزال حكّام إيران من رجال الدّين في حاجة إلى إدارة الدّولة، وهي عمليّة تحتاج إلى المال الذي يصعب الحصول عليه من اقتصاد إيران القائم على النّفط بسبب استمرار العقوبات الأمريكيّة، ولا يمكن أن يأتي المال إلّا عندما تكون لإيران علاقات أفضل مع العالم الخارجيّ، وتلك غاية يتطلّب تحقيقها حلّ مشكلتها النّوويّة.

تكشف نظرة متأنّية أنّ السّبب الرّئيس لمشكلات إيران الاقتصاديّة هو علاقتها العدائيّة مع الولايات المتّحدة، وأيّ تقدّم في المفاوضات النّوويّة يحتاج إلى تغيير جذريّ، وكي يحدث هذا، ستحتاج الولايات المتّحدة إلى الاعتراف بإيران كقوّة إقليميّة مهمّة، وستحتاج إيران إلى الرّدّ بالمثل بالامتناع عن أنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة.

التّغيير المتزامن للنّوايا ضروريّ من كلا الجانبين، ومع ذلك؛ فإنّ حقيقة أنّ أيديولوجيّات إبراهيم رئيسي تتماشى تماماً مع خامنئي قد تصعّب إحداث أيّ تغيير في الموقف التّقليديّ لإيران تجاه الولايات المتّحدة، وستكون نتيجة كلّ هذا عزلة إيران المستمرّة عن الغرب وميلها المتزايد نحو الصّين، التي طوَّرت معها بالفعل “شراكة أكثر تعارضاً بشكل واضح مع النّظام الدّوليّ الّذي تقوده الولايات المتّحدة”.

قد يبني آية الله خامنئي حساباته على رغبة الولايات المتّحدة في الانسحاب التّدريجيّ من الشّرق الأوسط؛ إذ قد تحتاج الولايات المتّحدة إلى إيران أكثر ممّا قد تحتاج إيران إلى الولايات المتّحدة، لكنّ زيف هذا الافتراض سيؤدّي إلى استمرار المشكلات الإيرانيّة وتفاقمها، وإذا وصل استياء النّاس إلى النّقطة الحرجة، فقد يؤدّي ذلك، أيضاً، إلى تقصير عمر الجمهوريّة الإسلاميّة، وهي صرح أُسّس على الفكرة المركزيّة لرفاهية الشّعب.

المصدر: حفريات

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر