الرؤية الصينية للتنافس الغربي ــ الروسي | مركز سمت للدراسات

الرؤية الصينية للتنافس الغربي ــ الروسي

التاريخ والوقت : الجمعة, 29 مايو 2020

إميل أفدالياني

 

من المرجح أن تستمر المنافسة الجارية بين روسيا والغرب بلا هوادة لسنوات قادمة. فستسعى بكين لتوسيع تلك الفجوة من خلال دعم موسكو في جهودها لتطبيق “مبادرة الحزام والطريق” الصينية في الشرق الأوسط وأوراسيا.

إن العلاقة المتبادلة بين روسيا والصين والغرب (الولايات المتحدة في المقام الأول) ستملي إلى حدٍّ بعيدٍ كيفية تطور أوراسيا في العقود المقبلة. إذ سيُثار التساؤل: هل ستتفكك القارة الكبرى في العديد من مجالات النفوذ، أم ستبقى على ما هي عليه، كما كان الحال خلال فترة ما بعد الحرب الباردة، حيث ظل النفوذ الغربي دون معارضة؟

يتم إيلاء الكثير من الاهتمام للصراع بين روسيا والغرب، ولكن الوضع يختلف حينما يتصل بنظرة الصين إلى هذه المنافسة، وهي بالطبع رؤية ذات أهمية حاسمة. فروسيا ليست قوية بما يكفي لمواجهة التأثير الغربي بشكل فعال، والولايات المتحدة في موقف دفاعي وتتشاجر مع الحلفاء. فالصين هي اللاعب العالمي الوحيد الذي يمتلك القوة المالية والعسكرية لتحدي ميزان القوى الحالي.

كما أن الأراضي الصينية شاسعة ومنتشرة بعمق في القارة الأوراسية، وهو ما يجعلها عرضة بشدة لقوى المنافسة الجيوسياسية في القارة وحساسة جدًا للفرص لإحداث التوازن. بالنسبة للصين، فالأراضي الموجودة في الكتلة الأرضية الأوراسية إلى الغرب، من شينجيانغ إلى البرتغال إلى الدول الاسكندنافية، هي المساحة التي يمكن أن يلعب فيها صعودها.

وبينما يقال في كثير من الأحيان إن الاقتصاد للصين، هو أهم جانب في النظام العالمي سريع التغير، تجدر الإشارة إلى أن التقدم الاقتصادي، مهما كان كبيرًا، فلن يكفي لإعادة تشكيل العالم مع الصين في القمة. وكما هو الحال مع أي قوة عظمى، فإن الصين في حاجة إلى ظروف جيوسياسية مناسبة على اليابسة الأوراسية للنهوض بمصالحها.

كما أن هذه إحدى فرص المواجهة بين روسيا والغرب. وغالبًا ما ننسى أنه بالنسبة للصينيين، فإن روسيا والدول الغربية تقع ضمن فئة واحدة، وهي القوى التي سعت ذات مرة إلى وجود استعماري على الأراضي الصينية (وهي روسيا في شمال البلاد والإمبراطوريات البحرية الغربية على الساحل). ولا توجد كراهية صريحة، لكن هذا التصور لروسيا والولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى، يبدو متأصلاً بعمق في الثقافة السياسية الصينية.

أمَّا ما يتعلق بالرؤية الاستراتيجية الكبرى، فمن مصلحة الصين الإبقاء على منافسيها الأوراسيين منقسمين قدر الإمكان. ولتحقيق ذلك، يمكن لبكين أن تقف إلى جانب قوة واحدة، ثم تنتقل إلى أخرى في غضون بضعة عقود. وخلال الحرب الباردة، انحازت الصين إلى السوفييت واقتربت من الولايات المتحدة كمنافس. وفي وقت لاحق، تدهورت علاقات بكين مع موسكو وأصبحت واشنطن مؤيدًا رئيسيًا للصين.

وفي الماضي القريب، استفادت السياسة الخارجية الصينية بشكل كبير من استراتيجية لعب أحدهما ضد الآخر. ودعمت بكين موسكو ضمنًا وعلنًا في مواجهتها مع الغرب، سواء من خلال التصويت في الأمم المتحدة، أو من خلال التعاون الاقتصادي والعسكري في انتهاكٍ للعقوبات الغربية المفروضة على روسيا. ومن خلال دعم موسكو بهذه الطريقة، فإن الصين تجبر الولايات المتحدة على تكريس الموارد العسكرية والاقتصادية لاحتواء روسيا في الفضاء السوفييتي السابق، وإفريقيا، والشرق الأوسط، والبحر الأسود، والبحر الأبيض المتوسط.

وقد أثار الموقف الصيني من المواجهة الروسية الغربية شكوكًا في موسكو بأن بكين عازمة على إصلاح شامل للنظام العالمي الحالي. لكن، في حين يبدو مألوفًا تصوير جميع التحركات الصينية كجزء من هذا النوع من التصميم الاستراتيجي الكبير، فإن الصين تستفيد بالفعل من صفقة جيدة من النظام العالمي الحالي. فقد سمحت العلاقات الاقتصادية للصين بالحصول على مستويات نمو عالية وحصة أكبر في سلاسل التوريد العالمية. إذ تتعلق العلاقات الروسية الصينية أكثر باستخدام الجانبين لتعطيل الوضع الراهن الذي تقوده الولايات المتحدة بدلاً من دفع الصين بالهيمنة على العالم. وفي هذه المرحلة، لم تعد موسكو تعتمد على الصين أكثر مما تعتمد الصين عليها.

ومع ذلك، فهناك اعتقاد خاطئ شائع آخر تعتبره بكين أن موسكو على قدم المساواة معها. وبناءً على تصريحات السياسيين الصينيين والخبراء في البلاد، تعتبر بكين روسيا مجرد قطعة أخرى في اللعبة الجيوسياسية الأوراسية. فلم تكن مكاسب روسيا الأخيرة في النفوذ أساسية كافية كتلك التي اكتسبتها بكين، مما يفسر العقبات التي تواجه النفوذ الروسي مقارنة بالصين في أوراسيا.

كما تساعد المواجهة الروسية الغربية الصين في سياق سياسة روسيا في الشرق الأوسط. وعليه، فإن تلك المنطقة تعتبر مهمة اقتصاديًا بالنسبة لبكين، لكنها قسمتها وغلبتها معظمها القوى الغربية. فقد أدت الإجراءات الروسية إلى تعطيل الوضع الغربي في المنطقة وتقليله، وهذا ما يفيد بكين.

أمَّا على المدى الطويل، فعندما يكون من غير المرجح أن تحافظ روسيا على مستوى نفوذها الحالي في الشرق الأوسط، يمكن للصين أن تلعب دورًا أكثر نشاطًا في المنطقة الغنية بالموارد. وعلاوة على ذلك، ستزداد أهمية الشرق الأوسط في حسابات الصين بسبب الجغرافيا في المنطقة كواحدة من نقاط الاتصال مع ما يقرب 500 مليون شخص بسوق أوروبا.

ولا يكفي أن يكون لدى قوة عالمية صاعدة اقتصاد قوي. لكن هذا الأمر يبدو مهمًا جدًا. فالقوة الصاعدة تحتاج أيضًا إلى فرص لتوسيع الفجوات بين اللاعبين الرئيسيين المتنافسين الآخرين، فالتنافس بين روسيا والغرب إنما هو مجرد فرصة لبكين.

إن صعود الولايات المتحدة في ميدان التفوق على المسرح العالمي بنهاية الحرب العالمية الثانية، أصبح ممكنًا ليس فقط من خلال قوتها الاقتصادية، ولكن من خلال التنافس بين الدول الأوروبية التي مهدت الطريق للهيمنة العسكرية والاقتصادية الأميركية. وفي حين أن السياسة الخارجية الحديثة للصين لا تتعلق بتعزيز الحرب على الأراضي الأوراسية، فإن المنافسة الدبلوماسية والاقتصادية بين روسيا والغرب تتيح لبكين فرصة متابعة مصالحها الاقتصادية الأوسع، أي “مبادرة الحزام والطريق” على مستوى أعلى بكثير.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: مركز بيجن السادات للدراسات الاستراتيجية

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر