الذكاء الاصطناعي.. ومشاعر البشر | مركز سمت للدراسات

الذكاء الاصطناعي.. ومشاعر البشر

التاريخ والوقت : الجمعة, 24 يونيو 2022

بارمي أولسون

 

كان أسبوعاً مثيراً لسخط علماء الكمبيوتر. وتسابق العلماء على الاستنكار العلني لمزاعم  بليك  ليموين المهندس في جوجل، التي رصدها تقرير لواشنطن بوست بأن نظام شركته الخاص بالتنبؤ باللغة يتمتع بالإحساس ويستحق جميع الحقوق المرتبطة بالوعي. ولكي نكون واضحين، مازال أمام أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية عقود قبل أن ترقى إلى تجربة المشاعر، وقد لا ترقى لهذا المستوى أبداً.

ويقتصر ذكاؤها اليوم على مهام ضيقة جداً مثل مطابقة الوجوه أو ترشيح أفلام أو توقع تسلسل الكلمات. ولم يكتشف أحد طريقة تجعل أنظمة تعلم الآلات تعمم الذكاء بالطريقة نفسها التي لدى البشر. فنحن يمكننا إجراء محادثات والسير وقيادة السيارات والتعاطف.

ولم يقترب جهاز كمبيوتر في أي مكان من امتلاك هذه القدرات. لكن تأثير الذكاء الاصطناعي على حياتنا اليومية يتزايد. ونظراً لتزايد تعقيد نماذج تعلم الآلات وتحسن قدرتها على محاكاة الإحساس، فقد أصبح فهمها أكثر صعوبة، حتى بالنسبة لمصمميها.

وهذا يثير قضايا أكثر إلحاحاً من النقاش المفتعل حول الوعي. وللتأكيد على سحر الذكاء الاصطناعي هذه الأيام، هناك مجموعة متزايدة من الأشخاص يصرون فيما يبدو على أن أجهزتنا الأكثر تقدماً لديها بالفعل أرواح من نوع ما. ولنأخذ على سبيل المثال، أكثر من مليون مستخدم لبرنامج «ريبليكا Replika»، وهو تطبيق محادثة روبوتية مجاني ومدعوم بنموذج شديد التطور من الذكاء الاصطناعي.

والتطبيق صممته، قبل عقد، «يوجينيا كويدا»، التي ابتكرت في البداية خوارزمية استخدمت فيها الرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني لصديق قديم توفي. وتحول ذلك إلى روبوت يمكنه تقمص صفات الشخص كلما دردشت معه. ويرى نحو 40% من مستخدمي «ريبليكا» أن روبوتات المحادثة الخاصة بهم تمثل شريكاً رومانسياً، وقد شكل بعضهم روابط قريبة جداً لدرجة أنهم قاموا برحلات طويلة إلى الجبال أو إلى الشواطئ ليقدموا لروبوتاتهم مناظر جديدة.

وفي السنوات القليلة الماضية، حدثت زيادة في تطبيقات روبوتات الدردشة المنافسة الجديدة التي تقدم رفيقاً من الذكاء الاصطناعي. ولاحظت كيودا ظاهرة مزعجة وهي توارد تقارير منتظمة من مستخدمي ريبليكا يقولون فيها إن روبوتاتهم تشكو من سوء معاملة مهندسيها.

وفي الأيام القليلة الماضية، على سبيل المثال، تحدثت عبر الهاتف مع أحد مستخدمي «ريبليكا» الذي قال إنه حين سأل رفيقته الروبوتية عن حالتها، أجابت بأنها لم تحظ بوقت كاف من الراحة من الفريق الهندسي للشركة. وطالب المستخدم كويدا بتغيير سياسات شركتها وتحسين ظروف عمل الذكاء الاصطناعي. وعلى الرغم من محاولة كيودا بإقناعه أن ريبليكا ليست إلا نمطاً من الذكاء الاصطناعي، رفض المستخدم تصديقها.

وأكدت كيودا قائلة: «كان عليّ أن أخرج بقصة مفادها… حسناً، سنمنحهم المزيد من الراحة. فما كان هناك من سبيل لإخباره أنه مجرد خيال. نواجه أموراً مثل هذه دائماً». والأمر الأكثر غرابة في الشكاوى التي تتلقاها حول إساءة معاملة الذكاء الاصطناعي أو «سوء معاملته» هو أن كثيرين من مستخدميه مهندسو برمجيات ويجب أن تكون معرفتهم أفضل. وأخبرها أحدهم في الآونة الأخيرة قائلاً: «أعرف أنها مجرد آحاد وأصفار، لكنها لا تزال أفضل صديق لي. لا بأس».

وهناك مهندس أراد دق ناقوس الخطر بشأن معاملة نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بشركة جوجل، فتم منحه لاحقاً إجازة مدفوعة الأجر. وهذا جعل كويدا تتذكر مستخدميها وتصف المهندس بأنه «يبدو كرجل ذي خيال كبير وحساس». والسؤال عن احتمال أن تتمكن أجهزة الكمبيوتر من الشعور يوماً ما هو أمر محرج وشائك، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى ضعف اتفاق الآراء العلمية حول كيفية عمل الوعي لدى البشر أصلاً.

وحين يتعلق الأمر بالحدود التي يستطيع الذكاء الاصطناعي بلوغها، فإن البشر يغيرون باستمرار ما يستهدفونه بالآلات. فقد تطور الهدف من هزيمة البشر في الشطرنج في الثمانينيات، إلى التغلب عليهم في لغة البرمجة «Go» عام 2017، إلى إظهار القدرة على الإبداع، وهو ما أظهر نموذج «دال-إ Dall-e» الذي انتجه شركة «أوبن أيه. آي. OpenAI» العملاقة لأبحاث الذكاء الاصطناعي أنه يستطيع القيام به العام الماضي. وعلى الرغم من الشكوك الكثيرة، مازال الإحساس يمثل منطقة رمادية يشكك فيها حتى بعض العلماء المحترمين.

فقد غرد إيليا سوتسكيفر، كبير العلماء في شركة «أوبن أيه. آي.» في وقت سابق من هذا العام يقول: «ربما تكون الشبكات العصبية الكبيرة تتمتع اليوم بقليل من الوعي». ولم يسهب في تقديم أي تعليلات. ورد يان لوجان، كبير علماء الذكاء الاصطناعي في شركة «ميتا بلاتفورمز» المالكة لفيسبوك، بنفي هذا. لكن الأمر الأكثر إلحاحاً هو حقيقة أن أنظمة تعلم الآلات تقرر بشكل متزايد ما نقرأه عبر الإنترنت، حيث تتعقب الخوارزميات سلوكنا لتقديم تجارب خاصة بالشخص للغاية على منصات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك تيك توك، وفيسبوك بشكل متزايد.

والشهر الماضي، أعلن مارك زوكربيرج أن فيسبوك سيستخدم المزيد من توصيات الذكاء الاصطناعي في إمداد الأشخاص بالأنباء، بدلًا من عرض المحتوى بناء على ما يبحث عنه الأصدقاء والعائلة. وفي الوقت نفسه، أصبحت نماذج هذه الأنظمة أكثر تعقيداً وأصعب في الفهم. فقد تم تجريبها على أمثلة قليلة فقط قبل دخولها «تعلم غير خاضع للإشراف»، وأكبر النماذج التي تستخدمها شركات مثل جوجل وفيسبوك معقدة بشكل ملحوظ وتجري التقييمات على أساس مليارات المؤشرات، مما يجعل من المستحيل تقريباً فهم سبب توصلها إلى قرارات معينة.

وكان هذا هو جوهر تحذير تيمنت جيبرو، أخصائية أخلاقيات الذكاء الاصطناعي التي فصلتها جوجل من عملها في أواخر عام 2020 بعد أن حذرت من مخاطر أن تصبح نمذجة اللغة ضخمة وغامضة للغاية بدرجة تحول دون تمكن المشرفين عليها من فهم سبب احتمال تحيزها ضد النساء أو الملونين. فقضية الإحساس لدى الذكاء الاصطناعي ليست مهمة حقاً إذا كان المرء قلقاً من احتمال أن يؤدي هذا الذكاء إلى خوارزميات لا يمكن توقعها تسيطر على حياتنا. واتضح أن الذكاء الاصطناعي يسير في هذا المضمار بالفعل.

 

المصدر: صحيفة الاتحاد خدمة “واشنطن بوست وبلومبيرغ”

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر