الذكاء الاصطناعي.. لماذا كل هذا الضجيج؟ | مركز سمت للدراسات

الذكاء الاصطناعي.. لماذا كل هذا الضجيج؟

التاريخ والوقت : الأحد, 19 مايو 2024

دان وانج

من الصعب بعض الشيء تصديق أنه قبل ما يزيد قليلاً على عام، طلبت مجموعة من كبار الباحثين توقفاً لمدة ستة أشهر في تطوير أنظمة أكبر للذكاء الاصطناعي، خوفاً من أن تصبح الأنظمة قوية للغاية. وتساءلوا: “هل يجب أن نخاطر بفقدان السيطرة على حضارتنا؟”. لم يحدث أي توقف. لكن الآن، بعد مرور عام، ليس السؤال ما إذا كان الذكاء الاصطناعي ماهراً جداً وسيسيطر على العالم. ولكن السؤال هو ما إذا كان الذكاء الاصطناعي لا يمكن الاعتماد عليه ليكون مفيداً. ولنتأمل هنا الإعلان الصادر هذا الأسبوع عن “سام ألتمان”، الرئيس التنفيذي لشركة “أوبن إيه آي”، الذي وعد بأنه سيكشف النقاب عن “أشياء جديدة” “تبدو وكأنها سحر بالنسبة لي”.

ولكنه كان مجرد تحديث روتيني يجعل برنامج “تشات جي بي تي” أرخص وأسرع. يبدو الأمر وكأنه علامة أخرى على أن الذكاء الاصطناعي لا يرقى إلى مستوى الضجة المثارة حوله. في نظري، يبدو الأمر أقل شبهاً بكائن قوي، ولكن بمتدرب سيئ لا يمكن الاعتماد على عمله لدرجة أنه غالباً ما يكون من الأسهل القيام بالمهمة بنفسك. وهذا الإدراك له آثار حقيقية على الطريقة التي ينبغي لنا، وأصحاب العمل لدينا، وحكومتنا أن نتعامل معها مع أحدث التطورات المبهرة في وادي السليكون. إن الاعتراف بعيوب الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعدنا في استثمار مواردنا بشكل أكثر كفاءة، ويسمح لنا أيضاً بتحويل انتباهنا نحو حلول أكثر واقعية. ويعرب آخرون عن مخاوف مماثلة. كتبت “مولي وايت”، الباحثة والناقدة في مجال العملات المشفرة: “أجد مشاعري تجاه الذكاء الاصطناعي في الواقع تشبه إلى حد كبير مشاعري تجاه سلاسل الكتل: فهي تؤدي عملاً سيئاً في الكثير من المهام التي يحاول الناس القيام بها، ولا يمكنها فعل الأشياء التي يدعي منشئوها أنها قد تفعلها يوماً ما، والعديد من الأشياء التي تناسبها تماماً قد لا يكون القيام بذلك مفيداً تماماً”.

في السنوات العشر الماضية، تمكن الذكاء الاصطناعي من القيام بالعديد من المهام التي لم يكن من الممكن تصورها من قبل، مثل التعرف على الصور بنجاح، وكتابة جمل كاملة متماسكة، وتدوين ما يسمعه من نص صوتي. كما مكّن الذكاء الاصطناعي المغني الذي فقد صوته من إصدار أغنية جديدة باستخدام الذكاء الاصطناعي المدرب على مقاطع من أغانيه القديمة. لكن بعضاً من أعظم إنجازات الذكاء الاصطناعي تبدو مبالغاً فيها. قد يتذكر بعضكم أن نموذج الذكاء الاصطناعي “تشات جي بي تي-4″، تمكن من اجتياز امتحان نقابة المحامين الموحد قبل عام. وتبين أنه حصل على نسبة 48% وليس 90% كما ادعت شركة “اوبن إيه آي”، وفقاً لإعادة الفحص الذي أجراه “إريك مارتينيز”، الباحث بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. أو ماذا عن ادعاء جوجل بأنها استخدمت الذكاء الاصطناعي لاكتشاف أكثر من مليوني مُرَكّب كيميائي جديد؟

وجدت إعادة الفحص التي أجراها كيميائيو المواد التجريبية في جامعة كاليفورنيا “أدلة قليلة على المركبات التي تحقق النتائج الثلاث الناجحة المتمثلة في الحداثة والمصداقية والمنفعة”. وفي الوقت نفسه، وجد الباحثون في العديد من المجالات أن الذكاء الاصطناعي غالباً ما يجد صعوبة في الإجابة حتى على الأسئلة البسيطة، سواء المتعلقة بالقانون أو الطب أو معلومات الناخبين. ووجدوا أيضاً أن الذكاء الاصطناعي لا يؤدي دائماً إلى تحسين جودة برمجة الكمبيوتر، وهي المهمة التي من المفترض أن يتفوق فيها. لا أعتقد أننا وصلنا إلى مجال العملات الرقمية، حيث تبين أن هذه الضجة كانت مجرد قصة لتغطية عدد من المخططات غير القانونية التي أدت إلى دخول بعض الأسماء الكبيرة إلى السجن.

ولكن من الواضح أيضاً أننا بعيدون جداً عن وعد ألتمان بأن الذكاء الاصطناعي سيصبح “أقوى تكنولوجيا اخترعتها البشرية حتى الآن”. لنأخذ على سبيل المثال “ديفين”، المهندس الآلي للبرمجيات بالذكاء الاصطناعي، والذي روجت له الصحافة التقنية بلا هوادة. قرر مطور برمجيات يُدعى “كارل براون”، وهو إنسان، منافسة ديفين. وقد استطاع براون تنفيذ مهمة في 36 دقيقة فقط، بينما استغرق “ديفين” ست ساعات لإنجازها. وكان أداء ديفين سيئاً أيضاً، حيث قام بتشغيل لغة برمجة أبطأ وعفا عليها الزمن من خلال عملية معقدة. وفي تعليقه، قال براون: “كان ما توصل إليه فن الذكاء الاصطناعي التوليدي هو أنه أدى عملاً سيئاً ومعقداً ولافتاً يتطلب من الجميع القيام بالمزيد من العمل”.

وردت شركة “كوجنيشين” Cognition، الشركة المصنعة لـ “ديفين” بالاعتراف بأنه لم يكمل المخرجات المطلوبة، وأضافت أنها حريصة على الحصول على مزيد من التعليقات حتى تتمكن من الاستمرار في تحسين منتجها. بالطبع، تعد شركات الذكاء الاصطناعي دائماً بأن نسخة مفيدة بالفعل من تقنيتها أصبحت قاب قوسين أو أدنى. قال “ألتمان” مؤخراً أثناء حديثه عن النموذج اللغوي الجديد “جي بي تي-5” خلال فعالية أقيمت مؤخراً في جامعة ستانفورد: “جي بي تي-4 وأغبى نموذج سيتعين على أي منكم استخدامه مرة أخرى على الإطلاق”. الحقيقة هي أن نماذج الذكاء الاصطناعي يمكنها في كثير من الأحيان إعداد مسودة أولى جيدة. لكنني أجد أنه عندما أستخدم الذكاء الاصطناعي، يجب أن أقضي وقتاً في تصحيح ومراجعة نتائجه بقدر ما كنت سأستغرقه في القيام بالعمل بنفسي.

وربما لن يطرأ تحسن على الذكاء الاصطناعي في أي وقت قريب. على أي حال، فإن شركات الذكاء الاصطناعي ليس لديها بيانات جديدة يمكن أن تدرب نماذجها عليها، وليس لديها أيضاً الطاقة اللازمة لتشغيل آلات الذكاء الاصطناعي. وفي الوقت نفسه، يعترض المؤلفون والمؤسسات الإخبارية على شرعية استيعاب بياناتهم في نماذج الذكاء الاصطناعي دون موافقتهم، الأمر الذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى سحب بيانات الجودة من النماذج.

ونظراً لهذه القيود، يبدو لي أنه من المرجح أن ينتهي الأمر بالذكاء الاصطناعي التوليدي ليصبح مثل المكنسة الروبوت “رومبا” التي تقوم بعمل مقبول عندما تكون في المنزل بمفردك ولكن ليس إذا كنت تتوقع ضيوفاً. وبطبيعة الحال، ستظل الشركات التي يمكنها العمل بجودة متوسطة، كما هو الحال مع “رومبا” تحاول استبدال العمال. ولكن في أماكن العمل حيث الجودة مهمة – وحيث القوى العاملة مثل كتاب السيناريو والممرضات منضمة إلى نقابات – قد لا يحقق الذكاء الاصطناعي نجاحات كبيرة. لا يمكننا التخلي عن العمل على تحسين تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، لكن علينا أن نفكر في احتمالية أننا نستثمر في مستقبل مثالي قد لا يتحقق.

المصدر: الاتحاد

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر