سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
هاني ياسين
“مغردون خارج القوالب الجامدة”، تلك هي حالة التيارات الإسلامية التي ظهرت في مصر منذ عشرينيات القرن الحالي، والتي استطاعت بفضل ما امتلكته من خبرات أن تسيطر على قطاعات كاملة من الشباب وكبار السن، مدن وقرى، نجوع، وأحياء، لم تسلم من أفكار هذه التيارات التي لم تتوقف دعوتها عند حد الخطاب الديني التقليدي عبر القنوات الفضائية، أو دروس ومواعظ أسبوعية بالمساجد.
واقع تلك الجماعات التي استطاعت في السنوات العشر الأخيرة من عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، برهن بامتياز على قدرتهم على الوصول إلى أطفال الروضة، وإلى قلوب شباب ورجال، بل نجحوا في الوصول إلى المرأة المصرية، التي لم تكن لتفارق منزلها إلا للمداومة على سماع درس يقوم به أحد هؤلاء الدعاة، عاصرنا أطفال يحرصون على حفظ القرآن، رغبة في أن يكون هناك مكافأة وأنشطة داوم الدعاة على تنفيذها من ممارسة لكرة القدم والألعاب الرياضية، وقضاء أوقات أخرى بين المتنزهات، رحلات إلى أعتق المساجد الأثرية، والمتاحف التي تزخر بالتراث الإسلامي.
لم يكن لتلك الجماعات شغف وولع بالطريق الواحد إلى القلوب، ولم يؤمنوا بفكر الصدام كما يظهر اليوم عبر الشاشات، كان الشباب حريصين على ارتداء الجلباب القصير، تشبها واقتداء بالرسول، ويحملون رسالة يؤمنون من خلالها أنهم دعاة وليسوا فقط راغبين في تعلم الدين وتلقيه من أيدي شيوخهم، فيمكن لواحد أو اثنين من قرية ما أن يكونوا سببا في انضمام غالبيتها لهذه الجماعات ، بل إن المقاهي والبيوت لم تكن لتفارق سماع خطبهم ودروسهم وقنواتهم التي تستمر في العمل على مدار اليوم.
نجاحات الوسائل التي انتهجتها تلك الجماعات قابلها إصرار من قبل رجال المؤسسات الدينية الرسمية على جعل الدين خطابا يوجه من فوق منابر الجمع، وما بين ظهور هزيل في ثنايا البرامج للحديث عن شرح لآية أو إبداء لفتوى، يمكن الحصول عليها من خلال موقع دور الإفتاء الرسمية.
ورغم توافر الإمكانات لم يجد ممثلو المؤسسات الرسمية الرغبة في أن يكونوا كدعاة التيارات الإسلامية، الذين كرسوا أنفسهم للعمل صباحاً ومساءاً لخدمة أغراضهم ، حتى بات كثير منهم رهن الابتعاد عن أسرته شهور وسنوات، متنقلين بين الأزقة والحارات، بين الشوارع والمدن، بين القفور والنجوع، فقط لدور ومسؤولية وضعوها على عاتقهم ، غابت عن فكر الدعاة في المؤسسات الروتينية المنشغلة فيما بينها بالبحث عن الزعامات والهيمنة.
يمكن لكثير من الناس أن يتهموا أنصار تلك الجماعات بالجمود والانعزال عن الواقع، والرغبة في تجاهل الفنون بزعم بطلانها من الناحية الشرعية، لكن من الناحية العملية، فإن المسرح حاضر لدى هؤلاء إلا أنه يحمل طابعا خاصا، من كافة جوانبه من حيث المضمون وطبيعة الاشخاص والزي وخلافه، كما أنهم حرصوا على توفير أناشيد إسلامية ذات طابع أشبه ما يكون لأغاني يفضلها كثير من الشباب في تحد كبير من أجل إثبات وجودهم، الأمر الذي جعل كثيرا من تلك الأناشيد تتردد على ألسنة الأطفال والشباب وكأنهم يرددون أغاني مطرب يفضلونه، فلم تكن توجهاتهم بمثابة تخل عن العقيدة قدر ما هو حرص على تخير ما يناسب معتقداتهم وثوابتهم دون إخلال.
في الوقت ذاته نرى أساليب المؤسسات الدينية الرسمية تعاني الرتابة والتقليدية، يصيب الشباب النفور منها لعدم ملائمتها واقعهم، وكأنها تحدث واقعاً آخر عفى عليه الزمن ولم يعد مجديا الآن العمل به إلا في حدود ضيقة، فالمؤسسات الدينية الرسمية تحتاج لثورة فكرية تخرجها من دائرة الانغلاق التي عاشت فيه -ومازالت- ردحاً من الزمن.
فهل يمكن للمؤسسات الدينية التي اتجهت مؤخراً إلى العمل الميداني والتواصل الاجتماعي أن يتخيروا أساليب جديدة تناسب المرحلة و تناسب الشباب ويخرجوا من دائرة الرتابة و يستحدثوا طرق جديدة تجمع حولهم الشباب معتمدين على الثقل التاريخي لهم والرسمية التى أضفيت عليهم من قبل الدولة.
باحث في ملف الإسلام السياسي*
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر