سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عبدول باسط
تشهد منطقة جنوب آسيا واحدةً من أعتى الجماعات الإقليمية المسلحة في العالم، إضافة إلى ما فيها من جماعات جهادية مطلوبة من قِبَل الولايات المتحدة الأميركية، مثل: “تنظيم القاعدة”، و”شبكة حقاني”، و”طالبان”، و”جماعة عسكر طيبة”.
وقبيل الانسحاب المتوقع للولايات المتحدة من أفغانستان، أعادت جماعة “جيش محمد” الهجوم على قوةِ الشرطةِ الاحتياطيةِ في الهند بمقاطعة “بولواما” في إقليم كشمير؛ وهو ما جدَّد المخاوف من عمل عسكري أكثر خطورة في جنوب آسيا.
وقد كشَف هجوم “بولواما” مرةً أخرى عن تعرض الخصمين النوويين في جنوب آسيا، الهند وباكستان، للابتزاز الإرهابي، ما يدفعهما إلى حافةِ الحربِ.
إذ تؤكد آثار الهجوم الأخير أننا بصدد مرحلة جديدة من التشدِّدِ في إقليم كشمير الذي تجتاحه أعمال العنف، ويتجدد القتال بين الهند وباكستان بين الحين والآخر. وفي ظل عدم وجود أُطُرٍ مشتركةٍ لمكافحة الإرهاب والتطرف على المستوى الإقليمي في تلك المنطقة، فإن الجماعات المتشددة في جنوب آسيا ستواصل استغلال الخصومات ومناخ عدم الثقة بين دول المنطقة، والعمل على ترسيخ وجودها في المنطقة.
وهنا يثار التساؤل: ما أهمية هجوم “بولواما”؟
يعدُّ توقيت هجوم “بولواما” على قدر من الأهمية، ذلك أنه يأتي قُبَيل انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، مما يشير إلى احتمالات عودة جماعات متطرفة مثل حركة “العدل والمساواة” التي تضم ما يقرب من 25 إلى 30 ألف من المتشددين على قدرٍ عالٍ من التدريب في إقليمِ كشمير. ومنذ الهجوم على قاعدة “بانانكوت” الجوية عام 2016 زادت حركة “العدل والمساواة” من أنشطتها.
فبعد أن شهدت المنطقة تراجعًا في العمليات الإرهابية ما بين 2008 و2013، ارتفع عدد المسلحين الذين قتلوا في كشمير من 130 في عام 2016 إلى 200 عام 2017، ووصل إلى 240 في عام 2018. وكذلك خلال أول شهرين من عام 2019، قتل 30 من المسلحين.
علاوة على ذلك، فقد كان الهجوم كبيرًا، إذ أسفر عن عددٍ ضخمٍ من الضحايا، إثر اصطدام سيارة كانت محملة بالمتفجرات في موكب من الحافلات بمنطقةٍ شديدة التسليح، وقد كشف هذا الهجوم عن قدرة الجماعة المتطرفة على استغلال الثغرات الأمنية، وأن لديها خبرة عالية في ممارسةِ مثل ذلك النوع من الأنشطة.
وقد حظي الهجوم الأخير الذي قامت به الجماعة بتغطية إعلامية واسعة النطاق مما أعطاه زخمًا وأكسبها دعاية عريضة.
وللمرة الثانية، نجحت الجماعةُ في استغلال حالة الخصومة بين الهند وباكستان لإشعال الحرب بينهما. وكان المهاجم الانتحاري هو “عادل رشيد دار” من أبناء إقليم كشمير، وينتمي للجماعة، وكان من بين دوافعه الانتقام من الدولة الهندية والرغبة في تحرير “إقليم كشمير”.
إلا أن الغارات الجوية الانتقامية التي شنَّتها الهند على معسكرات “حركة الشباب” داخل باكستان (بعد توقف دام لخمسة عقود) كانت بمثابة تحديد لإطار النزاع وتجدده. ففي عام 1999، وحتى في أوج أزمة “جارجيل” بين البلدين، لم يقم سلاح الجو الهندي بتجاوز نطاقه داخل الهند في الحالة الأخيرة.
وتشير الغارات الجوية التي شنَّتها الهند، أخيرًا، إلى تحولٍ نوعيٍ في الموقف الهندي تجاه استراتيجية الردع من خلال اعتماد أسلوب الردع بالعقاب. لذا، فإن ذلك من شأنه التأثير على حالة توازن القوى بين الجانبين، وهو ما ينعكس على مستوى الصراع القائم بين الهند وباكستان ويحركه لمستوى أكثر تعقيدًا. وعلاوة على ذلك، فإن عدم وجود آليةٍ فعالةٍ بين الهند وباكستان من شأنه أن يزيد احتمال وجود صراعٍ محدودٍ.
وعلى ذلك، فقد كانت استجابة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لهجوم “بولواما” والآثار المترتبة عليه على قدرٍ كبيرٍ من الأهميةِ. فبدلاً من التوجه لحث كلٍّ من الهند وباكستان على عدم التصعيد، اعترفت واشنطن والمجتمع الدولي بحق الهند في الدفاع عن النفس، حينما شنَّت الغارات على معسكرات “جيش محمد” في منطقة “بالاكوت”.
وباستثناء الصين، لم تدن أي دولة أخرى انتهاك الهند للسيادة الباكستانية؛ وهو ما يتوقع أن يكون له آثار على المدى الطويل فيما يتعلق باستقرار توازن القوى الاستراتيجي في جنوب آسيا.
وكشف هجوم “بولواما” – أيضًا – بروز محاور جديدة وانخراطها في التوتر بين “نيودلهي” و”إسلام آباد”، مثل الصين وغيرها من الدول. ففي أعقاب تدخل الولايات المتحدة في أفغانستان عام 2001، أقامت واشنطن تحالفًا لمكافحة الإرهاب مع باكستان من أجل تعقب فلول “تنظيم القاعدة” في المنطقة الحدودية بين الهند وباكستان.
ومن أجل ضمان التعاون الباكستاني على نحوٍ سلسٍ ودون انقطاعٍ، وبجانب أمور أخرى، فقد سهَّلت واشنطن اتفاقية لوقف إطلاق النار على الحدود بين الهند وباكستان في عام 2003.
وقد تطلب الاتفاق من باكستان المزيد من جهود مكافحة الإرهاب عبر الحدود في إقليم كشمير واتخاذ المزيد من الإجراءات ضد الجماعات المسلحة التي تُرَكِّزُ أنشطتها ضد الهند مقابل تطبيع العلاقات معها.
بجانب ذلك، فإن الانسحاب الأميركي يتوقع أن يضفي المزيد من التعقيد على المشهد العام في جنوب آسيا بما يجعله أكثرًا عنفًا وأقل قدرةً على التنبؤ بشأن مساراته المستقبلية.
وإن ثمة عددًا من العوامل، مثل: الحدود التي يسهل اختراقها، وكذلك المناطق الخاضعة للحكم الذاتي، وسهولة الحصول على الأسلحة، والاستقطاب الديني المتزايد، والبطالة والتنافس الدائر بين دول المنطقة، فضلاً عن منطق “الحرب بالوكالة” والدور الذي تلعبه الجغرافيا السياسية، كلُّ ذلك سيمكِّن المجموعات الإرهابية التي تجد لنفسها بيئةً مواتيةً من التوسع والانتشار.
ثم إن خروج الولايات المتحدة من أفغانستان ربَّما يعني انتصارًا جديدًا لـ”طالبان”، وهو ما يشجع الجماعات الجهادية في جنوب آسيا على تجنيد المزيد من المقاتلين وتمويلهم.
وفي حالة تحقق ذلك، فسيكون الأمر أشبه بما حدث في أواخر الثمانينيات عندما تمكَّنت جماعة المجاهدين الأفغان من هزيمة الاتحاد السوفييتي السابق. وبعد دخول الولايات المتحدة أفغانستان عام 2001، تخلت عدة جماعات جهادية عن برامجها الأساسية وأرسلت مقاتليها إلى أفغانستان لمساعدة حركة طالبان الأفغانية في قتال الولايات المتحدة. وقد تعاونت بعض فصائل هذه الجماعات مع مختلف التنظيمات المرتبطة بالقاعدة، مثل: “جند الله” و”طالبان” بإقليم البنجاب. ومن ثَمَّ تلجأ هذه المجموعات لاستخدام أفغانستان كمنصة انطلاق لإعادة تجميع صفوفها وإعادة إطلاق نفسها في الصراعات المحلية المختلفة في جنوب آسيا بحماس جديد.
نظرة مستقبلية
على المستوى السياسي، يعدُّ رد باكستان على متشددي حركة المقاومة الإسلامية وشبكتها المعقدة أمرًا بالغ الأهمية.
فالإجراءات الحركية ضد الجماعات المتشددة، مثل: العقوبات والاعتقالات والإجراءات الصارمة، لن تكون مفيدة على المدى القصير.
ومن ثَمَّ، ينبغي اتخاذ إجراءات من قبيل تبني خطاب أيديولوجي مضاد، وكذلك خطة شاملة تنطوي على خلق حوافز جاذبة لأعضاء التنظيمات المتطرفة بعيدًا عن التشدد. ويتبقى السؤال الأهم وهو: كيف تقدم باكستان رواية أيديولوجية مواجهة لحركة “العدل والمساواة” دون المساومة على موقف الدولة من إقليم كشمير؟
علاوة على ذلك، فإن إعادة تأهيل عدد من المتشددين الذين يتراوح عددهم بين 25 و35 ألف فرد، سيتطلب المزيد من الوقت والموارد والإرادة السياسية الجادة من قبل القيادة العسكرية والسياسية في باكستان.
ففي عام 2002، وعندما قام النظام العسكري للجنرال “برويز مشرف” بحظر حركة “العدل والمساواة” واتخذ إجراءات ضد أفرادها، ردت الجماعة بمحاولتي اغتيال لـ”مشرف” بجانب شن العديد من الهجمات الشرسة داخل باكستان. لذلك، ففي حالة انطلاق جولة أخرى من الحملات ضد جماعة “جيش محمد”، لا يمكن استبعاد رد فعل عنيف وخطير.
إضافة إلى ذلك، فإذا تصدعت الجماعة الإسلامية المسلحة نتيجة للعمليات القاسية، فإن بعض أعضائها قد ينجذبون نحو تنظيمات متطرفة، مثل: “ولاية خراسان الإسلامية”، أو “تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية”، أو “حركة طالبان” باكستان.
وبخلاف مناطق أخرى مثل رابطة دول جنوب شرق آسيا والاتحاد الأوروبي، فإن جنوب آسيا لديها آليات إقليمية محددة وقوية لمكافحة الإرهاب. وعلى الرغم من التحديات الهائلة، فإن التعاون في مجال مكافحة الإرهاب بجنوب آسيا يُعدُّ أمرًا محوريًا للتَغَلُّبِ على التحدي المتمثل في انتقال التشدد والإرهاب.
وبالنظر إلى الطبيعة الإقليمية للإرهاب، فإن استجابات مكافحة الإرهاب المتمحورة حول الدولة على المستوى القطري، لن تحقق سوى نتائج محدودة وقصيرة الأجل في جنوب آسيا. ففي أغسطس 2018، شاركت الهند وباكستان في مناورة لمكافحة الإرهاب تحت شعار “مهمة السلام 2018” في روسيا وبرعاية منظمة “شنغهاي” للتعاون. لذا، يمكن وضع ترتيب مماثل بموجب إطار رابطة “جنوب آسيا للتعاون الإقليمي”.
ويمكن للهند وباكستان تشكيل جبهة مشتركة ضد تنظيمات، مثل: “القاعدة” و”ولاية خراسان” الإسلامية، وبعد ذلك يمكن توسيع تلك الجبهة فيما بعد لتشمل جماعات تهديد أخرى مثل “جيش محمد”.
كذلك ينبغي إنشاء “منتدى إقليمي للتعاون” على أن يكون لديه الخبرة والسلطة اللازمتين لحل الخلافات التي تعوق التعاون في مكافحة الإرهاب. وسيكون ذلك المنتدى – أيضًا – مفيدًا في التغلب على مناخ عدم الثقة وخلق علاقات عمل بين مسؤولي مكافحة الإرهاب في مختلف البلدان.
وينبغي – أيضًا – إنشاء منتدى مكافحة الإرهاب المشترك، يضم فرق عملٍ مختلفةٍ لتنسيق الجهود المتنوعة لمواجهة الإرهاب والحد من نطاق تمويله، وكذلك مكافحة الحركات العابرة للحدود. ومن ثَمَّ، ينبغي إيلاء المزيد من الاهتمام بمسألة تبادل المعلومات والتعاون الاستخباراتي، وبرامج التدريب المشتركة، ودعم عملية إنفاذ القانون، والقيام بدوريات حدودية وعمليات مختلفة. لكن بدون التعاون الهندي الباكستاني، ستبقى هذه المبادرات بعيدة المنال؛ إذ يتعين على الهند وباكستان، أن تناقشا بهدوءٍ التحديات الأمنية الناشئة عن مختلف الجماعات الإرهابية الفاعلة في المنطقة.
وأخيرًا، فإن موقف الهند الهجومي ضد باكستان كلما وقع هجوم إرهابي على أراضيها يظل بسيطًا جدًا، إذ لا يعالج سوى جزء محدود من تحدٍّ أمني أكبر يستلزم بذل جهود مشتركة ومتضافرة، بل ومتواصلة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر