سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تغريد الطاسان
يصعب حصر القرارات التاريخية الأخيرة التي احتفى بها المجتمع السعودي بعد أن تحققت على يد الملك المثقف الواسع الاطلاع، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، صاحب الحزم والوضوح، وعلى يد صاحب التفكير الشبابي المتجدد ذي العزم والهمة التي تروم القمم، ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان.
إن ما أعلنه، مؤخرًا، رئيس الهيئة العامة للرياضة، الأستاذ تركي آل الشيخ، من السماح للعائلات بحضور المناسبات الرياضية في الملاعب المنتقاة كمرحلة أولى، التي سيتم تجهيزها لذلك، لا أعتبره مجرد سماح بدخول منشأة اصطلح على تسميتها ملعب، بل أراه في عمقه السياسي ومعانيه الاجتماعية المهمة، دخولاً إلى “حياة سواء”.
في معاجم اللغة، تعني كلمة (سواء): “العدل والنصفة والسوية والشبه”، ومعنى النصفة: وسط الشيء. فإذا قلت (رأيته في سواء المدينة)، أي: في وسطها.
ومعنى السوية: التماثل والتشابه. فإذا قلت (جاء زيد على سواء من الأمر)، أي: مماثل
ما يحدث الآن في المملكة العربية السعودية، هو جعل الحياة بتفاصيلها المعيشية ومظاهرها المعتادة، وتلك التي جدت أو تجد عليها مع تطور العصر، “سواء” بين الجنسين، مع التأكيد الذي لم يفت على رئيس هيئة الرياضة أن ينوه إليه، وهو أن خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، كما هما حريصان كل الحرص على منع المحرمات، هما أيضًا حريصان على عدم حجب أو منع الناس من المباحات.
عندما أستهل هذه الكتابة بإحدى صفات ملكنا المحبوب، وهي الثقافة والاطلاع التي تنضم إلى صفاته السياسية والقيادية المعروفة للعالم أجمع، فإنني أشير إلى المعاني التي تتحقق على يديه لمواطنيه كتطبيق فعلي وعملي لكلمة “سواء”، المعاني التي ستكسر كثيرًا من الجليد في المحيط الاجتماعي الذي جعله التوجس وسد الذرائع وغيرها من الأفكار، لا يبدو في شكل طبيعي عفوي لفترة من الزمن.
أمَّا أميرنا الشاب المتقد، ولي العهد الأمين، فيتفق كل المنصفين في العالم على أن له ” كاريزما” مميزة أضفت على الأداء السياسي الخارجي والمحلي، أبعادًا كثيرة، أجدني – دومًا – أهمس لنفسي وأقولها لمن حولي بأحد هذه الأبعاد، وهو “وضع الأمور في نصابها” الذي تستحقه بلادنا، ونستحقه نحن كمواطنين – نساء ورجالاً – في هذه البلاد، ليس هذا فحسب، بل إنه يقول لنا وللعالم إن بعض التفاصيل الإصلاحية الصغيرة ستكون سريعة ومتلاحقة؛ لأن ما نحلم به، وما نريده لبلادنا وشعبها، أكبر بكثير من مجرد التخلص من شكليات فرضتها مرحلة معينة، وأفكار غير صحيحة.
وعودًا على مناسبة هذه الكتابة، وهي السماح بدخول العائلات إلى الملاعب، فأقول إن هذا يأتي في جملة الإصلاحات الكلية في البلاد، والإصلاح الرياضي، على وجه الخصوص، الإصلاح الذي لا يشمل فقط فكرة حضور بديهية في محفل عام، ولكن أيضًا هو في عمقه الأبعد، فكرة تنشيط الرياضة وثقافتها في أذهان كل أفراد العائلة على حد “سواء”
سيعارض البعض، وهم الأقلية، وعلينا بهدوء، ودون مشاعر تشفٍ لن تخدم وسطيتنا، وهدفنا الأسمى في التعايش، أن نقول لهم دومًا إن علماء هذه الأمة اتفقوا دومًا، وعلى مرِّ التاريخ، على أن الشريعة وُضعت للمحافظة على الضرورات الخمس: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال. وكل ما يحدث اليوم لا يمس أيًا منها، بل هو على العكس، يصب أحيانًا في خدمتها والمحافظة عليها.
في البداية .. ربَّما لا أحضر مع عائلتي مباريات النادي المفضل في كرة القدم، في الوقت الذي قد أرغب فيه حضور مناسبات المنتخب الوطني؛ لأن فيها جزءًا من تربيتي الوطنية لنفسي ولصغاري، وربَّما أبتعد عن الزحام والضجيج في المباريات الكروية الحساسة، لكنني قد أرغب في حضور منافسات أولمبية أثق أن بلادي التي تسير بهذه الخطى المتسارعة ستستضيفها. وهناك أكثر من “ربَّما” تجول في خاطري كامرأة، سيظل في – اعتقادي – أن حضورها المدرج، فيه إضافة لها، ولمجتمعي، ووطني، رغم أنف المتشائمين المقللين من أهمية هذا القرار.
الشاهد المهم في هذه الخطوة الجديدة في المملكة العربية السعودية المتجددة، هو وضع “الخيار” أمام المرأة، بل إنني أعتبره وضع الخيار أمام “الأسرة” السعودية ككل، ليضاف إلى خيارات أخرى، ليس بالضرورة أن يختارها البعض، أو تطبقها كل النساء، فهي كفرد ليس شرطًا أن تقود سيارتها؛ لأنها اختارت ذلك، وهي ربَّما كقرار أسري متفق عليه لا تفعل، لكن ليس لأن أحدًا ما يعتقد بأفكار ما، ليست صحيحة يضع منعها قيادة السيارة – مثلاً – في خانة “الإجبار”، وبالمثل يمكن ضرب المثل بحضور المناسبات الرياضية، وأؤكد على كلمة المناسبات الرياضية، وليس فقط المباريات الكروية، لأنني أعتقد أن بعض الرياضات ستكون جاذبة أكثر للعائلات، وينتابني إحساس أن هذا القرار سيحسن من بعض الرياضات غير المشهورة عبر تحسين وزيادة علاقة الجمهور، من الجنسين بها.
في كل مكان في العالم، توجد أسر كثيرة لها راعٍ واحد، وفي حال كون هذا المسؤول هو الأم، تجد الأسرة عندنا، أو لعلني أقول كانت تجد الأسرة خيارات أقل من تلك التي يعولها الأب، أو حتى الأبوان معًا. وهذا قريبًا، ومع مزيد من القرارات، سيصبح من التاريخ، وستصبح الأم قادرة على الاستمتاع بالخيارات المتاحة لتقرر لأسرتها الأفضل، وتقوم به معهم مباشرة دون الحاجة لوسطاء أو وكلاء يجعلونها في قلق متصل..!
إن ما يحدث اليوم، هو جزء من مظاهر الحياة، وكل مظاهر الحياة العامة العادية التي بدأت النساء في استعادتها، في عهد الحزم والعزم والرؤية الجديدة التي تحارب التطرف والإقصاء، كلها أشياء كانت في الماضي غير البعيد معاشة. ومن يسمع قصص الآباء، يعرف أن أسواق المدن القديمة في الرياض وغيرها، تزخر بالباعة من النساء والرجال، غالبيتهم من أبناء الوطن، ولم يوجد أحد يعكر صفو هذه العفوية والاختلاط العام المباح تحت أعين الجميع، وكان ذلك يحدث تحت نظر وسمع علماء أجلاء لهم وزنهم الديني، ووضعهم الاجتماعي، بل حتى الرسمي في مناصب حكومية، ولم نسمع أن أحدًا منهم منع امرأة أن تبيع، أو تشتري، أو يضع قيودًا على الحراك الاجتماعي الفطري آنذاك.
وما أعلنه معالي الرئيس، ليس فقط قرار السماح للنساء بدخول الملاعب, بل تعداه لإيجاد بيئة ترفيهية في الملاعب نفسها وحواليها، تسمح للأسرة بالذهاب معًا، وممارسة خيارات عدة في مكان واحد.
في يناير القادم، ستكون البداية مع الملاعب والنساء.. وفي شوال القادم، ستكون البداية للمرأة وقيادة السيارة.. هي بدايات منتظرة نرجو من خلالها أن نستعيد فيها الطبيعة التي يعيشها الكل، ونراها نحن على بعد، ويتوجس البعض منها بلا سبب..!
ما يهمنا الآن, أن صاحب القرار لم ينتصر لطرف ويحرم آخر، بل جعل الكل على سواء.
والخيارات متساوية، والقرار في الأخير لك كفرد أو كأسرة.. وهذا ما يجب عليه أن تكون حياتنا، نكون فيها على سواء، ونملك قرارنا وخيارنا، ونلتزم بالنظام العام ونحترم الحريات والاختلافات..
الرئيس التنفيذي لمجموعة تغريد للإعلام والتدريب*
taghreed_i_t@
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر