سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
فريدريك كليم
يكشف الانتشار العالمي لفيروس (كوفيد – 19) الميل القومي القوي في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ومن المفارقات، كيف أن هذا الميل يوفر للصين فرصة فريدة للتألق. ففي 17 مارس 2020، قال الزعيم الصربي “ألكسندر فوتشيتش” إن شعبه فقد إيمانه بوجود التضامن الأوروبي، ووصفه بـ”حكاية خرافية على الورق”. فقط “صديقه شي جين بينغ” والصين يمكنهما مساعدته على إدارة أزمة (كوفيد – 19).
ورغم السخرية من هذا الأمر كانت الصين، منذ بداية الأزمة الصحية العالمية حتى الآن، تدعم ولو ظاهريًا أوروبا وإفريقيا لإدارة هذه الجائحة. ونتيجة لذلك، قد تتحول أزمة (كوفيد – 19) إلى واحدة من اللحظات الضبابية التي تغير العلاقات الدولية.
الصديق عند الحاجة
بعد انحسار الموجة الأولى من عدوى (كوفيد – 19) في آسيا، تحول الانتباه إلى أوروبا حيث يُضرب أعضاء الاتحاد الأوروبي بشكل أقوى مما أصاب معظم البلدان الآسيوية. فإيطاليا وإسبانيا تعانيان على وجه الخصوص، كما أنهما أصبحتا ثاني وثالث دول العالم تأثرًا بعد الصين.
وبينما دخلت إيطاليا في حالة من الحصار، كان التفشي العام التلقائي للتضامن المجتمعي شيئًا يجب التمسك به. ومع ذلك، لم يكن التضامن داخل المجتمع يقابله على الإطلاق التضامن الأوروبي. وعلى النقيض من ذلك، فبمجرد وقوع الأزمة، تحول أعضاء الاتحاد الأوروبي إلى هياكل وطنية أحادية. فعلى مستوى الاتحاد الأوروبي، تمَّ التخلي عن “الحريات الأربع” غير القابلة للتفاوض، وهي: حرية السلع ورأس المال والخدمات والأشخاص، على الفور؛ إذ تمَّ التخلي عن “منطقة شنغن” التي لم تضع حدودًا للأوروبيين. وعندما طلبت روما من “أصدقائها” الأوروبيين المساعدة في المعدات الطبية، أصبحت العواصم الأخرى على درجة عالية من الحمائية تمامًا وأصدرت حظر تصدير هذه السلع، متخلية عن السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي.
ومن اللافت للنظر مدى سرعة انهيار المثل العليا النبيلة ومؤسسات الاتحاد الأوروبي حالما تضرب الأزمة القارة. ويبدو أن بكين قد حددت حالة الطوارئ لـ(كوفيد – 19) العالمية باعتبارها فرصة فريدة لتصحيح سمعتها السيئة في العالم.
والآن بعد أن أصبح الوضع تحت السيطرة محليًا، تبيع بكين وتتبرع بالإمدادات الطبية في جميع أنحاء العالم، وفي أوروبا والولايات المتحدة وإفريقيا، فقامت بتصدير الملايين من أقنعة الوجه ومجموعات الاختبار إلى إيطاليا بجانب الخبراء الطبيين لدعم إيطاليا المدمرة.
ومما يساعد في هذا الأمر كثيرًا أن الخبراء الصينيين لديهم خبرة سابقة في التعامل مع “سارس” SARS-CoV2، حيث يتم إنتاج الكثير من الإمدادات الطبية العالمية التي تشتد الحاجة إليها في جميع أنحاء العالم في الصين. ويمكن لبكين ببساطة أن تأمر مُصَنِّعيها بزيادة الإنتاج إلى ما هو أبعد بكثير من الاحتياجات المحلية وتصبح جهود الإغاثة من الوباء منخفضة التكلفة إلى حد ما.
القوة الناعمة والقيادة العالمية
على النقيض من القوة الصلبة، فإن القوة الناعمة هي قدرة الدولة على تشكيل تفضيلات الآخرين من خلال الجاذبية بدلاً من إجبارهم على القيام بما قد لا يفعلونه خلاف ذلك.
وفي حين أن الصين الصاعدة لديها بالفعل أكبر قوة اقتصادية من حيث تعادل القوة الشرائية وقوة عسكرية متنامية، فقد افتقرت بكين إلى القوة الناعمة، خاصة في الغرب. يقول الأستاذ البارز “دون إيمرسون” إنه يجب أن نبتكر متناقضًا للقوة الناعمة لوصف النفوذ العالمي للصين بما يتجاوز الاقتصاد والقوة العسكرية.
إن اجتياح المساعدات الصينية لمواجهة أزمة (كوفيد – 19) يمثل فرصة لبكين لإعادة تموضعها. كما يمكن أن يصبح مُغَيِّرًا للعبة، ولا سيما الطريقة التي يُنظر بها إلى الصين في هذا السياق، حيث تتحول من النظام الاستبدادي الذي احتضن وباءً عالميًا إلى صاحب مصلحة دولي مسؤول ومزود للسلع العالمية في لحظة الأزمة.
وفي الوقت نفسه، فإن منافسي الصين في واشنطن يتجهون نحو الداخل. وشأنه شأن الكثيرين نجد الرئيس ترمب يركز أكثر على أولويات المشهد الانتخابي. فبدلاً من تولي القيادة العالمية في لحظة أزمة، تبنى ترمب نظرية “كبش الفداء” حيث وصف الفيروس بالفيروس الصيني، وحاول السيطرة على شركة ألمانية تعمل على إنتاج اللقاح، لضمان الحقوق الأميركية الحصرية للمنتج.
وبينما يتراجع الرئيس ترمب نحو منهج “أميركا أولاً”، تحاول الصين ملء فراغ قيادة الأزمات الناشئة من ذلك. فقبل بضعة أشهر فقط، وسط السخط العام والغضب من النمط الاستبدادي في التعامل مع هذه الأزمات، كاد (كوفيد – 19) يمثل ما يمكن تسميته “تشي جين بينج ووتر جيت” Xi Jinping’s Watergate.
والآن، يوفر الفشل التام في أوروبا والولايات المتحدة في منع انتشار الفيروس بالمجتمع للقيادة الصينية فرصة لتغيير الموقف لإسباغ صورة خَيِّرة، وتوطيد مكانة النظام الحاكم في الداخل والارتقاء إلى مكانة القيادة في الخارج.
تأرجح البندول
لطالما أعطت اقتصادات الاتحاد الأوروبي الكبيرة القائمة على التصدير، الأولوية للتجارة مع الصين على أي شيء آخر. ومع ذلك، بدا أخيرًا أن الاتحاد الأوروبي كان يستجيب لدعوات شريكه عبر الأطلسي لتحدي الصين بشكل أكبر في قضايا التجارة والحكم الرشيد. فقد وصفت مفوضية الاتحاد الأوروبي للمرة الأولى الصين بأنها “منافس نظامي” وتعهدت باتخاذ موقف أكثر قوة تجاه بكين.
وردت بكين بالسعي إلى علاقات أوثق مع أعضاء الاتحاد الأوروبي، من خلال عدة أمور من بينها إشراك أكبر عدد ممكن من الدول الأوروبية في “مبادرة الحزام والطريق” (BRI). حيث يروج الرئيس الصيني لنموذج الحكم والتجارة الصيني على النقيض من النموذج القومي الحمائي الذي تتبعه أميركا.
وبالطبع، لا تزال الغالبية العظمى من القادة الأوروبيين يعطون الأولوية لعلاقاتهم عبر الأطلسي على العلاقات الأوراسية. لكن استغلال الصين الماهر لأزمة (كوفيد – 19) سيؤثر بالتأكيد على الحالة المزاجية بين العديد من الأوروبيين، وربَّما يتأرجح في بعض المجتمعات.
وفي حين أن (كوفيد – 19) لن يتأرجح السياسي لصالح الصين بشكل كامل، فإن زيادة القوة الناعمة النسبية مقابل واشنطن وبروكسل تقطع شوطًا طويلاً، خاصة في إيطاليا، ومجموعة الدول الصناعية السبع، حيث سيصبح الميل أكثر تفضيلاً ناحية الصين على حساب العلاقات القارية والأطلسية.
لقد كانت إيطاليا أول دولة غربية كبرى توقع على “مبادرة الحزام والطريق” وستساعد بكين في هذه الأزمة على تعزيز الأصوات التي تدعو إلى توثيق العلاقات الصينية على الرغم من الضغوط الأميركية.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: مدرسة راجاراتنام للدراسات الدولية
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر