سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عبدالله الأيوبي
صاعدت في الآونة الأخيرة الخلافات بين عضوي حلف شمال الأطلسي، تركيا واليونان، على خلفية إصرار أنقرة على التنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط وفي المنطقة التي تعتبرها اليونان منطقة مصالحها الاقتصادية في حين ترفض أنقرة الموقف اليوناني وتعبر عمليات التنقيب التي تقوم بها متماشية مع القانون الدولي وحقها الطبيعي في الثروة الكامنة في هذه المنطقة، وهذا الخلاف هو جزء من خلاف إقليمي أوسع أطرافه ليس فقط تركيا واليونان وإنما هناك أيضا مصر وقبرص اللتان تدخلان في خلاف أيضا مع تركيا حول نفس القضية، أي المصالح النفطية والغازية في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، ثم جاء الاتفاق اليوناني المصري لترسيم الحدود البحرية بين البلدين ليضفي بعدا آخر إلى شبكة الخلاف الإقليمي السالف الذكر.
من يتابع نهج ومسار السياسة الخارجية التركية لا يفوته ملاحظة التحول النوعي في هذه السياسة، أي أن النظام التركي الحالي بدأ يعطي إشارات عملية في أكثر من موقع على أنه مصر على إعادة أحياء الدور الإقليمي الذي كانت تلعبه الإمبراطورية العثمانية، رغم أن إحياء هذا الدور يعد بمثابة الحلم غير القابل للتحقق، إلا أن الخلل في أكفة الموازين في المنطقة وضعف العديد من الحلقات، وخاصة العربية منها، شجع القيادة التركية على التمسك بهذا الحلم واعتقادها بإمكانية إحيائه، والتدخل العسكري في ليبيا واحتلال أجزاء من سوريا والعراق تحت حجج مختلفة، ليس بينها حجة مشروعة أو منطقية، إنما يؤكد ذلك.
عودة إلى الخلاف اليوناني التركي وما إذا كان فعلا هو خلاف اقتصادي، أي تنازع الحق في الاستفادة من الثروة النفطية والغازية في المنطقة المتنازع عليها، أم أن ما يحدث هو امتداد لخلافات تاريخية قديمة، سياسية منها بالدرجة الأولى، زادها بلة الاحتلال التركي لنصف جزيرة قبرص بداية سبعينيات القرن الماضي بحجة حماية الأقلية التركية القبرصية في مواجهة ما تعتبره تركيا تعديا على حقوقها من جانب القبارصة اليونانيين المدعومين من أثينا.
عضو هيئة تحرير التقرير التحليلي «روسيا إفريقيا-رؤيا مشتركة» الخبير الروسي أندريه ماسلوف في تصريح له نشرته مجلة «كوميرسانت» الروسية استبعد «أن تؤدي أعمال الاستكشاف في المنطقة المتنازع عليها بين تركيا واليونان إلى اكتشافات مهمة، مضيفا أن «تصعيد المطالبات المتبادلة من قبل الطرفين سيعوق إمكانية اتخاذ قرارات استثمارية في هذه المنطقة، سواء لإنتاج الغاز أو نقله»، وبالتالي بحسب رأي الخبير نفسه «لا ينبغي المبالغة في البعد الاقتصادي للصراع اليوناني التركي، وخاصة المتعلق بالنفط والغاز منه».
ما يعنينا كعرب في هذا الموضوع، ليس ذلك الشق المنحصر في الخلاف التركي اليوناني، فالدولتان عضوان في حلف شمال الأطلسي ومهما بلغ الخلاف بينهما من ذروة فإنه لن يصل إلى حد الصدام العسكري، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن أيا من الدولتين لن تلجأ إلى هذا الخيار لعوامل كثيرة جلها خارجة عن إرادة الطرفين، مهما أطلقا من تصريحات «وطنية» حماسية في غالبيتها ذات ألوان دعائية مرتبطة بالشأن الداخلي، خاصة من جانب حزب «التنمية والعدالة» التركي.
ما يعنينا بالدرجة الأولى أهداف السياسة التركية في المنطقة بشكل عام، ذلك أن خلافها مع اليونان يخصهما فقط، ولا تأثير يذكر له على مصالح الدول العربية الوطنية، بما في ذلك مصر التي هي الأخرى في خلاف مع تركيا بشأن المصالح الاقتصادية في شرق المتوسط، ثم إن الخلاف اليوناني التركي هو خلاف سياسي ذو غطاء اقتصادي، لهذا يذهب الخبير الروسي في تصريحاته إلى القول إن «تركيا، أولاً وقبل كل شيء تريد ليبيا باحتياطاتها من الذهب والنقد الأجنبي، البالغة 77 مليار دولار، وإمكانية شراء النفط وإنتاجه هناك، ومن خلال أخذ تركيا على عاتقها دور راعي ليبيا ستواصل نهج احتواء خصومها».
هنا يكمن مربط الفرس بالنسبة لنا كدول عربية، حيث تتعرض العديد من دولنا لهجمة تركية غير مسبوقة، هجمة عسكرية وسياسية، واقتصادية في آن واحد، فالاندفاع التركي نحو ليبيا والدخول العسكري المباشر في الصراع الداخلي بين الفرقاء الليبيين، تحت حجة تنفيذ «اتفاقية التعاون مع حكومة فايز السراج»، أو كما تقول أنقرة «دعم الحكومة الشرعية»، لكن الحقيقة تقول عكس ذلك، فالأطماع الاقتصادية في الثروة الليبية الهائلة هو الهدف الحقيقي والرئيسي وراء هذا الاندفاع التركي للدخول في الصراع، خاصة أن الشقيق الآيديولوجي وفر لهم هذا الغطاء في ليبيا.
من الواجب الوطني والقومي الملقى على عاتق الدول العربية، التصدي لأطماع تركيا في ثروة الشعب الليبي الشقيق وعدم تمكينها من تكريس وجودها العسكري والاقتصادي فوق الأراضي الليبية، لأن هذا التواجد سوف يشكل أكبر خطر مستقبلي كبير على الأمن الوطني الليبي وباقي دول الجوار، السؤال هو: هل من شأن الاتفاق اليوناني المصري على ترسيم الحدود البحرية بين البلدين أن يدعم ذلك، تركيا رفضت الاتفاق واعتبرته «كأن لم يكن»، وفي هذا الرفض تكمن التفاصيل.
المصدر: صحيفة أخبار الخليج
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر