سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
بول دريسن
يُعتبر “المنتدى الاقتصادي العالمي” الذي ينعقد في دافوس بسويسرا أكثر المؤتمرات السنوية المرموقة في العالم. وتتمثل مهمته المعلنة في “تحسين حالة العالم من خلال إشراك رجال الأعمال والسياسيين والأكاديميين وغيرهم من قادة المجتمع في صياغة أولويات أجندات الأعمال العالمية والإقليمية والصناعية”.
وكان موضوع هذا العام هو “أصحاب المصالح من أجل عالم متماسك ومستدام”.
وقد تمثلت الفكرة الأساسية لنسخة هذا العام من المنتدى في التأكيد المتكرر على أن العالم يواجه كارثة مناخية في الوقت الراهن. لذلك، فإن رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين” ترغب في فرض ضرائب على واردات الطاقة المعتمدة على الكربون في الاتحاد الأوروبي وإنهاء الممارسات المتمثلة في “الحصول على الموارد من البيئة وتوليد النفايات والتلوث من خلال هذه الممارسات”. وتصر “دير لاين” على أن “الطاقة الخضراء” “لن تفعل أي شيء من هذا القبيل.
إذ تستند مطالبات الأزمات المناخية إلى نماذج حاسوبية جيدة فقط، مثل الافتراضات المتضمنة فيها، ومحاولات إلقاء اللوم الخاصة بتغيرات درجات الحرارة، والأحداث المناخية القاسية، والأزمات المستقبلية على انبعاثات الوقود الأحفوري؛ لأن هذه الافتراضات والنماذج تقول إنه توجد علاقة تأثير واضحة.
هنا نشير إلى النموذج الأكثر شيوعًا، الذي يتوقع بأن درجات الحرارة أعلى بكثير مما نقيسه بالفعل، وهو ما يرتبط بكافة الكوارث في المستقبل. لكنه يعتمد على الافتراضات بأن غاز الميثان وثاني أكسيد الكربون المخصب للنبات، يوجد بنسبة ضئيلة جدًا في الغلاف الجوي للأرض، وهو ما يعدُّ أكثر أهمية من الشمس في قيادة تغير المناخ؛ إذ سيكون على كوكبنا نحو 12 مليار شخص بحلول عام 2100. ومن ثَمَّ، فلن يكون هناك ابتكارات في مجال الطاقة على مدار الثمانين عامًا المقبلة، كما أن استخدام الفحم سيزيد بمقدار عشرة أضعاف بحلول نهاية القرن. وعلى ذلك، فمن المفترض أن يتم تبني سياسات طاقة تقييدية، على رأس أولويات الموضوعات التي تطرح في اجتماعات منتدى دافوس.
من هم أصحاب المصالح الذين سيتم التشاور معهم في دافوس؟
لقددُعِيَت “غريتا ثونبرغ” لتقديم طلب الحصول على براءة اختراع بشأن ابتكارها الذي يدمر الوقود الأحفوري مستقبلاً. لكن أيًّا من الواقعيين أو المشككين ومن لديهم مخاوف بشأن المناخ، لم يُمنح الفرصة للحديث عبر منصة دافوس، كما لم يكن هنا أيٌّ من ممثلي عمال المصانع في الاتحاد الأوروبي، أو الولايات المتحدة، أو أفقر مواطني العالم.
لكن الخبر السار في هذا السياق أن العديد من المصرفيين أكدوا أنهم لن يوقفوا إقراض الأموال لشركات الوقود الأحفوري أو “الملوثين الرئيسيين”. ليبقى السؤال: هل ستشمل هذه الفئة الأخيرة شركات التعدين التي ستضطر إلى توفير مواد خام ضخمة للولايات المتحدة وبقية دول العالم الكبرى بما يعرف بـ”الصفقة الخضراء الجديدة” كما هو موضح أدناه؟ إن الأخبار السيئة تشير إلى أن المصرفيين والسياسيين في دافوس يسمحون لأنفسهم بالضغط المستمر بشكلٍ أساسي من قِبَل “أصحاب المصلحة” من اليساريين المتطرفين الذين يتبنون الرهانات المختلفة، ونخبة حكام العالم، لاجتياز مواقف الدول المتقدمة بشأن مستويات المعيشة وتطلعات البلدان الفقيرة لحياة أفضل.
وبخلاف التأكيدات التي وردت في دافوس، نجد أنه رغم التشاور مع الشعوب الأصلية، يُفترض أن ثمة مبادئ أساسية تحكم عمل الجميع. فبدون التشاور مع أصحاب المصلحة في ألاسكا الأصليين الذين يرغبون في التنقيب بعناية وبحرص على البيئة عن النفط والغاز على أراضيهم، أملاً في تحسين أوضاعهم المعيشية، قررت “جولدمان ساكس” أنها لن تقوم بتمويل مثل هذه المشروعات في القطب الشمالي.
فمع سيطرة التيار الرئيسي ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل متزايد على الأخبار والرأي العام، وانحيازها إلى من يتبنون دق نواقيس الخطر والإنذار بشأن مناخي، والناشطين المناهضين للوقود الحفري، فإن هذا الضغط سيستمر في التزايد، وهو ما يلحق الضرر بالبشرية بشكل عام.
هل ستدخل المواضيع والبرامج وأجندات دافوس في عالمٍ أكثر “تماسكاً”؟
على الأرجح سيكون العكس هو الصحيح، إذ يتوقع أن يكون هناك حرمان من الطاقة الأحفورية الوفيرة والموثوقة ومتواضعة التكلفة والطاقة النووية. ويهدف النشطاء البيئيون، فضلاً عن توقع أن يكون هناك حرمان من الكثير من الوظائف وتراجع مستويات المعيشة والصحة وجودة الحياة. فموت الناس بأعداد كبيرة بحد ذاته يعتبر أحد ذرائع دعاة حماية البيئة الذين يشعرون بالهلع من عالمٍ مكتظٍ بالسكان، والدعوة لتبنى سياسات “الصفقة الخضراء الجديدة”. ومن المتوقع أن تجلب هذه السياسات الغضب والاحتجاجات والعنف والفوضى، كما حدث في كل من فرنسا وشيلي بشكل واضح خلال العامين الماضيين.
فمن بلدان إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية إلى وجود دول لديها مناجم هائلة تخدم مصالح دول لديها التزامات دولية بيئيًا، ينبغي أن يكون هناك حالة من التشدد مع مشروعات التعدين داخل حدودها. كما ينبغي للمواطنين في الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية قبول المنشآت الضخمة للرياح والطاقة الشمسية في الأماكن المتسعة أو قبالة سواحلها، وستكون النتائج متشابهة.
هل هو عالم “مستدام”؟
نعم، إن الوقود الأحفوري يمثل موردًا محدودًا في نهاية المطاف. فبعد مئات السنين من الآن، وبعد نفاد الاحتياطات الضخمة من الفحم، وكذلك النفط والغاز، وهيدرات الميثان وغيرها من الإمدادات، وذلك بافتراض أن صانعي السياسة يحتفظون بها ولكن قبل حدوث ذلك بوقت طويل، فإن الابتكار والتقدم العلمي سيوفر بدائل أفضل بكثير من توربينات الرياح، إذا تركنا الإبداع في البحث العلمي يزدهر.
وفي الوقت نفسه، يمكننا أن نتذكر أن الرياح وأشعة الشمس قابلة للاستمرار. لكن الأراضي والمواد الخام اللازمة للتكنولوجيات لتسخير هذه الطاقة المتقطعة التي تمَّ صرفها على نطاق واسع، ليست كذلك على الإطلاق.
فالاستدامة تعدُّ مفهومًا مفيدًا لتقييم التكاليف والمخاطر والمسؤوليات الائتمانية الخفية مثل تلك المرتبطة بتغير المناخ، كما يتم تذكيرنا باستمرار. لكن يجب أن نطبق نفس هذه الاعتبارات على عمليات الرياح والطاقة الشمسية والبطاريات والوقود الحيوي، والتأثيرات على الحياة البرية، ونوعية الهواء والماء، وصحة الإنسان ورفاهيته في مناطق التعدين والتصنيع الجديدة الخضراء، ورفاهية الإنسان في عالم محروم من الطاقة، فضلاً عن زيادة الجوع والموت والغضب وأعمال الشغب والفوضى.
وكما تشير تقارير معهد “هارتلاند الجديد” New Heartlandوغيرها من المقالات السابقة، فإن الوقود الأحفوري والنووي يوفران حاليًا أكثر من 8 مليارات ميجاوات/ ساعة من الكهرباء والطاقة المكافئة للكهرباء سنويًا، اللازمة لتلبية الاحتياجات الصناعية، وكذا الاحتياجات التجارية والسكنية والنقل في الولايات المتحدة الأميركية. ذلك أن استخدام الطاقة الشمسية لتوليد كل تلك الطاقة، وشحن البطاريات لعدد من الأيام التي لا تسطع فيها أشعة الشمس، سيتطلب نحو 19 مليار لوحة لاستقبال أشعة الشمس تقوم على أحدث التقنيات، مما يغطى مساحة تساوي كلاً من نيويورك وفيرمونت بالكامل.
لكن ذلك يفترض أن جميع الألواح تقع حيث تشرق الشمس بكثافة أريزونا الصيفية، فتكون درجة الحرارة الصغرى 7 وتصل العظمى إلى 24 على مدار العام، وهو ما لن يحدث أبدًا. لذلك ربَّما يتعين علينا مضاعفة عدد اللوحات والمساحات المتأثرة بمقدار يصل إلى ثلاثة أضعاف. في حين ستكون الآثار المترتبة البشرية كبيرة جدًا.
كما سيتطلب استخدام توربينات الرياح بقدرة 1.8 ميجاوات بدلاً من الألواح الشمسية التي تصل لأكثر من 4 ملايين توربين في المزارع والغابات والأراضي ذات المناظر الخلابة التي تعادل مساحة أريزونا ونيفادا وكاليفورنيا وأوريجون وجزءًا من واشنطن مجتمعة. ولكن كلما قمنا بتركيب هذه الألواح، زاد عدد التوربينات في مواقع الرياح الفقيرة. بل ربَّما يتعين علينا مضاعفة عدد التوربينات، بمقدار يصل إلى ثلاثة أضعاف، فضلاً عن اتساع المساحة المتأثرة. كما ستكون طواحين الهواء سريعة الدوران قد تصل إلى 200 ميل في الساعة، ما قد يؤدي إلى قتل ملايين النسور والصقور والطيور والخفافيش الأخرى.
إن ذلك يتطلب الوجود في الأماكن البعيدة بدلاً من استخدام مئات الآلاف من توربينات بقوة 10 أمتار يصل طولها إلى 650 قدمًا. إذ سيكون تأثيرها على الطيور والخفافيش والثدييات البحرية والمشاهد البحرية والملاحة الجوية أمرًا لا يطاق.
ويتطلب كل توربين سعة 1.8 ميجاوات، حوالي 1200 طن من الفولاذ والنحاس والألومنيوم والموارد النادرة والزنك والموليبدينوم والمواد المركبة القائمة على النفط والخرسانة المسلحة وغيرها من المواد. ويتطلب كل طنٍ من المواد إزالة آلاف الأطنان من الصخور ومعالجة الخامات بالوقود الأحفوري. وفي الواقع، تحتاج توربينات الرياح إلى مواد تزيد بمقدار 200 مرة عن كل ميجاوات من التوربينات الغازية ذات الدورة المركبة الحديثة.
ويتطلب تخزين أسبوع من الكهرباء لفترات بدون رياح وبدون شمس نحو ملياري حزمة من بطاريات الليثيوم للسيارة بنصف طن، فضلاً عن المزيد من المواد، والمزيد من التعدين. كما أن توصيل منشآت الرياح والطاقة الشمسية والبطاريات إلى المدن البعيدة يتطلب آلاف الأميال من خطوط النقل الجديدة، والمزيد من العمليات التعدينية. على أن ذلك لا يشمل مواد لاستبدال السيارات والشاحنات وأنظمة التدفئة وغيرها من التقنيات الحالية في الولايات المتحدة وحدها. ولنا أن نتخيل عدد التوربينات واللوحات والبطاريات وخطوط النقل والمواد الخام والمناجم ومصانع التجهيز والمصانع التي نحتاج إليها من أجل تحقيق تحول عالمي.
لكن دعاة “الصفقة الخضراء الجديدة” لديهم موقف عداء تجاه التعدين، على الأقل من قبل شركات التعدين في الدول الغربية. لذلك يجري معظم عملياتها في أماكن بعيدة لا تحتوي على أي قواعد بيئية أو صحية أو عمالة من الأطفال. فأماكن مثل منغوليا، أعاقت عمليات التعدين فيها حصولها على هواء نقي، كما تمَّ إنشاء بحيرة سامة ضخمة، أدت إلى تسمم الآلاف من الناس. وفي الكونغو في إفريقيا، يعمل نحو 40 ألف طفلٍ في مناجم الكوبلت فقط، وهي المناطق التي تحتاج حاليًا إلى الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والسيارات الكهربائية بدلاً من حاجتها لأي صفقةٍ خضراء جديدة.
أخيرًا، يجب إنهاء هذه الإمبريالية البيئية والاستدامة الزائفة. فبالنسبة لجميع أصحاب المصلحة الذين نصَّبوا أنفسهم، فإن مصلحة المواطنين ينبغي أن تكون الأهم، وأن يكون شعار “أنت أولاً” مثالاً يحتذى به؛ إذ يتم العمل على خفض استخدام الطاقة ومستويات المعيشة، ثم التوجه بلطف إلى البقية والطلب منهم أن يفعلوا الشيء نفسه. وهو ما ينبغي لكبار الأثرياء ورجال الأعمال أن يقوموا به.
فلماذا يجب علينا نحن؟ ولماذا يجب على فقراء العالم؟
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: أوراسيا ريفيو
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر