سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ديفيد بندوروسكي
“انتقدونا، وسنطيح بأجندتكم، لن تفوزوا بالقلوب ولا بالعقول”، رسالة الصين للسويد وغيرها من الدول الأوروبية.
بعد يومين من الانتخابات التي شهدتها السويد في شهر سبتمبر الماضي، ظهر بيان غريب بالإنجليزية على موقع السفارة الصينية باستكهولم، يقول: “إن حفنة صغيرة من القوات السويدية ووسائل الإعلام والأفراد قدمت ادعاءات لا مبرر لها بالتدخل الصيني في التصويت بالعملية الانتخابية السويدية. وكانت هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة”، وإنه كما يقول البيان “هجوم ضارٍ وتشويه ضد الصين”، لكن أغرب ما في الأمر أنه لم يكن لدى أحد في السويد أية مؤشرات على ما أشار إليه البيان.
وما إن انطلق ذلك البيان حتى انكفأ الخبراء على تحليل الخطاب وفهم فحواه، وتحديدًا مع انطلاق عاصفة جديدة إلى صدارة المشهد. وقد تمثل الأمر في هذه المرة في فيديو على الإنترنت يزعم أنه يظهر “المعاملة الوحشية” لثلاثة من السياح الصينيين بأحد فنادق ستوكهولم. وبقراءة التعليقات الغاضبة من وزارة الخارجية الصينية، نجد أن كل شيء بدا منطقيًا، حيث كانت تعبيرات الغضب جزءًا من استراتيجية دبلوماسية منسقة وتتسم بدرجة كبيرة بالغلو ومحاولة صرف الأنظار “الإلهاء”.
ويظهر الفيديو عملية نقل السياح الذين قيل إنهم السيد “تسنغ” ووالداه العجوزان، من الفندق على يد رجال الشرطة، وإيداعهم على الرصيف الخارجي، في حين يصرخ الابن بالإنجليزية: “هذا قتل”، وتجلس الأم على الرصيف وهي تبكي وتصرخ: أنقذوني! ووفقًا لصحيفة “أفتونبلاديت” المحلية، فقد وصل هؤلاء السياح إلى الفندق في الليلة التي سبقت حجزهم المقرر، وطلبوا البقاء في البهو طوال الليل. وقد تجاهلوا طلبات الفندق المتكررة للمغادرة، وبقوا على الأرائك في الرَّدهة. وقال أحد الشهود العيان إن الشرطة ظلت هادئة، حيال الأسرة الصينية التي كانت تصرخ، وقد تصرف الابن بشكل غريب، حيث رمى نفسه منبطحًا على الأرض. وقال المدعي العام السويدي “أجرينا التحقيق وتبين أن الشرطة لم ترتكب أية جريمة”.
لكن، أصرت السفارة الصينية في بيان لها بتاريخ 15 سبتمبر، على أن السياح تعرضوا لمعاملة وحشية من قبل الشرطة السويدية، مما “عرض حياتهم للخطر بشدة وانتهك حقوق الإنسان الأساسية للمواطنين الصينيين”، كما جاء بالبيان.
وانتشر الغضب بين كثير من الصينيين الذين شاهدوا مقطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي المحلية، بسبب ما رأوه من معاملة سيئة، لكن آخرين نظروا للأمر من زاوية مختلفة، واعتبروه نمطًا مألوفًا من اللجوء للتمثيل كوسيلة للظهور بمظهر المظلوم، وقد أصبح هذا النمط الذي أطلق عليه “الخزف المكسور” محط اهتمام، حيث استمرت أصداء الحادث في الانتشار بين الصينيين. وتشير أنماط تصنع الدراما للحصول على النتائج المرجوة، وفقًا لأحد التفسيرات، إلى صياغة هذا المصطلح لوصف أسلوب يستخدمه المحتالون الذين ينتظرون مع سفن الخزف الريفية خارج الأسواق المزدحمة ويطالبون بالدفع عندما تتعطل هذهالسفن، بسبب إهمال الآخرين. وحاليًا، فإنه غالبًا ما تتم الإشارة إلى قيام أحد الاشخاص برمي نفسه أمام حافلة للمطالبة بتعويض، وهو ما يتشابه مع الممارسات الصينية الشائعة جدًا، التي تبرزها مقاطع الفيديو ذات الصلة، حيث أصبحت حاليًا في كل مكان تقريبًا.
ومع ذلك، واصلت السفارة الصينية في السويد تصوير الحادث على أنه “حالة خطيرة لانتهاكات حقوق الإنسان”؛ إذ تمَّ الترويج لموقف وزارة الخارجية من قبل وسائل الإعلام التي تديرها الدولة. كما زعمت إحدى المقالات التي تمَّ تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي في صحيفة “الشعب”اليومية أن الحديث عن “الخزف المكسور”، ومحاولات أخرى للحد من حادث ستوكهولم، قد تمَّ إعدادها في الخارج من قِبَل “فالون جونج”، وهي حركة روحية وصفتها الحكومة الصينية بأنها عدو.
في هذه المرحلة انتقلت حالة الغضب الرسمية بين الصينيين بشأن مسرحية كوميدية أذيعت في 21 سبتمبر خلال عرض ساخر قدمته الإذاعة الوطنية السويدية (SVT)، والذي سلط الضوء على الحادث. حيث جاء في البيان الصادر عن السفارة الصينية لدى السويد أن المسرحية “تجاوزت الأساس الأخلاقي للقيم الإنسانية”؛ ذلك أنها وفقًا لما أشار البيان “انتهكت بشدة سيادة الصين ووحدة أراضيها” من خلال عرض خريطة لم تظهر تايوان والتيبت كجزء لا يتجزأ من الصين.
وقد جاء ذلك في حالة توتر – بالفعل – في العلاقات الثنائية، حيث زار “الدلاي لاما” السويد قبل أيام قليلة من ظهور الفيديو الخاص بالسياح. كما أنه من بين الأمور الأخرى التي تتضمنها القضية، استمرار سجن الصين للكاتب “جوي ميني”Gui Minhai، وهو مواطن سويدي في “هونغ كونغ”؛ ذلك أن السفارة الصينية تحاول أن تبعث برسالة إلى وسائل الإعلام السويدية والجمهور كما يقول “أوسكال ألمين” الباحث في جامعة “أوبسالا”.
وتتضمن هذه الرسالة وعدًا رسميًا للحكومة والمجتمع في أوروبا وخارجها، والتي تسعى لنقد السياسات والطموحات الصينية. ولهذا، فكما تتضمن الرسالة الصينية “سنسقط أجندتكم، وسنحطم الخزف والهدوء الدبلوماسي، ونغضب غضب شعبنا بحقائق محطمة إلى أن تتمحور كل قضية تثيرها حول قضية واحدة، ألا وهي الكرامة الوطنية للصين”.
في وقت سابق من هذا الشهر، انتقلت دبلوماسية “الخزف المكسور” إلى المؤتمر السنوي لحزب المحافظين البريطاني في برمنغهام، وصرخ صحفي عبر تلفزيون الصين المركزي المملوك للدولة موجهًا النقد لـ”هونغ كونغ”، خلال حدث نظمته لجنة حقوق الإنسان في الحزب البريطاني، وكان بين الحاضرين أعضاء بارزون من مؤيدي الديمقراطية بـ”هونغ كونغ”، وعندما كانت إحدى النساء تحاول إسكاته وتطلب منه المغادرة، فإنها على ما يبدو صفعت إحدى الفتيات، فردت الأخيرة مخاطبة إياها في حالة انفعال “كم هي ديمقراطية المملكة المتحدة”.
وكرد فعل على تلك الواقعة، طلبت السفارة الصينية في لندن اعتذارًا، وعندما أثيرت ضجة حول حقوق المراسل، جاء في بيان صادر عن السفارة أن “أي مؤامرة لتقسيم الصين، فإنها تسبح ضد تيار التاريخ”، بعبارة أخرى كان ينبغي تجنب مناقشة مستقبل “هونغ كونغ”.
ويبدو هذا النمط واضحًا عندما يتعلق الأمر بأي نقد أجنبي للحكومة الصينية، أو بالمسائل الاستراتيجية التي تتصل بها، فالجميع يذهبون إلى متجر صيني، ويكمن الخطر في أن مثل هذه الأعمال المسرحية يمكن أن تجعل الحكومة والجامعات والباحثين والصحفيين الأوروبيين يظلون صامتين، ويتراجعون عن القضايا التي يحتمل أن تؤدي إلى اندلاع ثورة، ومن ثَمَّ ينبغي على أوروبا أن ترسل رسالة بأنها ترحب بالمناقشة الحرة والمفتوحة والهادئة لكل القضايا، وأنها لن تعلق قيمها أو حقوق مواطنيها في محاولة لتهدئة الغضب الرسمي الصيني. وإذا رفضنا أن ننغمس في مثل هذه الأساليب، فإن الحكومة الصينية سيتم فهمهاعلى أنها رسالة تضمنمعنى “لن تفوزوا بالقلوب أو العقول من خلال الترهيب”.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: جريدة الجارديان البريطانية
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر