سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
في ظل رغبة الدب الروسي في البروز كقطب عالمي ثانٍ في المعادلة السياسية العالمية، وسعيه لمنافسة الولايات المتحدة في نفوذها العالمي، ومحاولته جاهدًا السعي بكل وسيلة وطريقة لكسب المزيد من أنصار له من بلدان العالم، وتحسين علاقته مع دول عدة عبر تعاون اقتصادي أو عسكري؛ أثير الحديث حول عرض سوداني من الرئيس عمر البشير، لإقامة قاعدة عسكرية روسية على أراضيه، وهو ما أكدته موسكو على لسان سفيرها “فلاديمير جيلتوف”، بأن ذلك ما زال قيد الدراسة والتفكير.(1)
غير أنه يبدو أن كلاً من موسكو والخرطوم تنظران إلى القاعدة بمنظورهما الخاص، الأمر الذي يفسر أمورًا عدة في العلاقات الدولية؛ فبينما ترنو السودان لأن يستخدم الجند الروس القاعدة لحماية السودان من التهديدات الأميركية، ترى موسكو أن أهمية القاعدة – إن أنشئت – ستكمن في إمداد السفن الروسية في البحر الأحمر. ويبدو أن السودان أصبحت تلعب على المتناقضات، فعلاقتها مع واشنطن قد أخذت في التحسن تدريجيًا بعد إعلان الأخيرة رفع العقوبات – جزئيًا – عن الخرطوم التي بدأت تعود بشكل طبيعي إلى المجتمع الدولي، وهو ما نستدل عليه من حديث وزير الخارجية السوداني، عن عودة السودان مرة أخرى للعمل ضمن اتفاقية التجارة الدولية، وهو ما يجعلنا نرى أن تلك الخطوة مفاجئة وتأتي عكس السياق.
ولعل توقيت الطلب – أيضًا – يدفعنا إلى طرح المزيد من التساؤلات حول الدافع وراءه، عقب الرفع الجزئي للعقوبات على السودان بعد أن كانت على لائحة الدول الإرهابية التي وضعتها الولايات المتحدة.
التقارب الروسي السوداني، ليس وليد اللحظة، فالزيارات المتبادة التي تمثل أهم أوجه التعاون في العلاقات الدولية، كانت حاضرة في تاريخ العلاقة بين البلدين في نوفمبر 2017؛ إذ وقعت روسيا والسودان بمدينة سوتشي الروسية، اتفاقًا حكوميًا للتعاون في مجال استخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية، كما تم َّتوقيع اتفاقية لبناء محطة طاقة نووية بقدرة 1200 ميجاوات، تنفذها شركة “روس آتوم” الروسية.
تعاون عسكري
التعاون العسكري بين البلدين، وصل إلى مستوى عالٍ، خلال الفترة الماضية، وهو ما نستدل عليه مما صرح به الرئيس البشير، أثناء زيارته إلى روسيا في نوفمبر 2017، عن رغبة بلاده في تطوير ممثلية التعاون العسكري مع روسيا من “ملحقية” إلى” مستشارية”، وأنّ السودان لديها برنامج لإعادة تحديث القوات المسلحة، فالقوات المسلحة بحاجة لترتيب وتحديث، وكل معدات الجيش السوداني روسية، ما يجعل السودان بحاجة إلى مستشارين في هذا المجال.وطلبه – أيضًا – تزويد بلاده بمنظومة الدفاع الجوي “إس300″، إضافة إلى قوارب دورية وقوارب صواريخ. وبات واضحًا أن السودان تعتمد على العتاد العسكري الروسي بدرجة كبيرة، إذ يضم سلاح الجو السوداني نحو 88 طائرة مقاتلة من طراز “ميغ 29”.(2)
وما يعزز من ذلك الحديث – أيضًا – هو ما قاله البشير، إن الخرطوم وموسكو لديهما برنامج لتطوير القدرات العسكرية السودانية، وإن هذا التطوير يهدف إلى التصدي لأي تهديد يواجه السودان. ويبدو أن البشير كان مستندًا على حقائق، إذ إن عدة تقارير قد أشارت – آنذاك – إلى أن روسيا زودت السودان بمقاتلات من طراز “سوخوي 35″، وأن سلاح الطيران السوداني يعتمد حاليًا بدرجة كبيرة على المقاتلات الروسية، كما تزودها بمعدات عسكرية أخرى.(3)
ليس هذا فحسب.. فروسيا والسودان تتفاوضان – الآن – على شراء الأخيرة لطائرات” سو 35″ من موسكو،وعقدتا اتفاقية لبناء محطة نووية بقدرة 1200 ميجاوات ، فموسكو تعتبر أن تعاونها العسكري مع السودان هو الأفضل في القارة السمراء، وإن التعاون العسكري مع الخرطوم هو بوابة تعزيز التعاون الروسي مع كافة دول القارة الإفريقية؛ فروسيا تدرب ضباطًا سودانيين ويقدم خبراؤها المشورات العسكرية للقوات المسلحة السودانية، ووقع البلدان اتفاقية شاملة للتعاون العسكري عززت من درجته بينهما.(4)
تعاون اقتصادي
التعاون الاقتصادي من أهم أشكال التعاون، ويبدو أنه لا يقل أهمية أو درجة عن التعاون العسكري بين الخرطوم وموسكو اللتين وقعتا اتفاقيات اقتصادية هامة في مجالات الطاقة، واستكشاف المعادن، والموارد المائية والكهرباء، خلال زيارة البشير لموسكو..حيث وقعت شركة “أم إينفيست” الروسية ووزارة الموارد المعدنية في السودان، اتفاقية للتنقيب عن الذهب، ووقعت وزارة النفط والغاز السودانية ووزارة الطاقة الروسية، مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال النفط والغاز. فضلاً عن إعلان بوتين في 2017، تزويد السودان بقيمة مليون طن من القمح، استلمت السودان منها فعليًا 702 ألف طن، على حساب القمح الأسترالي.وتوقيع الحكومة السودانية مع شركة “ميروقولد” الروسية، اتفاقية لاستكشاف الذهب والمعادن الأخرى بشرق السودان، بعد أن فشلت شركة “سيبيريا” في استغلال ما قالت إنه أكبر احتياطي من المعدن النفيس بقيمة ترليون و702 مليار دولار.
ما يعزز ذلك الحديث – أيضًا – هو ما صرح به السفير الروسي، حول بلوغ التبادل التجاري بين بلاده والسودان نحو 450 مليون دولار في عام 2017، واصفًا هذا الحجم بالكبير نسبيًا، مقارنة بحجم التبادل التجاري بين روسيا وغيرها من الدول(5)، وهو ما يؤكد ما ذكرناه – آنفًا – حول كون التعاون الروسي مع السودان هو الأفضل في إفريقيا.
ويمكننا القول إن السودان قد لجأت إلى روسيا لتساندها من الناحية الاقتصادية بعد توقيع عقوبات عليها من قبل الإدارة الأميركيةالتي وضعت شروطًا قاسية تتعلق بمستقبل البشير، وأن الحكومة السودانية لم يعد بمقدورها المراوغة أكثر من ذلك، الأمر الذي أنار ضوءًا أحمر يحذر من وقوع أزمة في ثلاث سلع رئيسية، هي: الوقود والدواء ودقيق الخبز، وهذا ما دفع الحكومة إلى البحث عن حلول، ولو كان الدخول في شراكات مع الجانب الروسي الإيراني على حساب المحور الأميركي الخليجي. فموسكوظلت الداعم الأهم لمواقف السودان الخارجية، وشكلت الملاذ الآمن والصديق الوفي لها، ويمكننا القول إن الخرطوم حرصت علي علاقتها مع موسكو لتوازن بها علاقاتها المتوترة بدول الغرب(6)
وحتى بعد رفع الولايات المتحدة للعقوبات، ظل الأمر كما هو عليه، فهي تدري أن الاقتصاد السوداني، لن يستفيد كثيرًا من الرفع الجزئي للعقوبات ما دام اسم السودان في قائمة الدول الداعمة للإرهاب.
نتائج مرتقبة
التقارب الروسي السوداني – بالطبع – سيكون له عدة نتائج على جميع الصُعد، فمن الجلي أنه سيعمل على زيادة النفوذ الروسي في المنطقة، وزيادة التوتر مع الولايات المتحدة والصراع على مناطق النفوذ، وزيادة التوتر بين الخرطوم وواشنطن؛ لأن الأولى اتجهت لغريمها على الرغم من رفع واشنطن – جزئيًا – للعقوبات المفروضة عليها.
1- توتر أميركي سوداني
التقارب الروسي السوداني – حتمًا – سيلقي بظلاله على العلاقات الأميركية السودانية، التي كانت ستبدأ في التحسن تدريجيًا في الفترة القادمة، بعد فترة كبيرة من التوتر والعقوبات المفروضة من واشنطن على الخرطوم، ووضعها على لائحة الدول الراعية للإرهاب. ولكن ما لبثت واشنطن أن رفعت العقوبات جزئيًا، حتى طلبت السودان من روسيا – غريم الولايات المتحدة – أن تقيم قاعدة عسكرية على أراضيها لحمايتها من البطش والتهديدات الأميركية؛ وهو ما يجعلنا نرى أن السودان تلعب على المتناقضات. وبالطبع، فإن الولايات المتحدة، سوف تحاول الظهور في هذا المشهد لما للسودان من أهمية جغرافية، وكونها دولة غنية بالثروات غير المكتشفة حتى الآن، فمن غير المتوقع أن تترك واشنطن تلك الساحة الثرية لموسكو.ويُخشى أن تُقدم الولايات المتحدة التي التزمت الصمت حتى الآن، إلى اتخاذ قرار بإعادة السودان إلى المربع الأول (مربع العقوبات والقرارات الدولية) ما دامت السودان تتهمها بالتدخل وتخريب دول المنطقة.
2- زيادة النفوذ الروسي
كما ذكرنا في البداية، فإن الرغبة الروسية في الظهور كقطب عالمي منافس للولايات المتحدة في نفوذها، بات واضحًا بشكل كبير، ولعل تعاونها العسكري والاقتصادي مع مصر، والزيارات المتبادلة بين الرئيس السيسي وبوتين وتقاربها مع السودان، مثال جلي على ذلك. ولعل رأي آخر يمكنه القول إن وجود قاعدة روسية في تلك المنطقة الجغرافية، من الممكن أن يساهم في مكافحة القرصنة وضمان بعض من الاستقرار في تلك البقعة، وتخفيف الصراعات التي تحدث داخل الأراضي السودانية.
3- زيادة التوتر الروسي الأميركي
الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا (الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي) الذي كان خصم الولايات المتحدة في عدة صراعات عالمية، صراع ممتد منذ فترة طويلة، فالبلدان يتصارعان على قيادة العالم ومناطق النفوذ فيه. ومن المؤكد أن الولايات المتحدة، باتت في حيرة من أمرها، منذ طلب البشير إقامة القاعدة العسكرية على أراضيه. ومن المؤكد – أيضًا – أنها لن تدع روسيا تسيطر على منطقة هامة وأرض ثرية بالثروات المعدنية غير المكتشفة حتى الآن.
وفي الأخير، فإن التقارب الروسي السوداني، ممتد منذ فترة، وآخذ في التنامي، عقب طلب البشير إقامة قاعدة عسكرية على أراضيه لحمايته من التهديدات الأميركية بعد رفع جزئي للعقوبات عنه؛ وهو ما يجعلنا نرى أن السودان تلعب على المتناقضات، ويجعلنا نتنبأ بعدة نتائج أهمها: زيادة التوتر بين الولايات المتحدة والسودان، وزيادة النفوذ الروسي في المنطقة، وزيادة التوتر بين واشنطن وموسكو، فالولايات المتحدة لن تترك غريمتها روسيا تستحوذ وحدها على ثروات السودان ، ولن تقبل باتجاه السودان شرقاً نحو التعاون مع روسيا خاصة بعد تخفيف العقوبات –جزئيا-عنها.
وحدة الدراسات السياسية*
المراجع
1- روسيا ترد على اقتراح البشير بشأن القاعدة العسكرية في السودان، وكالة سبوتنيك.
2-البشير: روسيا ستساعدنا في تحديث جيشنا، روسيا اليوم.
3- البشير: روسيا تساعد السودان على بناء قوة رادعة، سكاي نيوز
4-السودان يوقع اتفاقية مع روسيا لبناء محطة طاقة نووية ، الدفاع العربي
5-السفير الروسي: التبادل التجاري مع السودان كبير ونعمل على تشجيع الاستثمارات الروسية، سبوتنيك
6-يلتقي بوتين.البشير إلى «موسكو» ..تحريك بوصلة الاتجاه شرقاً، أخبار السودان
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر