سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
د. هاني نسيره
رغم تراجعها وفقدانها معاقلها، يمكن القول إن “داعش” تتميز بقدرة كبيرة على امتصاص الأزمات، كما تتسم بمرونة عملياتية ومفاجئة ساعدتها في تصدر مشهد الجهاد العالمي دون تنظيم “القاعدة” أو المنافسين المحليين الآخرين، سواء في حضورها الواسع والمتمدد، أو قدرتها على الاحتواء واستعادتها نشاطها في مناطق متفرقة من العالم، من جنوب آسيا إلى غرب إفريقيا للعراق -معقلها الأصل- إلى الشام. كما أن “القاعدة” التي تطرح نفسها أكثر اعتدالًا منها بهت حضورها، وتحولت لمجموعة فروع تتراجع أنشطتها لتبقى في اليمن والمغرب وفقط. كما أن النجاح الميداني والعملياتي الذي حققته “داعش”، وتركيزها على فكرة الدولة والتمكين دون الاستنزاف والإنهاك والعمليات الخاطفة فقط؛ جعلها أكثر جاذبية وتأثيرًا من التنظيم العجوز الذي يبدو أنه سينتهي بعد وفاة زعيمه الأخير “أيمن الظواهري”، كشبكة عالمية، رغم محاولات بعض فروعه لإحيائه خلال الشهور القليلة الماضية كما سيتضح لاحقًا.
“داعش” واحتمالات العودة المتكررة
يشترك الرئيس الأمريكي الحالي “دونالد ترامب” والرئيس المنتخب “جو بايدن” الذي يتسلم مهامه بعد أسابيع قليلة، في رغبة كل منهما في سحب القوات الأمريكية من العراق، بل هددت إدارة “ترامب” بعد استهداف “حزب الله” العراقي وبعض الميليشيات الشيعية للسفارة والعناصر الأمريكية بغلق السفارة، وهو ما يتخوف منه كثير من العراقيين، ويمثل فرصة هائلة لداعش للعودة للعراق الذي تتركز فيه أغلب عملياتها على مدار العامين الأخيرين، وخلال الشهرين الأخيرين كذلك.
وللتذكير فهناك تجربة سابقة نجحت فيها قاعدة العراق -سلف داعش- في العودة، التي كانت أخطر وأبعد أثرًا، بعدما سقطت دولة العراق الإسلامية آواخر عام 2007 “الأصل التاريخي لداعش في العراق” بفعل الاستراتيجية الأمريكية المحترفة حينها، التي وظفت مجالس الصحوات حينها، من أبناء القبائل السنية في الأنبار، ولكن لم تمر سنوات قليلة حتى عادت قاعدة العراق، وتسربت حينها استراتيجية جديدة للتنظيم نشرت في يناير سنة 2010 تدعو للتجديد وتحدد أولويات التنظيم في تقديم استهداف عناصر الصحوات والشرطة على عناصر الاحتلال الأمريكية، والتوظيف لسياسات التمييز الطائفي، التي مارسها نظام “المالكي” حينها ضد المحافظات السنية، وكان أول ظهور لدعوة الخلافة الداعشية ولشخصية أول متحدثيها “أبي محمد العدناني” الذي اغتيل في 30 أغسطس سنة 2016 بعد فض الاعتصام في الأنبار في يناير سنة 2013 معلنًا عودة التنظيم للعمل، وعزمه إعلان دولة الخلافة قريبًا، وهو ما كان وكانت المفاجأة التي استمرت عامين، بين عامي 2013 و2015 أذهلت العالم بإزالة الحدود بين سوريا والعراق، والسيطرة على جزء كبير من البلدين، والتمدد شرقًا وغربًا، وتصاعد التهديدات والعمليات في الدول المجاورة والبعيدة على السواء، لتستمر المعركة الجديدة عامين آخرين حتى خسارة التنظيم أبرز معاقله في العراق ثم في سوريا، ثم خسارة خليفته ومؤسسه وعدد من أبرز قياداته، ولكنه سريعًا ما استوعب التحدي وتفاعل معه، وأعلن تشكيل هيكل قيادي جديد والحفاظ على حضوره.
أولًا- “داعش” بين العراق وغرب إفريقيا:
عاد تنظيم الدولة “داعش” للنشاط في العراق وسوريا ونيجيريا والقرن الإفريقي، وأسس ولاية جديدة له في الهند، وتعود خلاياه للنشاط في إندونيسيا والفلبين وجنوب آسيا، في محاولات دءوبة من التنظيم الإرهابي الأخطر في العالم والمنطقة للعودة للحياة من جديد، وهو ما حدث في فترات سابقة، ولكن كل عودة جديدة -وهنا الخطر- تكون أعنف وأخطر من سابقتها.
كان المانشيت الرئيسي لنشرته الأسبوعية “النبأ” الصادر في الرابع من ديسمبر 2020، ويحمل رقم 263، حول عمليات كبيرة ضد الجيش التشادي راح ضحيتها عشرات من أفراده، بينهم 4 جنود كنديين، ومقتل عشرين من الجيش النيجيري، وأخرى ضد الجيش الكونغولي، هذا فضلًا عن استعادة نشاط عملياته وخطورته في العراق، فالعراق الساحة الأولى للتنظيم والتي تشهد الكم الأكبر من عملياته، حيث وقعت على الساحة العراقية 20 عملية راح ضحيتها 37 قتيلًا ومصابًا، ثم تلاها في ترتيب العمليات غرب إفريقيا بـ11 عملية و32 قتيلًا ومصابًا على الأقل.
ثم تلتها سوريا التي عادت “داعش” للنشاط في وسطها باحترافية زائدة، كما رصد مركز مكافحة التطرف (CEP) في الأول من ديسمبر تقريره الشهري الذي تابع عمليات تنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا صعودًا وهبوطًا خلال شهري نوفمبر 2020، والذي كشف عن حدوث تحول ملموس في مستوى احترافية الهجمات، كما تم تسجيل ثاني أكبر عدد من الخسائر المؤكدة منذ بدء عمليات التنظيم خلال شهر نوفمبر، حيث نفذ مسلحو “داعش” ما لا يقل عن 30 هجومًا إرهابيًا، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 58 مقاتلًا مواليًا لنظام “الأسد”، بالإضافة إلى 17 مدنيًا، وإصابة ما لا يقل عن 29 جنديًا ومدنيًا في محافظات حمص ودير الزور والرقة وحماة وحلب.
وعاد التنظيم للنشاط في شبه القارة الهندية، وهو يمثل هناك التحدي الأكبر لمنافسه على الصدارة حركة طالبان، وقد قام خلال العامين الماضيين والشهور الأخيرة بعمليات نوعية ضدها. كما تبنى تنظيم “داعش” في 22 نوفمبر 2020 عملية كبيرة ضد طلاب جامعة كابول، راح ضحيتها عشرون طالبًا. ومن جانبها توجهت طالبان بالاتهام للحكومة في كابول التي تراها تحتضن “داعش” وتساعدها في حربها ضد الأخيرة (مجلة الصمود صوت طالبان).
ثانيًا- “القاعدة” ومحاولة الحياة في الفروع:
فقدت “القاعدة” كثيرًا من منصاتها الإعلامية، سواء التي تعبر عن قيادتها المركزية المختفية أو عن فروعها، وقد حاول أحد أنصارها في سوريا إحياء منصة إعلامية لها باسم “مؤسسة البيان” ولكن لم تنشط إلا فترة قليلة خلال شهر أكتوبر ثم توقفت، ويبدو أنها منصة تعبر عن الفكر السلفي الجهادي المعادي لداعش والمضاد للقاعدة بشكل رئيسي.
على المستوى العملياتي، يلاحظ أزمات الفروع، فقد فقدت “القاعدة” في اليمن عددًا من أبرز قادتها في أكتوبر 2020، وتراجعت عملياتها في أبين وغيرها. وفي 13 نوفمبر 2020 قُتل “هيثم الزامكي” شقيق القيادي في “القاعدة” “لؤي الزامكي” قائد اللواء الثالث حماية رئاسية. كما قتل في الثاني من أكتوبر عناصر أخرى أثناء اشتباكات مع الجيش اليمني.
ربما باستثناء “القاعدة” في المغرب العربي، التي فقدت زعيمها التاريخي وأقدم أمير بين فروع القاعدة، في يونيو 2020، وتعيين خليفة له بعد خمسة شهور على مقتله في عملية عسكرية نفذتها القوات الفرنسية بشمال غرب تساليت في مالي، فبعد مرور خمسة أشهر على مقتل زعيمه أعلنت “القاعدة” في 22 نوفمبر 2020 تعيين “مبارك يزيد”، وهو أيضًا جزائري يدعى “أبا عبيدة يوسف العنابي”، زعيمًا جديدًا لها، وأحد قادة الجماعة التاريخيين. ففرع “القاعدة” في المغرب العربي لا يزال ينشط في منطقة الساحل وشمال مالي، فضلًا عن وجوده في بوركينافاسو والنيجر، وإن كان يخوض أيضًا معارك طاحنة مع تنظيم “داعش” في المغرب والساحل، يذهب ضحيته المئات من التنظيمين. ولكن تتميز القاعدة -الأضعف- بتركيزها على عقد تقاربات مع نخب محلية، واستغلال أفضل للقوى المختلفة، فقد دعمت الحراك الشعبي في الجزائر الذي أطاح بـ”عبدالعزيز بوتفليقة”، وكذلك الاحتجاجات في مالي التي أدت إلى انقلاب عسكري على “إبراهيم أبو بكر كيتا”، كما تثور أخبار عن تحالف مزمع بينها وبين جبهة البوليساريو في صراعها ضد الحكومة المغربية حسب مصادر إعلامية غربية ومغاربية.
وبعيدًا عن تصدر “داعش” المشهد، واحتمالات عودته غير المستبعدة تمامًا من أي من بؤر التوحش، وقدرته على اصطياد الفرص من الشرق الأوسط لغرب إفريقيا، للهند وأزمة الروهينغا؛ تحضر محاولات “القاعدة” للعودة والحضور الصعب، من جديد، ولكنها أزمة فروع مثقلة بقيادة غائبة وواقع أصعب منها ينافسها عليه “داعش” وآخرون أيضًا.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر