سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
غاري ساندرز
تشهد تايوان خلال الفترة الحالية تطورات سياسية مهمة، فقبيل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 2020، فإن الرئيس “تساي إنغ وون”، ومن خلفه “حزب الشعب الديمقراطي”، الذي يميل نحو الاستقلال، بات بحاجة إلى بعض التفكير الجاد في أمر الوحدة، والاستقلال الذاتي، وبخاصة بعد هزيمتهم في انتخابات التجديد النصفي الأخيرة على مستوى المحليات.
فقد شهدت الانتخابات الأخيرة التي أجريت في 24 نوفمبر، فوزًا لحزب “الكومينتانغ” المعارض بـ15 مقعدًا في 22 مدينة ومحافطة، في معقل الحزب الديمقراطي التقدمي نفسه بمنطقة “كاوشيونغ”، في حين خسر الحزب الديمقراطي التقدمي 7 محافظات بعد أن كان يسيطر على 13 فيما سبق. بجانب ذلك، فقد انخفضت حصة الحزب الديمقراطي التقدمي في التصويت من 56% إلى 39% منذ الانتخابات الرئاسية لعام 2016، بينما ارتفعت حصة حزب “الكومينتانغ” من 31% إلى 49%. وقد أسفرت تلك النتائج عن استقالة “تشينغ تي” الأمين العام لمكتب الرئيس “تشن تش”. إلا أن “تساي” سيحتفظ بمنصبه كرئيس.
يلقي العديد من المحللين والمتابعين باللوم على بعض السياسيين الذين كانوا سببًا في هزيمة الحزب، وهو ما ارتبط بحالة الركود الاقتصادي، وتراجع أحوال إنفاذ القانون، وإصلاح نظام التقاعد، والعديد من القضايا المرتبطة بالمثليين التي ظهرت خلال الفترة الأخيرة، فضلاً عن التدخل الواضح في الانتخابات، التي لعبت دورًا في ظهور حزب “الكومينتانغ”.
ويميل بعض الخبراء إلى إلقاء اللوم – أيضًا – على رفض النظام الحاكم الموافقة على ما يسمى بـ”اتفاق 1992″، وذلك في إشارة إلى مبدأ “الصين الموحدة” مع وجود عدد من التفسيرات المختلفة لهذا الاتفاق.
بعد تولي “تساي” منصبها في السلطة في مايو 2016، سعت بكين لقطع كافة الاتصالات مع “تايبيه”، كما قامت بتصعيد الجهود الرامية لعزل تايوان من خلال الشركات العالمية مثل تلك العاملة بقطاع الطيران والرياضة وغيرهما.
كما صعَّدت بكين من الترويع العسكري للتايوانيين من خلال عدد من المناورات التي تجريها في “مضيق تايوان”، حيث دأبت السفن الحربية الصينية على الطواف والتحرك بالجزيرة. فضلاً عن التراجع في أعداد السائحين الصينيين لتايوان، وكذلك تراجع التواصل الدبلوماسي بين الجانبين.
فوز مؤكد لبكين
ولهذه الأسباب، يعتبر البعض في الصحافة الغربية أن نتائج الانتخابات الأخيرة التي شهدتها تايوان، على مستوى الناخبين في حزب “الكومينتانغ” الذي يرفع شعارات اجتماعية تصوره باعتباره “صديقًا للبيئة”، ستمثل مكسبًا لبكين.
لكن تجدر الإشارة إلى أن التايوانيين، ربَّما كانوا يصوتون لقيادة غير شعبية بشكل كبير. علاوة على ذلك، هناك أقلية صغيرة من التايوانيين لديها حرص على الوحدة. فوفقًا لاستطلاع أجرته “الجامعة الوطنية تشينغتشي” في تايوان (NCCU)، عام 2018، فإن نحو 3٪ فقط من الذين شملهم الاستطلاع يتبنون منطق “الوحدة في أقرب وقت ممكن”، في حين كان “الحفاظ على الوضع الراهن، والتحرك نحو الوحدة” بنسبة 12.5٪. ولهذا فقد حذَّر “مجلس الشؤون البرلمانية في تايوان” (ماك)، بكين في اليوم التالي للانتخابات، من عدم الحكم على توقعات الشعب التايواني للعلاقات الدولية بمنطقة مضيق تايوان، حيث جاء في بيانه:
“إن حكومة وشعب تايوان ما زالوا ملتزمين بالوضع الراهن، وهو الموقف الأساسي لتايوان الذي يشهد توافقًا بين شعبها، فضلاً عن أنه يعكس آمال المجتمع الدولي في تايوان”.
وبجانب ذلك، فقد عكست مكاسب حزب “الكومينتانغ”، تحولات واضحة على اتجاهات الرأي العام التايوانية تجاه بكين. وهو ما أكدته أرقام الانتخابات التي انخفض فيها عدد الأصوات التي حصل عليها الحزب الديمقراطي التقدمي من 5.77 مليون صوت إلى 4.76 مليون، وهو ما ينطوي على دلالات تتصل بحالة الشرعية التي يتمتع بها النظام السياسي الحاكم.
ويشبه الأمر كثيرًا تلك الحالة التي شهدتها عام 2008 حينما أجري استفتاء مماثل بشأن أعمال الأمم المتحدة، وكانت بكين تراقب هذا الاستفتاء في وقتها. وما إن ظهرت نتائج الاستفتاء، حتى صرح المتحدث باسم مكتب شؤون تايوان في الخارجية الصينية “ما شياو قوانغ”، أن ذلك الأمر من شأنه أن يؤثر على مصالح الرياضيين التايوانيين المحكوم عليهم بالفشل، وذلك في ربط منه بموقف بعض الرياضيين التايوانيين في دورة الألعاب الأولمبية التي كان مقررًا إجراؤها في تلك الأثناء.
ومهما كانت الأسباب وراء فشل تمرير الاستفتاء، فقد فاتت على تايوان فرصة ذهبية. بمعنى آخر، فإنه من المتعين الاعتراف بوجود تأثيرات سياسية تتصل بدعاوى الاستقلال التي ارتفعت من 17.6% عام 1992 وفقًا لاستطلاع أجري عام 1992، إلى 34%، مقارنة باستطلاع أجرته الجامعة الوطنية بتايوان عام 2018. وهو ما يؤكده المجلس التنفيذي للجنة الأولمبية الدولية الذي يتفق مع موقف اللجنة الأولمبية الصينية “تايبيه”. فقد اعترفت اللجنة باتفاقية لوزان في وقت سابق عام 1981 التي أثرت بشدة على اتجاهات التصويت.
ربَّما يكون الناخبون قد تأثروا بالقرار الذي اتخذته اللجنة الأولمبية لدول شرق آسيا التي عقدت في بكين، بإلغاء دورة ألعاب شرق آسيا للشباب التي كانت من المقرر أن تقام في تايوان عام 2019. فلا يزال البعض يخشى من السماح بمشاركة الرياضيين في الأحداث الدولية، وبخاصة الألعاب الأولمبية التي شهدت جدلاً كبيرًا خلال الفترة الأخيرة. حتى إن أحد الأصوات التايوانية علق على أن خطاب اللجنة الأولمبية يحمل “أخبارًا مزيفة”، وأن طوكيو لديها القول الفصل في استخدام “تايبية الصينية” أو “تايوان”.
كذلك، فإن الدافع الأهم من اتخاذ القرار المعارض للاستفتاء من قبل تايوان، يرتبط بزيادة الضغط العسكري والدبلوماسي والاقتصادي الذي تمارسه بكين، كما أن ثمة رغبة واسعة النطاق في الحفاظ على الوضع الراهن بالمضيق. فقد صوتت نسبة مماثلة ضد الاستفتاء (55%)، كما صوت نحو 24% للاتجاه الرامي إلى تأجيل الأمر لأجل غير مسمى، في حين صوت 33% لتأجيل القرار لوقت لاحق.
أخيرًا، ربَّما يكون التصويت ضد الاستفتاء مرتبطًا بوضع تايوان في العديد من الأحداث والفعاليات الرياضية، بجانب التحول إلى حزب “الكومينتانغ” الذي يميل نحو بكين، وربَّما – أيضًا – كان البراجماتيون قد انحازوا إلى تهدئة الأوضاع وتغليب منطق التوازنات. فضلاً عن ذلك، فمن المتوقع أن يواجهوا نفس هذه القضايا مرة أخرى.
المصدر: آسيا تايمز
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر