سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
حسام ميرو
يقول لنا الدرس التاريخي للقرن العشرين إن الانزلاق نحو حرب عالمية، قد يبدأ أحياناً من حدث شبه عادي، كما في الحرب العالمية الأولى، حيث تحوّل حادث اغتيال فرانز فرديناند، ولي العهد المجري النمساوي، ومعه زوجته، في سراييفو عام 1914، إلى حرب عالمية، اشتركت فيها عشرات الدول، وامتدّت إلى مساحة واسعة من البرّ والبحر، ودامت أربع سنوات، وكان من بين نتائجها تفكّك الإمبراطورية المجرية النمساوية، والإمبراطورية العثمانية، وصعود الولايات المتحدة كقوة عالمية، ذات تأثير حاسم في المشهد الدولي.
هذا الدرس التاريخي يحضر الآن بقوة، فالحرب التي تدور على الأراضي الأوكرانية، بشكل مباشر بين روسيا وأوكرانيا، وبشكل غير مباشر بين روسيا وحلفاء أوكرانيا الغربيين، الذين يدعمون كييف بأسلحة متطوّرة، وتعاون استخباراتي ومعلوماتي، شكّل نقلة نوعية في النتائج على الأرض، هذه الحرب قد تخرج عن مسارها الجيوسياسي، وتتحوّل إلى حرب عالمية/ نووية، خصوصاً في ظل وجود تصريحات رسمية روسية لا تنفي أبداً مثل هكذا احتمال، فروسيا بعد سنوات من استثمارها العسكري والسياسي في عدد من الساحات، قد لا تقبل الإذعان لخسارة تاريخية ثقيلة، أمام بلد كان جزءاً من منظومة الاتحاد السوفييتي السابق.
القرار الذي اتخذته موسكو مؤخراً، وصادق عليه برلمانها، بضم أقاليم أوكرانية للاتحاد الروسي، ولئن كان يتناقض مع مبدأ سيادة الدول على أراضيها، الذي يعدّ المبدأ المؤسّس للأمم المتحدة، حيث تحوز روسيا مقعداً دائماً في مؤسسة مجلس الأمن الدولي، إلا أنه يجعل من هذه الأقاليم جزءاً من الأرض الروسية (وفق التشريعات الروسية)، وبالتالي، فإن استخدام روسيا أي أسلحة للدفاع عن قواتها في تلك الأقاليم قد تفسّره موسكو كدفاع مشروع عن سيادتها، حتى لو تضمّن استخدام أسلحة نووية تكتيكية، على نطاق محدود، من أجل تكبيد قوات العدو خسائر كبيرة، وحسم المعركة العسكرية لمصلحتها، ودفع القوى الغربية للرضوخ.
ذهاب روسيا نحو مثل هكذا سيناريو، قد يتحوّل من فكرة وورقة ضغط إلى واقع، خصوصاً أن خياراتها العسكرية بدأت تضيق، وعدد العقوبات غير المسبوق دولياً عليها، يدفعها نحو الانكفاء إلى الداخل، للتكيّف مع نتائج تلك العقوبات، التي تقيمها 35 دولة، في مقدمتها الولايات المتحدة، وتتضمن قطاعات حيوية نفطية ومالية، وتطال مؤسسات حكومية وخاصّة، بالإضافة إلى الأفراد. وإزاء هذا الحصار متعدّد المستويات، يبدو أن المطلوب من الناحية العملية هو شلّ قدرات موسكو، ومنعها من أن تلعب أي دور مؤثّر في محيطها الجيوسياسي، أو على المستوى الدولي، ودفعها للتعايش مع معاناة طويلة الأمد، وهو ما قد يدفع موسكو لاتخاذ خطوة نووية، من أجل تغيير المعادلات، ودفع الغرب إلى التفاوض، لكن من موقع القوة، وليس من موقع المهزوم.
صحيح أن امتلاك الدول الأسلحة النووية هو جزء من فلسفة توازن الردع الاستراتيجي مع الخصوم، لكن وجود هذه الأسلحة، يجعل احتمال استخدامها وارداً، فقد استخدمت الولايات المتحدة القنبلة الذرية لضرب مدينتي هيروشيما وناغازاكي في عام 1945، حين امتنعت اليابان عن تطبيق إعلان «بوتسدام»، الذي نصّ على استسلامها الكامل من دون شروط، وبالتالي، فإن روسيا وهي تمتلك مخزوناً نووياً متعدداً، من بينه أسلحة نووية صغيرة، يبلغ حجمها طنّاً واحداً، لكن من شأنها أن تحدث فارقاً نوعياً ضد الخصم في أرض المعركة، وهو ما يعني أن احتمال حدوث ردود أفعال من ذات الطبيعة أمراً وارداً، الأمر الذي سيضع جزءاً كبيراً من العالم في دائرة الاستهداف النووي.
التصعيد والتصعيد المضاد، قد يأخذان العالم نحو خيارات لم تعرفها البشرية في تاريخها، ولهذا فإن تجنّب مثل هكذا سيناريو، يحتاج إلى تفاوض جدّي، هو بمثابة جسر ذهبي، يساعد روسيا وأوكرانيا على العبور نحو السلم، من دون أن يُظهر أياً منهما كمهزوم بشكل نهائي وشامل، خصوصاً روسيا التي لم تتعافَ بعد من جرح انفراط عقد الاتحاد السوفييتي، ولن تقبل بمثل هذه الهزيمة، التي تعني إذلالاً كاملاً، وربما أيضاً نهاية المشروعية الداخلية للنظام الحالي، وهي النتيجة الأقسى ربما لقادة الكرملين، وعلى رأسهم الرئيس فلاديمير بوتين، لكن هذا التفاوض بالغ الضرورة، يحتاج إلى حسّ عال بالمسؤولية المشتركة عن السلم والأمن الدوليين، وعمل تنهض به أطراف وازنة، تتمتّع بدرجة كبيرة من الحياد، لمنع كارثة، يبدو أن الجميع يخشى وقوعها، لكن من دون القيام بعمل حقيقي لمنع وقوعها، والأسوأ أن أفعال الدول المنخرطة في الصراع، قد تجعل منها خياراً وحيداً.
المصدر: صحيفة الخليج
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر