سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
دانيش كامات
أدت الإصلاحات السياسية الأخيرة التي أجراها “آبي أحمد”، رئيس وزراء إثيوبيا، إلى إحياء التوترات العرقية داخل البلاد، مما أسفر عن أعمال عنف قد تتحول إلى حرب أهلية، مع تداعيات خطيرة ليس فقط بالنسبة لجيران إثيوبيا، ولكن أيضًا بالنسبة لأوروبا وشرق إفريقيا ودول الخليج العربي.
قام “آبي” بحملةٍ من خلال منصةٍ خاصةٍ به لتوحيد الإثيوبيين ودعم الإصلاح، في محاولة منه لتخفيف قبضة الاستبداد على السلطة من قبل الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية الحاكمة (EPRDF)؛ ذلك أن رئيس الوزراء ينتمي إلى جماعة “الأورومو”، وقد تمَّ الدفع به إلى منصبه العام الماضي نتيجة لتحالف ضمني بين جماعتي “الأورومو” و”الأمهرة” في الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي. ورغم ذلك، فإن جماعة “الأمهرة” ومعها نخبة “التجراي” السياسية المهيمنة حتى الآن ينظرون إلى “آبي أحمد” بقدر من الشك تجاه مزاعمه بانتهاج سياسات ملائمة تجاه “الأورومو”.
لقد ساهمت سياسات “آبي” ببث حالة من الغضب بين أحزاب “التيجراي” تجاه أجهزة الأمن والاستخبارات الإثيوبية. كما سعى لتوفير مساحة لأحزاب المعارضة من خلال إطلاق سراح السجناء السياسيين ودعوة قادة المعارضة في المنفى للعودة إلى إثيوبيا. ولكن كانت هناك أصداء، لذلك؛ ففي يونيو من العام الماضي، أُلقيَ اللوم على انفجار قنبلة استهدفت حشدًا كان يتحدث خلاله “آبي” عن العناصر الساخطة بين إثنية “التيجراي” في الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي.
لقد خاضت الجماعات الإثنية في إثيوبيا منذ فترة طويلة خلافات حول تخصيص الموارد والوظائف الحكومية وحدود المقاطعات والحكم الذاتي الإقليمي، وهي الشكاوى التي تمَّ إرسالها عبر الأحزاب القائمة على العرق داخل الجبهة الثورية. ومع إصلاحات “آبي”، تخلّى هذا النظام السياسي المتحجر عن الحركات السياسية الأحدث التي تبتعد حاليًا عن الحيز السياسي خارج الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي، وحتى في مجموعات المعارضة العرقية لديهم في الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية.
وقد شهد الشهر الماضي، اغتيال قائد الجيش الإثيوبي واثنين من الشخصيات السياسية الإقليمية البارزة، وجميعهم من أصول أمهرية، على أيدي فرقة يُزعم أنها بقيادة جنرال أمهري أُطلِقَ سراحه من السجن بفضل إصلاحات “آبي”. وقيل إن الجنرال كان يقوم بتشكيل ميليشيا أمهرية لمهاجمة مجموعات عرقية أخرى في مناطق الأمهرة، وذلك في تحدٍ مباشرٍ لكل من الحكومات الفيدرالية والإقليمية.
كما سلطت سلسلة الاغتيالات الضوء على تزايد العداء العرقي بين من هم داخل وخارج الجبهة الشعبية الثورية للشعب الإثيوبي؛ إذ كانت مجموعة “سيداما” الإثنية تخطط لإعلان منطقة جديدة تتمتع بحكم شبه ذاتي لنفسها دون موافقة الحكومة الفيدرالية، وهو ما قد يطلق العنان لكل من المواجهة مع الحكومة والعنف العرقي بين “سيداما” والجماعات العرقية الأخرى في المنطقة.
وبهذا، فإن إثيوبيا تقف على شفا أزمة إنسانية، حيث نزح 2.9 مليون شخص بسبب العنف الإثني، فضلاً عن 8 ملايين شخص في حاجة ماسة إلى مساعدات غذائية طارئة. ففي حالة اندلاع العنف، ولم تتمكن حكومة “آبي” من السيطرة عليه، فمن المتوقع أن ينشأ موقف أشبه بالحرب الأهلية اللبنانية، حيث تحمل مجموعات متعددة السلاح تحت ذرائع مختلفة.
وهو ما يتوقع أن يترتب عليه تداعيات جيوسياسية خطيرة. وكدولة يسكنها 100 مليون شخص، تقع على مقربة من شبه الجزيرة العربية وشرق إفريقيا وتتداخل طرق المهاجرين نحو أوروبا، فمن المرجح أن يؤدي أي نزاع في إثيوبيا إلى إرسال أعداد كبيرة من اللاجئين المتجهين إلى أوروبا وكينيا والمملكة العربية السعودية واليمن.
وتحتفظ المجموعات الإثنية في إثيوبيا بميليشيات خاصة بها، حيث تتجاوز حدود البلد؛ وهو ما يعني أن العنف بين الأعراق سيشمل الحدود الوطنية، كما أنه سيشعل التوترات الإثنية المتشابهة في الدول المجاورة لإثيوبيا. ذلك أن وجود فراغ أمني في الأراضي الصومالية المضطربة، إلى جانب الانسحاب المحتمل لقوات حفظ السلام الإثيوبية من الصومال نفسه، من شأنه أن يعزز حركة “شباب المجاهدين” المتطرفة بالصومال، والتي يمكن أن تشن لاحقًا هجمات إرهابية في أوغندا وكينيا وداخل إثيوبيا نفسها.
بجانب ذلك، يمكن أن “ينهار السلام” الهش الذي تحقق أخيرًا في جنوب السودان، والذي أقيم بجهد إثيوبي – سوداني مشترك، حيث تركز “أديس أبابا” المشتتة على الشؤون الداخلية. ويمكن أن تتفكك صفقة الاتفاق الأولي بين المعارضة العسكرية والمدنية في السودان، والتي ساعد “آبي” في التوصل إليها الشهر الماضي، في ظل غياب عامل خارجي.
كما أنه من المحتمل أن يصبح اتفاق السلام بين إريتريا وإثيوبيا لعام 2018 أول ضحية للفوضى في إثيوبيا. فقد كان “أسياس أفورقي”، رئيس إريتريا الاستبدادي، بطيئًا في تنفيذ الصفقة، حيث كان ينظر إلى دولة إثيوبيا الديمقراطية على أنها تهديد لقبضته الحديدية على السلطة في إريتريا. وبالتالي، فقد دعمت إريتريا في الماضي جماعات المعارضة المسلحة بإثيوبيا، بما يمكنها من أن تستعيد هذه الروابط مع وكلائها السابقين لإثارة الفوضى في إثيوبيا؛ وهو ما يهدد مخططات الاستثمار التي تجهزها عدد من الدول العربية في قطاع الزراعة.
وبالنظر إلى هذه التهديدات الخطيرة، يتعين على القوى الدولية التي لها وزن كبير بين اللاعبين السياسيين في إثيوبيا، مثل الاتحاد الأوروبي والصين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، تيسير الحوار السياسي الداخلي بين مختلف الأطراف من أصحاب المصلحة في نظام الحكم في إثيوبيا.
وعلى ذلك، فمن المتعين أن يكون الهدف النهائي متمثلاً في تمكين حكومة “آبي” من إعادة تشكيل النموذج الفيدرالي لإثيوبيا بطريقة مقبولة لجميع الجماعات الإثنية في البلاد، فضلاً عن تهيئة مناخ مواتٍ لإجراء انتخابات وطنية حرة ونزيهة في عام 2020؛ فقد تعهدت ألمانيا – بالفعل – بتمويل عمليات تسريح جماعات المعارضة المسلحة في إثيوبيا، بينما وعدت الإمارات العربية المتحدة بتقديم 3 مليارات دولار من المساعدات والاستثمارات. ولذا، ينبغي لبقية المجتمع الدولي تكثيف جهوده قبل فوات الأوان.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: آسيا تايمز
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر