سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
يحمل مهرجان الجنادرية جملة من الرسائل والأهداف التي تمزج الواقع الحداثي بالتراث والأصالة، فيبرز العمق الحضاري وسط زخم النهضة والتطوير الذي تعيشه المملكة على عدة مستويات، ليعيد مزج القيم الاجتماعية الممتدة في أعماق التاريخ بنتاج الحاضر الذي شهد ثورة تكنولوجية واسعة، من خلال إزالة الحواجز بين الإبداع الأدبي والفني، وبين الموروث الشعبي، وهما وجهان يصنعان وجبة دسمة للموروثات التاريخية والريادة الحضارية. كما يستشرف المستقبل الثقافي والحضاري والاقتصادي، ويعكس التطور الذي تعيشه المملكة العربية السعودية حاليًا.
ويُقام مهرجان الجنادرية، شرق العاصمة الرياض، كل عام، ليمثل نموذجًا للثقافة العربية العريقة والتراث الأصيل، باعتباره تظاهرة ثقافية تهدف إلى تعريف شعوب العالم بثقافة وتراث المملكة، وإبراز الموروث والتنوع الثقافي الذي يربط ماضي الأجداد بحاضر الأحفاد. ينتظر الجمهور من المهرجان خلال هذه الدورة، شكلاً مغايرًا لما سبق من دورات، لا سيما أنّ الأوبريت الخاص بالدورة الحالية سيُقام بصورة تعكس مكانة المهرجان إقليميًا وعالميًا.(1)
المعنى اللغوي والدلالة
المعنى اللغوي لـ”الجنادرية”، في واحدة من دلالاته، هو”آلة معروفة قديمًا تُعنى بصقل الثياب القديمة وفردها لتعود كالجديدة”، وهو ما يشير بوضوح إلى أنّ الجنادرية تعيد إيحاء التراث بشكله الحضاري الذي يتسق والحداثة الإقليمية والدولية، بالتزامن مع مخططات تنموية تنقل المملكة العربية السعودية إلى مصاف الدول الكبرى اقتصاديًا ومعرفيًا، فضلاً عن زعامتها للمنطقة سياسيًا.(2)
وتنبع أهمية المهرجان الذي يسيطر على اهتمام محلي وإقليمي ودولي من العوامل الآتية:
– إلقاء الضوء على التراث السعودي وربط الحاضر التقدمي بالماضي الثقافي، وتعزيز العلاقة بين الحضارة والتراث، كما يعتبر النافذة الأكثر حضورًا لنقل الحضارة السعودية إلى العالم(3).
– المهرجان الثقافي تحوّل إلى “صناعة” وبات يمثل أحد بنود التنمية التي يجري تطبيقها خلال الفترة الأخيرة، لا سيما من خلال الترويج للصناعات اليدوية والمنتجات المحلية، فضلاً عن البنود الاقتصادية الأخرى التي تجنيها الدولة.(4)
– توفير آلاف من فرص العمل، ليتحول إلى موسم توظيفي منتظر كل عام في المملكة.
– إضافة رافد أساسي إلى القطاع السياحي السعودي، بالإضافة إلى إدخال المليارات على خزينة الدولة سنويًا، وهو ما يساعد المملكة على إعادة تأهيل البنية التحتية سواء للمهرجان، أو للأماكن التراثية الأخرى.(5)
– إثبات أن الدولة التي تشهد تفاعلاً كبيرًا على عدة مستويات، محليًا وإقليميًا ودوليًا، لا تعاني ارتباكًا أو تعطيلاً على الإطلاق، في الوقت الذي يزداد الوجود السعودي في العديد من الملفات الدولية والإقليمية، فضلاً عن تلك الملفات الداخلية، وهذا ما يؤكد أنّ المملكة تسير في اتجاهين متوازيين لا يتأثران.(6)
– يمثل مؤشر مستوى الأمن والاستقرار الذي تتمتع بهما المملكة التي تستطيع تأمين مئات الآلاف من الزائرين للفعاليات يوميًا، رسائل تتخطى المستوى الثقافي إلى حدود أكثر عمقًا سياسيًا ودبلوماسيًا وأمنيًا في آن معًا.
الموروث الثقافي بين الانفتاح والمحافظة
الرسالة الأهم من المهرجان الثقافي الأضخم، تتمثل في الربط بين الرؤية التنموية التي بدأتها المملكة العربية السعودية والتي تهدف من خلالها إلى تنويع مصادر الدخل والمزيد من الانفتاح على العالم، وبين المهرجان الذي يعيد استحضار التراث الثقافي والاجتماعي، وهو ما يعني أنّ ثياب التجديد والتنمية السعودي لا ينفك يخرج من عباءة التراث، لا سيما أن رؤية المملكة التي أعلنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بعدم الارتكان إلى الأفكار الرجعية أو المتطرفة وفق نظرة اعتدال جديدة، دفعت البعض للزعم بأنّ المملكة يمكن أن تتنصل من شكلها التقليدي وموروثها الثقافي والتاريخي باعتبارها “مهبط النبوة”.(7)
السياحة في قلب “الجنادرية“
المهرجان الذي يستقطب زوَّارًا من مختلف دول العالم، فضلاً عن أرجاء المملكة، يحمل بين طياته هدفًا أوسع نطاقًا من إعادة إنتاج الموروث الثقافي، إلى الفكر التنموي والاقتصادي للمملكة العربية السعودية، من خلال توسيع دائرة روافد القطاع السياحي إلى المملكة، لا سيما أن ذلك القطاع يعتبر بمثابة المؤشر على مدى نمو اقتصادات الدول أو عدمه، في ظل ظروف وتوترات لا تزال تحيط بأغلب دول الشرق الأوسط، فيما تبقى دول الخليج الأكثر تمتعًا بالأمان، وهو العنصر الأهم لضمان ارتفاع مؤشرات قطاع السياحة، إذ استوعبت جيدًا تلك الزاوية فشرعت في توفير بنية تحتية متطورة، ومشاريع تطوير وتحديث للقطاع، فضلاً عن توفير سوق سياحية أكثر تنافسية على المستوى العالمي، من خلال سياحة المؤتمرات أو السياحة الثقافية والتراثية، ناهيك عن الدينية، بطبيعة الحال.
وتظهر البيانات الرسمية لآخر نسخة لـ”الجنادرية”، أن عدد زوار المهرجان في يوم واحد تجاوز مليونًا ومئتي ألف زائر وزائرة. ومع حجم الموظفين الذين يعملون في هذا المهرجان لاستقبال هذا العدد الضخم من الزوار، تبرز خطط التوسع في قطاع السياحة للمملكة، إذ بإمكان هذا القطاع توفير نحو 1.2 مليون فرصة عمل بحلول عام 2020، وهو ما يعني أن “الجنادرية” ليس فقط تظاهرة ثقافية بقدر ما هو موسم سياحي وتوظيفي ومالي يحتل رقمًا في موازنة الدولة.(8)
هدف صناعي
هدف آخر يحمله المحفل الثقافي والتراثي السعودي “الجنادرية”، يتمثل في إبراز الصناعة المحلية من خلال التراث الشعبي وربط الحرف القديمة بالصناعات الحديثة، إذ إن فكرة إقامة المهرجان الذي يضم قرية متكاملة للتراث والحلي القديمة، ومعارض للفنون التشكيلية والأدوات التي كان يستخدمها السعوديون قديمًا، تترك مساحة للإبداع الحرفي وتسويقه أمام العالم خلال فعاليات المهرجان، وهو ما يفتح مجالاً آخر يربط الإبداع والفن بالصناعة والتنمية والتسويق، حيث يُمثل المهرجان نافذة أساسية لإظهار تميُّز المملكة العربية السعودية في جانب الصناعات والمهن الحرفية، التي لا تزال تقدم فنًا مستقلًا يعتبر بمثابة وجبة مقدمة للسياح.(9)
ويكمن الأهمية في الربط بين المهرجان والقيمة الصناعية، خاصة الصناعات اليدوية، في الآتي:
– الإنتاج المحلي من الصناعات اليدوية يصل إلى 250 مليون ريال سنويًا، وهو ما يدفع إلى زيادة الاهتمام بتلك الصناعات، التي يمكن أن تنقل إيراداتها لتتجاوز المليار ريال.(10)
– التعرف على الفنون المختلفة وتبادل الخبرات بين الممتهنين للحرف اليدوية، وهو ما من شأنه أن يصب في مصلحة تجويد تلك الصناعات، بالإضافة إلى فتح نافذة لتسويق تلك المنتجات في دول العالم.
– زيادة إدماج المرأة في الحياة العامة والإنتاجية بالمملكة، وهو ما يتوافق مع رؤية المملكة الجديدة، وذلك من خلال تطوير الصناعات النسائية اليدوية وعرضها في الأسواق الخارجية، لا سيما بعدما أتاحت عدة بلدات، وقطاعات بعض مصانع التمور – على سبيل المثال – لعدد كبير من الفتيات السعوديات، فرصة لإدماجهن في سوق العمل والتخلص من الفراغ وإيجاد عمل يؤهلهن للإنتاج والإبداع.(11)
القوة الناعمة
اختيار المملكة العربية السعودية لضيف كل عام، تنتهجه الدبلوماسية السعودية في علاقاتها الدولية، كأحد أساليب القوة الناعمة لتوثيق العلاقات مع الدول. ويأتي اختيار دولة الهند لتكون ضيف شرف للمهرجان 32 هذا العام، نابعًا من عدة مقدمات من بينها:
– ترتبط العلاقات السعودية الهندية بخصوصية ثقافية وتاريخية، كما تُشكل الثقافتان السعودية والهندية تكاملاً من الناحية التاريخية والتراثية.
– يقيم في المملكة العربية السعودية أكثر من مليوني مواطن هندي، وهو رقم كبير لا يمكن تجاهله، لا سيما أنّ المملكة تقيم خلال الفعاليات جناحًا هنديًا كبيرًا.
– تحتل الصناعات اليدوية مركزًا متقدمًا لدى الصناعات الهندية، وهو ما يجعل اختيار المقصد الهندي اختيارًا اقتصاديًا، فضلاً عن البعد الثقافي والاجتماعي، لا سيما أن البلدين وقعا برنامجًا تنفيذيًا للتعاون في مجال “الحرف والصناعات اليدوية” بين الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، ومجلس ترويج صادرات الحرف والصناعات اليدوية الهندي.
– باتت الهند، مؤخرًا، واحدة من الدول التي حوّلت علاقتها مع السعودية من علاقة البائع والمشتري إلى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وهو ما يضيف بعدًا آخر لتكامل العلاقة بين البلدين.(12)
إجمالاً، فإن مهرجان الجنادرية الذي يحظى باهتمام محلي ودولي واسع، يحمل أهدافًا تمر عبر الإحياء الثقافي والتراثي من خلال إزالة الحواجز بين الإبداع الأدبي والفني، والآخر التقدمي والتكنولوجي، لتتحول التظاهرة الثقافية إلى “صناعة محلية” تصل إلى المستويات الاقتصادية والتنموية، وتعكس التطور الذي تعيشه المملكة العربية السعودية حاليًا.
وحدة الدراسات السياسية*
وحدة الدراسات الاجتماعية*
المراجع
بانوراما صور مهرجان الجنادرية
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر