سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
كيستر كيني كلوميجاه
صرَّح وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” في أوائل مارس 2018، خلال مقابلة له مع مجلة “رجال إفريقيا” Hommes d’Afrique، بأن أصدقاءنا الأفارقة لديهم حاجة لوجود روسيا الفعَّال في قارتهم، وكثيرًا ما يعبرون عن اهتمامهم بعقد قمة روسية – إفريقية، وأن مثل هذه القمة ستساعد – بلا شك – على تعميق التعاون بشأن مجموعة من القضايا.
لقد أقرَّ “لافروف” صراحة بأن التعاون الاقتصادي الروسي، لم يكن متواكبًا مع عمق العلاقات السياسية، لكنه كان من الأفضل أن يصحب ذلك تعميق الروابط التجارية والاقتصادية إلى مستوى عالٍ كالتعاون السياسي من خلال الترويج للأنشطة الاقتصادية وتوظيف أوسع للإمكانات الهائلة المتوفرة للتعاون الاقتصادي والتجاري بين روسيا والأفارقة. وكما يرى “لافروف”، فمن المؤكد أنه لاتزال هناك حاجة لمزيد من الوقت لحل كل تلك القضايا، وهو ما يفرض إطلاق حوارٍ تجاري بين روسيا وإفريقيا من خلال اجتماعات الخبراء في إطار “منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي”.
وكما يشير العديد من القادة السياسيين الأفارقة، فإن إفريقيا لا تبحث عن المساعدات، بل تبحث عن استثمارات وأنشطة تجارية، إذ شهدت الفترة الأخيرة محادثات رفيعة المستوى مع عدد من المسؤولين الروس على قدر من المساواة والاحترام المتبادل كنهج مطلوب في الدبلوماسية. بجانب ذلك، شهد العقد الماضي، وتحديدًا خلال عهد رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي “جون بينغ”، ومن بعده عهد كلٍّ من “نكوسازانا كلاريس” و”دلاميني زوما”، والحالي “موسى فاسي محمد”، حماسة عالية بخصوص مشاركة روسيا النشطة في القطاعات الاقتصادية، وخاصة الطاقة والبنية التحتية والزراعة والصناعة في إفريقيا.
لكن لا تزال هناك تصورات سلبية مستمرة بين الأفارقة، سواء على مستوى النخبة، أو رجال الأعمال والطبقة الوسطى من الجماهير، تجاه روسيا بسبب ضعف مستوى الحماسة الروسية؛ إذ لم تكن هناك آلية شاملة، أو تنسيق لضمان الوفاء بالتزامات روسيا الاستثمارية باعتبارها من العوامل الرئيسية التي تؤثر على التعاون الفعَّال بين روسيا وإفريقيا.
فقد نشرت شركة “بيزنس ريسيرش آند كونسلتينج” Presentation and Consultations، ومقرها لندن، تقريرًا حديثًا حول الفاعلين الدوليين الذين سيواصلون توسيع نطاق المشاركة الاقتصادية والتجارية في جميع أنحاء إفريقيا. ويكتسب هذا التقرير أهمية كبيرة في ضوء وضع روسيا العالمي، وكذا الأطراف الفاعلة في إطار تجمع “بريكس” الذي يضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، بما له من دور في إفريقيا جنوب الصحراء بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
وكذلك يرى الخبراء والمستثمرون، أن إفريقيا التي تضم 54 دولة، تُعدُّ الجبهة الأخيرة بالنسبة لهم، بما تزخر من موارد طبيعية ضخمة لا تزال غير مستغلة، فضلاً عن عدد هائل من الفرص التجارية الناشئة والسوق الاستهلاكية المتنامية بسبب تزايد عدد السكان، إذ أصبحت – حاليًا – ميدانًا لحركة الكثير من الفاعلين العالميين. ومن ثَمَّ، فإن لدى روسيا رغبة في أن تكون القوة المحركة في عدد من المجالات المهملة نسبيًا؛ ففي مقابلة حصرية، قال الأمين التنفيذي لجماعة التنمية للجنوب الإفريقي، “سترغومينا لورانس تاكس”، إن روسيا لديها تاريخ طويل من الارتباطات الثنائية مع دول الجنوب الإفريقي.
لقد شهدت الزيارة الأخيرة التي قام بها “سيرغي لافروف” لجمهوريات أنغولا وإثيوبيا وناميبيا وزمبابوي، توقيع عددٍ من اتفاقيات التعاون الاقتصادي لجذب الاستثمارات الروسية في مجالات رئيسية، مثل: التعدين وقطاع الطيران والطاقة، وكذلك دعم القوات المسلحة. وكما جاء في بيان الوزير الروسي، فإن الجانبين الروسي والإفريقي لديهما رغبة في تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية لتواكب مستوى عمق العلاقات السياسية. وعلى غرار غالبية الدول النامية، فقد اعتمدت بلدان الجنوب الإفريقي على مرِّ السنين إلى حدٍّ بعيدٍ على المؤسسات المالية الإنمائية، سواء على المستوى الاقليمي، أو متعدد الأطراف في تمويل مشاريعها الإنمائية.
وقد لقي هذا التوجه ترحيبًا من مجموعة “الساديك” بالمستثمرين من كافة أنحاء العالم. وفي الواقع لم تكن روسيا محلاً للنظر في إفريقيا مقارنة بالصين والهند أو البرازيل. لكن من المشجع أن روسيا وضعت نفسها، في الآونة الأخيرة، موضع الشريك الرئيسي مع جنوب إفريقيا، فضلاً عن تشجيع عدد من أعضاء “بريكس” على انخراطها في تلك المنطقة، بخاصة في مجال الاستثمار بقطاعات المعادن والطيران والدفاع والطاقة. ففي شهر مارس من العام الماضي، زار “لافروف” جنوب إفريقيا، وأجرى محادثات مع رؤساء كلٍّ من: أنغولا وناميبيا وموزمبيق وزيمبابوي.
لقد أخفقت السياسة الخارجية الروسية في فرض نفسها على الساحة الإفريقية، وهو ما يتجلى في التراجع الدبلوماسي لروسيا داخل أروقة الأمم المتحدة. فإفريقيا في حاجة إلى النهوض الاقتصادي، والأمن الإنساني المتمثل في التعليم والصحة والمأوى، فضلاً عن مواجهة الإرهاب العابر للحدود الوطنية وغيره العديد من التحديات التي تعاني منها القارة الإفريقية. في هذا السياق، فإن الاتحاد الروسي لديه القدرة على مساعدة إفريقيا في التغلب على هذه التحديات فيما يعزز استغلال الموارد الضخمة التي تزخر بها إفريقيا.
وكما يقول “جون إندريس”، الرئيس التنفيذي لمبادرة “الحكم الرشيد في إفريقيا”، فإن أبرز ما يميز الدور الروسي هو غيابه عن إفريقيا؛ ففي حين كان الاتحاد السوفييتي منخرطًا على نطاق واسع في قضايا القارة، فقد تخلت روسيا تمامًا كغيرها من اللاعبين الدوليين خلال العقدين الماضيين. وعلى الرغم من بعض المواقف المتشائمة والحذرة لدى بعض المراقبين، فإن عددًا من الفاعلين الأجانب لديهم قصص نجاح رائعة؛ فالبرازيل والهند والصين تلعب دورًا بارزًا في إفريقيا. لكن السؤال الأهم هو: هل يمكن أن تنخرط هذه البلدان في اتفاقيات جماعية، أو سياسة خارجية موحدة وفاعلة في إطار “بريكس” بإفريقيا؟ فالعديد من الفاعلين الأجانب لديهم مصالح فردية وتوجهات استثمارية متنوعة.
ذلك أن بعض الخبراء والمراقبين لا يزالون يجادلون بأنه لم يفُت الأوان بعدُ على دخول روسيا في الميدان الاقتصادي، لكن ما يتطلبه الأمر هو القضاء على الصورة النمطية السوفييتية التقليدية، وتحديد أولويات مشاريع الشركات الروسية، وكذلك اعتماد استراتيجية سياسية جديدة تجاه القارة التي تنطوي على سوق ضخم به نحو 350 مليونًا في إقليمها الأوسط. وبطبيعة الحال، فإن روسيا عليها أن تخاطر من خلال الاستثمار والاعتراف بأهمية التعاون في قضايا الاستثمار الكبرى والعمل بشكل وثيق مع القادة الأفارقة في إطار الفرص والتحديات بالقارة، لكن الروس كانوا يحاولون العودة إلى الظهور مرة أخرى خلال السنوات الأخيرة، وهي الخطوة التي تستحق الإشادة بها.
وكما يؤكد “كواوكومي”، الناشط الإفريقي الذي حصل على خبرات تدريبية في النرويج على مدار عقد من الزمان، فإن ثمة مساحة وثغرات كافية بإفريقيا بالنسبة للمستثمرين الروس يمكنهم التحرك في إطارها على أن يكون ذلك بطريقة جادة، وهو ما يمكن أن يكون مفيدًا بالنسبة لجميع الأطراف المعنية. ويشكل المستوى المتدني لتنمية البنية التحتية في إفريقيا مجالاً مهمًا لعمل شركات البناء والمقاولات الروسية، وكذلك الشركات العاملة في قطاعات الطاقة.
لقد أصبحت مؤتمرات الأعمال الاقتصادية شائعة بصورة متزايدة خلال السنوات الأخيرة، إذ تُعدُّ بمثابة منصات تفاعلية للحوار، ومن ثَمَّ يتعين على المسؤولين الروس الاستفادة من الخريجين العرب من الجامعات الروسية، والمدربين جيدًا على أيدي الخبراء الروس ليعملوا كجسور لتحفيز التعاون في مجال الأعمال، ذلك أن ما تحتاجه روسيا بالفعل هو أجندة متعددة الجوانب بالنسبة لإفريقيا. وهو المنطق المماثل لما يذهب إليه البروفيسور “أجيو آل باسكال” المحامي الأوغندي ومستشار الأعمال في دار السلام بتنزانيا في منطقة شرق إفريقيا، بأن روسيا بحاجة إلى مشاريعها الضخمة وشركاتها الخاصة، حتى تنخرط في المجالات الاقتصادية الاستراتيجية. ويمكن أن تستغل روسيا تاريخها وخبراتها في مجال التزويد بالطاقة الكهربية لمساعدة الأفارقة. وكذلك يمكن أن تعمل على تعزيز إنشاء مراكز التصنيع والمشاريع الضخمة، واستغلال التكنولوجية الروسية في تعزيز المجالات ذات المنفعة المتبادلة ودعم البلدان الإفريقية. وهو ما يتشابه مع ما قامت به العديد من الدول كالولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي، والصين والهند واليابان، إذ استخدمت كلٌّ منها هياكلها المؤسسية بفاعلية، إذ كان هناك درجة عالية من الالتزام المالي واعتماد استراتيجية لتحقيق أهدافها ومصالحها الرئيسية في الميدان الاقتصادي بإفريقيا.
ويشير الواقع إلى وجود العديد من الفرص لتحويل مسار الأعمال التجارية؛ ذلك أن الروس إذا استطاعوا أن يسهموا بمزيج متميز من الحوافز الاقتصادية؛ فإنهم سيتميزون عن المسار الذي خرج منه الاتحاد السوفييتي بعد انتهاء الحقبة السوفييتية. لقد حان الوقت لبذل جهود حقيقية لتنفيذ العديد من الاتفاقيات الثنائية المبرمة بالفعل مع البلدان الإفريقية؛ فعلى الرغم من أهمية ذلك التوجه، فإن الاتحاد السوفييتي لم يحاول استعمار إفريقيا، فقد تراجع النفوذ السوفييتي بالقارة تقريبًا، مع انهيار النظام السوفييتي عام 1991. أمَّا اليوم، فلا يزال النفوذ الروسي بإفريقيا رغم الجهود المبذولة لإنعاشه نسبيًا.
وبالنظر إلى وضعها العالمي، يجب أن تعود روسيا لنشاطها في إفريقيا كغيرها من بلدان أوروبا الغربية والاتحاد الأوروبي وأميركا والصين، فروسيا غائبة رغم كونها تلعب دورًا لا يكاد يذكر. والملاحظ أن موسكو غير راضية عن ذلك الوضع. وفي الوقت الراهن تهيمن الدبلوماسية الرسمية على تحركاتها؛ فقد تمَّ إبرام عدد كبير من الاتفاقيات مع جنوب إفريقيا وغيرها من دول القارة، وشهدت الفترة الأخيرة عددًا من الزيارات الرسمية من جانب المسؤولين الروس، لكن النتائج تبقى غير واضحة؛ فقد أعاد “الكرملين” إحياء اهتمامه بالقارة الإفريقية، ومن ثَمَّ يتوقع أن تشهد الفترة المقبلة نتائج ملموسة.
وبالطبع، يرجع الفضل بشكل كبير إلى سمعة إفريقيا المتنامية كمنطقة للتجارة على مدار السنوات القليلة الماضية، إذ استضافت الصين والهند واليابان والاتحاد الأوروبي اجتماعات إقليمية مماثلة لقمة مع القادة الأفارقة.
ووفقًا لدراسة استقصائية أجرتها شركة “بحوث الأعمال والاستشارات” Business Research and Consultancyفي الفترة ما بين يناير 2016 ويونيو 2018، فقد أصبح من الأهمية بمكان أن يتم توقيع مذكرة تفاهم قائمة بين روسيا والدول الإفريقية، بالإضافة إلى عدد من الاتفاقيات الاقتصادية المختلفة التي توصلت إليها مجالس الأعمال المشتركة، أخيرًا، وهو ما يمثل إطارًا قويًا لرفع نفوذ روسيا الاقتصادي بقوة إلى مستويات ملموسة في قارة إفريقيا.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: أوراسيا ريفيو Eurasia Review
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر